مدحت بشاي
بفأل طيب، تعود بى الذاكرة إلى يوم مُفرح فى زمن الطفولة عندما تم اختيارى لعضوية فريق المدرسة للسفر إلى القاهرة لحضور البرنامج الإذاعى الشهير «أوائل الطلبة»، وما كنت يومًا ما فى حياتى من الأوائل باستثناء يوم تخرجى فى الجامعة بترتيب الأول على الدفعة بكلية الفنون التطبيقية، فقد كان اختيارى لتمثيل المدرسة فى مجال ما كانوا يسمونه «الهوايات»، بعد أن قمت برسم القائد الشهيد العظيم «عبدالمنعم رياض» بشكل حاز إعجاب المدرسة إلى حد قيام الناظر التربوى الجميل بوضع «البورتريه» فى إطار بديع وتثبيته على الجدار الخلفى لمكتبه بما يناسب اسم المدرسة «عبدالمنعم رياض الثانوية».
وأعتذر، إذ أردت استهلال مقالى بسرد ذلك الحدث الخاص للإشارة لتلك الحالة السعيدة التى عشتها، والتى غمرت أسرتى والأقارب والجيران بحالة من الزهو والفخار فى انتظار لحظة قيام المذيع الرائع بذكر اسمى ووصف لوحتى، وللتأكيد على أهمية مثل تلك البرامج التى تحتفى بقيم التفوق والتميز والاجتهاد فى زمن بات يطفو على السطح سلوكيات أهل الفهلوة والاستسهال والنجاح المريب والانتهازية الحقيرة والسوقية الرخيصة.
وعليه، التحية واجبة للقنوات التليفزيونية التى دأبت فى الفترة الأخيرة على الاستمرار والتطوير لتقديم مثل تلك البرامج الهامة والهادفة، وللشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التى قامت بدور هائل فى استحداث برامج داعمة لأصحاب المواهب والملكات الإبداعية فى مجالات الفنون والثقافة والرياضة، والأروع فى مجال إنتاج الدراما بشكل عام والوطنية والتاريخية بشكل خاص.
نعم، التحية واجبة لبرامج داعمة لإثراء الوعى الجمعى والتى تحتفى بتقديم شباب واعد وإنتاج إعلام يعيش المستقبل بمتطلباته ويقاوم وينبذ برامج المعارك الفضائحية وغير الأخلاقية والمحرضة على تسفيه دور الرموز فى حياتنا، وممارسة شراء كرامة بعض النجوم وإهانتهم مقابل حفنة دولارات!.
ويمكن التوقف عند بعض الأمثلة الرائعة لبرامج إيجابية هامة تتقارب وتناسب حلم مواطن ووطن بالعيش فى جمهورية جديدة، منها ما يحمل العناوين التالية: «مصر تستطيع» و«العباقرة» و«الجدعان» و«أطياف» و«هذا المساء مع قصواء » و«كلام فى السياسة» و«المشهد» و«كابيتانو مصر » و«الشاهد» و«مع فاروق جويدة».. وأخيرًا برنامج «المسرح الجامعى»، والذى أسعدنى إنتاجه مؤخرًا وبثه على قناة تن المصرية.. وبالمناسبة أستأذن عزيزى القارئ للتوقف عند بعض تفاصيل تجربة شخصية للتعامل مع مواهب شبابنا فى الجامعات المصرية..
مع المسرح الجامعى كانت بداية حياتى العملية، وكان تعيينى بكلية الحقوق (جامعة القاهرة) للإشراف على الفرق الفنية (فنون تشكيلية وموسيقية ومسرحية).. كانت البداية تلقى مفاجأة غلق مسرح الكلية فى فترة عمل الزميل السابق لى عقب الاستسلام لضغط جماعات التشدد من قبل القيادات الطلابية فى تلك الفترة بتوجيه اتهامات كاذبة لطلاب المسرح واقتناع إدارة الكلية من باب اجتناب المخاطر.
