د. رامي عطا صديق
ونحن صغار كثيرًا ما كان بعض أفراد العائلة والمدرسين يسألوننا: من هو مثلك الأعلى، و«تحب تطلع زى مين»؟ لتتنوع الإجابة بين هذا الفنان المحبوب أو ذلك اللاعب الشهير، وربما غيرهما من مشاهير المجتمع ونجومه.
وعند مناقشة رسالة الماجستير التى قدمتها نهاية عام 2005م، أذكر أن أستاذتى الدكتورة عواطف عبدالرحمن سألتنى: مَنْ مِن الصحفيين القدامى يُمثل قدوة لك وكنت تتمنى أن يعود بك الزمن لتعمل معه؟ أجبتها دون تردد: أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد الذى يُلقب بـ«فيلسوف القومية المصرية وأبوالليبرالية المصرية»، وكان معجونًا بحب الوطن والانتماء إليه، وقد شغل عدة مواقع منها مدير دار الكتب ومدير جامعة فؤاد الأول (القاهرة).
حقيقة الأمر أن الحديث عن القدوة حديث مُتكرر، لكنه حديث مُهم وغير مُمل، لأننا باستمرار نحتاج فى حياتنا إلى القدوة والمثال والنموذج، فى مختلف الفروع والمجالات، فالقدوة قد يكون من بين رجال الدين أو السياسيين والعسكريين، أو الاقتصاديين ورواد الأعمال.. الفنانين.. الرياضيين.. الأطباء.. المهندسين.. المحامين.. الصحفيين والإعلاميين، وغيرهم من أصحاب الوظائف والمهن، من البارزين فى المجال العام ولهم دور مجتمعى فاعل ونشيط.
والقدوة «Role model» حسب علماء الاجتماع هو شخصية مرجعية للآخرين، يتأثرون به ويتوارثون أفكاره وينقلون أعماله، كما أن الشخص القدوة هو الشخص الذى يُمثل دورًا اجتماعيًا لأشخاص آخرين، سواء عن قصد أو عن غير قصد. وفى قواميس اللغة فإن القدوة مصطلح يعنى المثال والأسوة والنموذج، أى من يتخذه الناس مثلًا أعلى فى حياتهم وممارساتهم اليومية، فنقول عن فلان أو فلانة إنه قدوة ومثال يقتدى به الآخرون.
وعبر التاريخ كثيرًا ما ظهرت شخصيات كثيرة رائدة مُلهمة، وقدوة للآخرين، على المستوى القومى والإقليمى والدولى، تتزين بها صفحات الكتب والموسوعات، والمقالات والدراسات والأبحاث، وتكون موضوعًا لأعمال تسجيلية ودرامية، حيث إن الاهتمام بالسير والتراجم لهؤلاء الذين صنعوا التاريخ وخلفوا آثارًا مهمة «تحتل فى مدونة التاريخ مكانًا مرموقًا ولأن التاريخ هو البحث وراء الحقيقة وتمحيصها وجلاء غموضها فى أى جانب من جوانب الحياة الإنسانية، فإن السيرة هى البحث عن الحقيقة فى حياة إنسان فذ، والكشف عن مواهب وأسرار عبقريته من ظروف حياته التى عاشها والأحداث التى واجهها فى محيطه والأثر الذى خلفه فى جيله»، حسبما يذهب حسين فوزى النجار فى كتابه «التاريخ والسير».
أذكر مثلًا أن الزعيم سعد زغلول (1858- 1927م)، رمز ثورة المصريين سنة 1919م ضد الاحتلال البريطانى، كان مُلهمًا للزعيم الهندى المهاتما غاندى (1869- 1948م)، ذلك الأخير الذى كان يعتبر «سعد» أستاذه فى الوطنية وأستاذ كل الحركات الوطنية الجديدة فى الشرق. وخلال سنوات القرنين التاسع عشر والعشرين كان رفاعة الطهطاوى قدوة لآخرين فى زمانه، وهكذا السيد جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده، ومصطفى كامل وسلامة موسى، وهدى شعراوى والدكتور أحمد زويل والبابا شنودة، ومن المعاصرين الدكتور مجدى يعقوب واللاعب محمد صلاح.. والقائمة تطول.
ونلاحظ أن بعض المدارس تحمل أسماء شخصيات رائدة ومُلهمة، وكذلك أسماء بعض الشوارع، ومحطات المترو، وفى معرض القاهرة الدولى للكتاب، وهو معرض سنوى، يتم اختيار شخصية المعرض من بين المثقفين والمفكرين، وشخصية أخرى من بين كُتّاب الأطفال، كما تحرص بعض كليات ومعاهد الإعلام على اختيار رمز صحفى/ إعلامى يتم إطلاق اسمه على الدفعة التى تتخرج، وهو تقليد تتبعه بعض الكليات والمعاهد العلمية فى تخصصات أخرى، وكثيرًا ما يحتوى الموسم الدرامى فى شهر رمضان المبارك على مسلسلات تقدم سيرة ذاتية لأحد مشاهير ونجوم المجتمع، حيث شاهدنا خلال السنوات الماضية مسلسلات عن قاسم أمين وعلى مصطفى مشرفة والشيخ محمد متولى الشعراى وأم كلثوم وعبدالحليم وصباح وأسمهان وغيرهم.
وقيمة القدوة الحسنة/ الرمز أنه يقدم قيمًا حياتية إيجابية، ويساهم بدوره فى تشكيل منظومة القيم السائدة فى المجتمع، خاصة بين الأطفال والشباب، ومن هنا تأتى أهمية تقديم القدوة والمثال والنموذج، عبر مختلف الوسائل والأدوات، فى مناهج التعليم ومقرراته الدراسية، وندوات المدارس والمعاهد والكليات وقصور الثقافة ومراكز الشباب والمكتبات العامة، وفى حوارات الصحف وغيرها من وسائل الإعلام، والأعمال الدرامية من مسلسلات إذاعية وتليفزيونية وأفلام سينمائية وأعمال مسرحية.. نقدم القدوة الحسنة للتمثل بإيجابياتها والاستفادة منها فى عملية التنمية والتطوير والمشاركة بفاعلية فى بناء الجمهورية الجديدة.
نقلا عن المصري اليوم