الأقباط متحدون - محنة وطن‏..‏
أخر تحديث ١٧:٥٤ | الاربعاء ١٢ ديسمبر ٢٠١٢ | ٣ كيهك ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٧٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

محنة وطن‏..‏

هي لحظة لا تحتمل المواءمات في التناول والتحليل والطرح‏,‏ بل تحتاج إلي مصارحة جادة وموضوعية نقدر فيها علي تسمية الأمور بأسمائها‏,‏

 ففي ظني أن الأزمة تكمن في شيوع ثقافة التشكيك والمصادمة بين كل الأطراف, من دانت له السلطة ومن يجلس في صفوف المعارضة ومن اكتفي بمقاعد المتفرجين, وخلفهم تراث ممتد من الخبرات المؤلمة, ولا تبتعد عن الصورة الصراعات والتطلعات الإقليمية والدولية.

لم يعد خافيا أن نقطة الانطلاق كانت محملة بعوار تأسس عليه جل ما نعانيه, ولعلنا نتذكر ذلك السجال الذي دار بين ترتيب الأولويات: الدستور أم الانتخابات أولا, ودارت رحي الخلافات وانتهت إلي خيار الانتخابات أولا, ولم يعد من المجدي اجترار تداعيات ما حدث وتبادل رمي الكرة كل في ملعب الآخر, فما نحن بصدده أنكي وأخطر.

ووفق الترتيب الذي استقر جاءت خطوة وضع الدستور وفق الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الاعلي للقوات المسلحة, وحمل في ثناياه قنبلة موقوتة فيما يتعلق بتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور, والتي أفضت إلي إبطال المجكمة الدستورية للتشكيل الأول للجمعية, وكاد التشكيل الثاني يلقي نفس المصير, لتتصاعد وتيرة الاحتقان السياسي بصدور ما سمي بالإعلان الدستوري التالي والذي يحصن الجمعية ضد الحل وكذلك مجلس الشوري, وينفجر الصدام بين مؤسستي القضاء والرئاسة, لتعلق المحاكم جلساتها, وتتطاير التصريحات النارية المتبادلة.

وفي خطوة تالية تعلن مسودة الدستور وتثير زوابع جديدة تتحول إلي تظاهرات واعتصامات تواجهها إخري في اتجاهات متناقضة, ويطل العنف برأسه ليصبغ المشهد بلون الدم ويرتجف قلب مصر مع اختلاس المتشددين دور الأجهزة الامنية وتقومون باحتجاز واستجواب من يرونه ينتمي للتيارات المدنية في وقت كانت التقنيات الناقلة للحدث تحاصر وترصد وتسجل وترسل كل هذا لحظة بلحظة, وفي طرف المشهد تختفي الدولة عبر اجهزتها المنوط بها حماية الشارع والحفاظ علي سلامة الوطن ووحدة اراضيه, تحت ذريعة الحيادية.

وتتوالي علي المشهد القرارات المتسرعة في الصدور وفي النكوص عنها, لتزيد حالة الإرتباك وتغلق الباب أمام مخارج صحيحة وموضوعية, وأختلط الموضوعي بالذاتي والعام بالشخصي, ليصبح القرار معلقا علي ضغوط الشارع, ويجد صاحب القرار نفسه ممزقا بين ضغوط الشارع وضغوط الجماعة التي ينتمي إليها, وقد شهدت الساعات والأيام القليلة الماضية احتلال صقور الجماعة الفضائيات وما أرسلوه من رسائل حادة تؤكد توجه التحدي والإستعلاء والإصرار علي تغليب الرؤية الخاصة علي مصلحة وطن يتطلع إلي من يمد يديه الي الفرقاء لفتح حوار موضوعي يعيد الأمان لشارع يلفه الرعب من القادم بما يتجاوز ما صنعته مرحلة التطرف الديني قبلا.