كانت البداية (فى منتصف الثمانينيات) بجهود تغيير المفاهيم والإعلان عن معاودة النشاط على خشبة المسرح بالتوافق والمحادثات الأصعب مع إدارة الكلية، والمجال قد لا يسمح باستعراض تلك الجهود.. وبالتدريج كان انضمام الشباب الموهوب بمتابعة من عدد من المخرجين والممثلين المحترفين، وهم من صاروا الآن من النجوم الأهم فى السينما والتليفزيون والمسرح، نذكر منهم على سبيل المثال (خالد صالح- خالد الصاوى- طارق عبدالعزيز- هشام منصورـ خالد طعت- ممدوح المداح- محمد هنيدى- أسامة عبد الله- خالد الشوربجى- هانى بدوى ـ ماهر عبيد- سيد فؤاد- أحمد عبدالله- عمرو رشادـ ناصر مجاهد- مريم أحمد).
ومعلوم أن معظم هؤلاء الآن يمارسون أدوارهم الإبداعية بتألق مشهود لهم (ممثلين ــ مخرجين ــ كتاب سيناريو ــ قيادات إعلامية لمواقع منتجة للفنون الإبداعية ــ رؤساء مهرجانات سينمائية ومسرحية ــ قيادات نقابية).
لقد أکدت التجارب التطبيقية بشكل واضح أن المسرح الجامعى بمكوناته الفكرية والجمالية بمقدوره إشباع حاجات الشباب الإنسانية الأساسية، حيث يلبى الاحتياجات التربوية والتعليمية والنفسية والاجتماعية لدى الممارس على اختلاف عمره ووسطه الاجتماعى، وبات من المعلوم أن مردوده فى بناء الشخصية للشباب يفوق مردود كل الوسائل الأخرى.
ويُعد المسرح الجامعى واحدًا من أهم روافد المشهد المسرحى العام، إذ يعتبر معملًا لتفريخ الفنانين سواء مؤلفين أو مخرجين أو ممثلين أو كافة العناصر المسرحية الأخرى، وربما هامش الإتاحة الفكرية له أكبر من هوامش الإتاحة لعروض الروافد المسرحية الأخرى، كما لا نغفل أن الحماس الذى عادة ما يسيطر على الشباب العاملين فى المسرح الجامعى يجعله يتطرق إلى آفاق قد لا نلمسها فى المسارح الأخرى سواء فى مسرح الدولة أو مسرح القطاع الخاص.
وعليه، أرى أهمية أن تتكاتف الجهود لدعم تلك النوعية من الأنشطة الإبداعية لشباب مصر، ولعل المتابع والمتلقى لعشرات الأعمال الدرامية التى تنتجها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على شاشات التليفزيون يعلم أن فضل المسرح الجامعى من الروعة ملحوظ بقدر هائل فى مجال تأهل العشرات من شبابنا لممارسة التمثيل والإخراج والسيناريو والديكور بشكل متميز.
وأرى البداية بتطوير أجهزة رعاية الشباب، وهى الأجهزة المنوط بها إدارة وتنظيم الأنشطة الطلابية فى الجامعات، وبأمل تغيير مسماها إلى الإدارة العامة للأنشطة الطلابية وحذف مفهوم «الرعاية» التى تحمل معانى التفضل والمنح الأبوى والاجتماعى، وضرورة انخراط الموظف المسؤول فى حضور دورات تدريبية جادة فى مجال عمله (العمل على سبيل المثال فى مجال الأنشطة المسرحية يحتاج لممارسة خبرات متخصصة حتى لا يمثل الموظف والأستاذ الدكتور المشرف على النشاط حجر عثرة فى انسيابية الأداء وتحقيق آمال الموهوبين من شبابنا فى الحصول على فرص حقيقية لدعم ملكاتهم الإبداعية).
أيضًا لا بد من إصلاح وتطوير اللوائح الجامعية الحاكمة والميسرة لتنظيم تلك الأنشطة التى قد تتيح فرص تقديم عروض غنائية وموسيقية ومسرحية بمقابل رمزى على مسارح الجامعة أو مسارح الدولة لدعم الصرف على إنتاج مثل تلك العروض، وأن تقوم جهات إنتاجية تليفزيونية بتصوير حرفى مهنى لبعض الأعمال الفائزة وعرضها مقابل دعم إدارات الأنشطة الطلابية.. وللمقال تتمة لاستكمال جوانب عرض هموم المسرح الجامعى.
نقلا عن المصري اليوم