وبحسب حسابات القوة والسلطة يقع العبء علي صاحب القرار في دولة مركزية, ويصبح مسئولا عن السعي الجاد لتفكيك الأزمة والتي صارت في حقيقة الأمر محنة, وهنا لابد من مواجهة التصعيد الذي يصنعه مؤيدوه أو من يزايد عليه وعليهم من فصيل او فصائل أكثر تشددا.

قد يكون من بين ما ننتظره العودة إلي نقطة تفجر الأزمة وهو القطيعة المحتدمة بين الحكم والمعارضة بجدية تتجاوز الشكليات او دعوات الحوار المؤسسة علي ثقافة الإذعان, وإصدار دستور مؤقت يضبط العلاقة الأساسية داخل الوطن, واعادة تشكيل الجمعية التأسيسية مجددا علي اسس صحيحة توافقية حقيقية, واعادة الإعتبار للأمن بغير تحيزات, ولعل اولويات المواجهة فك الحصارات المضروبة علي المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي بغير مقتضي ولخطورة رمزيتهما, التي تحمل اشارات مفزعة وقبلهما كانت المليونية تحاصر جامعة القاهرة, فهل المقصود استلاب القضاء والإعلام والتعليم في تفريغ الدولة من مقومات بقائها وتماسكها. ولا يمكن بحال وضعها محل مقايضة مع المظاهرات الاحتجاجية المدنية بالتحرير أو الإتحادية والتي لا تحمل رسائل ترهيبية أو أفعالا دموية.

علي أن الأمر الأخطر هو ما يسري كالنار تحت الهشيم ويملأ الفضاء الإلكتروني وبعض الفضائيات من ترويج لحديث مسموم عن تورط الكنيسة في مساندة التيار الشعبي والقوي المدنية ضد الرئيس والإخوان, رغم إعلانها الواضح أنها لم تعد لاعبا سياسيا بحال بعد أن تغير المناخ الضاغط عليها من الأنظمة السابقة, وخروج شباب الأقباط من اسوار الكنيسة للتفاعل مع اقرانهم من المصريين المسلمين, بل وخروجهم بالكنيسة للوطن.

الأخطر هو تجاوز التقول علي الكنيسة بالخروج من حدود المساندة إلي الدعم اللوجيستي وامداد المتظاهرين والمعتصمين بالمال والسلاح, وهو أمر يتجاوز التصارع السياسي الي كونه جريمة مكتملة الأركان يقوم بها ناشرو ومصدرو تلك التقولات, وكان المنتظر ان يتحرك النائب العام في ملاحقة هؤلاء قضائيا, فهو أمر جده جد وهزله جد وكلاهما كارثي. وهو محاولة ساذجة لتبريرالإنفجار الشعبي باستدعاء نظرية المؤامرة, بدلا من مواجهة الواقع والإقرار بحتمية قراءته بعيدا عن سياسات الإقصاء والإنفراد بالقرار, في مرحلة مرتبكة وشائكة.

ويبقي أن ننبه من لم يدركوا وقد انكفئوا علي أنفسهم إلي دور الكنيسة في حفظ التراث المصري عبر رقائقه المتتالية, لغة وفنا وفلكلورا وثقافة مصرية, في مناخات مضادة ومناوئة عنفية, ويمكن من خلال طقوسها الدينية اليومية التعرف عن قرب علي الجذور الثقافية والحياتية المصرية, أنه لو وجد هذا التراث مكانه المناسب في ثنايا مناهج التعليم, في مستويات الدراسة المختلفة, وابحاث الجامعة واسهامات العلماء, واهتمامات آليات الثقافة عبر الكتاب والفيلم والقصة والدوريات, وبث فضائيات الإعلام وأقلام الكتاب وصفحات الصحف وأثير الإذاعة, لما تعرضت ارضيتنا المصرية للتشقق ولما برزت أزمات النحر في شطآن الوطن.

ايها السادة ارفعوا ايديكم عن الكنيسة.. ولعلكم تدركون أن الأقباط هم الرقم الصعب في معادلة تاهت فيها الأرقام.

نقلاً عن الأهرام


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع