محمد يونس
كنت دائما ما اتفزز من لقطات سينمائية قدمها (انور وجدى ) للطفلة الفنانة فيروز وهي ترتدى بدل رقص مختلفة وتقلد الراقصات بديعة مصابني، سامية جمال، و تحية كاريوكا ..

طفلة صغيرة شقية تتراقص و تغني بأسلوب خارج المعتاد لسلوك الاطفال في سنها بحيث تصبح مادة للتندر و الابتسام ..

 تحويل طفلة جميلة الي مسخوط مضحك كان في تصورى و لا يزال جريمة في حق الاطفال خصوصا ان هذا النموذج انتشر بشكل فج بين عائلات ذلك الزمن بحيث لم تخلو مناسبة من وجود طفلة او أكثر ترقص رقص الكبار بما فيه من تثنيات وغمزات وأشياء أخرى .

المشكلة أننا اصبحنا في عصر نحول فيه الكبار أيضا ليصبحوا مساخيط يمثلون أدوار الحكماء و الحكام و الوزراء .. و الأساتذة العلماء ..و هم لم يتعدوا بعد الخطوات الأولي من النضج الفكرى و المعرفي و السياسي

مقارنة الطفلة فيروز بأطفال آخرين ( صبية وبنات ) يرقصون ويغنون ويمرحون بنشاط وقوة فى أفلام والت ديزنى كنموذج مسلسل(Glee ) متوافقين مع سنهم وبيئتهم وأحاسيسهم ، تشير فورا الى أسباب تفوق كبارهم علميا وانسانيا وخلقيا،.

وتجعلنا نفارن بين الطريقة التي يصل بها حكامنا لكراسي اتخاذ القرار  مع من يماثلوهم في بلاد الواق الواق .

تربية المساخيط ( الطفل الذى يشبه الكبير فى تصرفاته ) عمل شرقى بحت حتى من بين من هم أفضل ثقافة ووعيا .. لقد صدمت منذ حوالى ثلاثين أو خمس وثلاثين سنة عندما حضرت حفل زفاف ابنة كادر شيوعى مصرى ، فوجدت أن الابنة الصغرى ( حوالى ست أو سبع سنوات ) تقف بين الحاضرين تعيد تسميع ما حفظته من كتب لينين وفى مجال صعب ( الطفولة اليسارية ) بين ابتسامة فخر من الأب وسعادة العروسين وتشجيع أصدقاء العائلة .. ولا أريد أن أقص ما آلت اليه هذه الطفلة بعد ان كبرت وتعلمت وتزوجت .

نفس المشهد تكرر على شاشة تليفزيون عراق صدام حسين .. أطفال صغار يقفون بين مشجعين بعثيين يتلون ما حفظوه من خطب الزعيم وبنفس نبرة صوته وأسلوبه فى التهكم والتعالى على المستمعين .. بالطبع لم أتتبع مصيرهم وإن كان يبدو أنهم تم مطاردتهم مع تصفية حزب البعث العراقى .

 إن قهر طفولة هؤلاء المساخيط وجعلهم مادة للتسلية والفكاهة وفصلهم عن أترابهم الذين فى مثل سنهم ، يعتبر فى حكم الوأد ولا يختلف عن سجن أقدام أطفال الصين فى أحذية حديدية أو دفن البنات حية في الجزيرة العربية حتى لو كان من يقوم بهذايتبع تعاليم مجتمعه و هو حسن النية فإنه يخلق طفلا شاذا أو ما يسمى بالانجليزية( ( Freak  فريك ..

 والفريك يختلف عن الطفل العبقرى الذى يمكنه التغلب على أساتذة لعبة الشطرنج أو يعزف ويؤلف مقطوعات موسيقية مركبة ، أو يحصل على شهادة جامعية وهو لايزال بعد طفلا .

مثل هؤلاء الأطفال عندما يكبرون .. يتحولون لشخصيات لديها إنفصام يجعلها تتصور لنفسها قيمة غير حقيقية و تعيش في هذا الوهم طول حياتها

تنمية المواهب والقدرات لها أصولها وقوانينها التى تنتج العباقرة ، أما ما يحدث من فرض ألإرادة على الناس  فهو ما ينتج المساخيط

أبرز انواع الفريك فى زمن ما بعد السبعينيات ، بعد ان توارى تأثير مدينة الفنون والكونسيرفتوار ومعهد الباليه لصالح حفظة القرآن،

هم المشايخ الأطفال او الأطفال المشايخ فنجد طفلا قد جلس على طريقة كبار المقرئين يرتدى ملابسهم ويضع أصبعه على أذنه ..يتلو

 بين تشجيع وسعادة المحيطين وجوائز الدولة والمؤسسات الوهابية السخية ، أو تجد فتاة وقد ارتدت إسدالا وجلست متربعة ترتل وتجود آيات من الذكر الحكيم .

هؤلاء الأطفال هم إعادة إنتاج للطفلة فيروز ولكن فى ثوب آخر، ولقد تم تشجيعهم على حفظ ما يصعب فهمه علي صغير  وأضاعوا طفولتهم فى التكرار والتجويد وانفصلوا عن سنهم وعن الأنشطة التى كان من المفترض مزاولتها وكأن ولى أمره قد اختار أن ينضجه مبكرا ويلبسه ثوبا واسعا غير ملائم لسنه أو تطوره الطبيعى متخيلا أنه بذلك يتقرب الى الله سبحانه بتقديم ولده مقريء فى رحابه ( إذا تغاضينا عما سيدره من أموال) .

حفظ كلمات غير مفهومة لدى الطفل يعنى تآكل اللغة كرمز للتفكير والتعبير وخفض القدرة على التفكيك وإعادة التركيب لمفردات( مشكلة ما) واستنباط الحلول المنطقية .. تحول اللغة الى ألغاز وأحاجي فاقدة للمعنى يبعدها عن وظيفتها فى تنمية القدرات الذهنية للانسان،

وكان هذا هو السبب فى أن طلاب المدارس والجامعات المصرية قد داوموا على الحفظ والاستعادة بحيث أصبحت عاهة مستديمة فى تعليمهم أدت الى جمود فكرى وعدم ظهور فلاسفة أو علماء مصريين ، فالتفوق عند الطفل كما يريده أهله هو الحفظ والنجاح كما يريده أساتذته هو إعادة ما حفظ دون ربط منطقى او تفكير تحليلى .

عندما يكبر هؤلاء الأطفال .. تتولي جهات أخرى عمل تعديلات جوهرية علي سلوكهم و طموحهم و علاقتهم بالمجتمع .. ليصبحوا وزراء و محافظين ..و من أصحاب الحركة بتشريفة توسع لهم الطريق .

 صفحات التواصل الإجتماعي  تمتليء هذه الأيام  بنكات و سخرية و فضح  لشخص  كل ذنبه أن مؤسسة الرئاسة و المخابرات إختاروه  ليكون وزيرا وهم يعلمون كل ما يتصل بحياته و ماضيه و عائلته حتي الجد الرابع ..

وظيفة ( وزير تعليم أو ثقافة ).. في مكان أصبحت الشهادات فيه قراطيس طعمية و لب و ترمس أو تعلق في برواز بحجرة المسافرين .. لا  يهم فيها مؤهلات صاحبها بقدر ما يهم إنضباطه ..

لقد تعاملت خلال عملي مع عشرات من الحاصلين علي درجة الدكتورا من جامعة القاهرة أو عين شمس أو الأزهر سواء في مراكز البحوث أو الجامعات أو المكاتب الإستشارية ..واستطيع أن اقول أن أغلبهم لا يختلفون عن ذلك الشخص غير المحظوظ الذي يسخرون منه .. بعضهم يتعثر في التعبير ( حديثا و كتابتا ) عن  نفسة بأى لغة من اللغات .

 بل أستطبع أن اقول من الكوارث التي نعيشها  بسبب سياسات حضرات الوزراء غير المدروسة أن  هذه الوظيفة ( الوزارة)  لا يلزمها أن يكون شاغلها متعلما أو يكون قد قرأ كتابا واحد ا في تخصصه لنهايته .. إحنا بتوع الملخصات ..و الإمتحان في لجان أبناء كبار الشخصيات . ..و رضي الملأ الأعلي عن سلوكنا

وظيفة الوزير في كل بلاد الدنيا وظيفة سياسية .. بمعني أنه ينفذ سياسة حكومته الملتزمة بها أمام الشعب

في حين أننا نعيش زمن  السياسة فيه ((كبيرة من الكبائر )) ..و التخطيط فعل يعطل الإنجازات فنتجنبه .. و طريقة العمل هي الطريقة الكاملية الوزيرية .. نفرد صدرنا و نطرد سكان جزيرة الوراق و المناطق الاهلة و المقابر لننفذ مشاريع تدر علي الكبار أموالا طائلة .. و نفتي في ما لا نعلم  و نتكلم إنجليزى من بتاع الترجمنات و نملأ المكان بمن هم إماعات جهلة يقولون حاضر يا فتدم أغلبهم عاهات ..

كله محصل بعضة .. حتي لو كان سيادته  بيفك الخط .. و بيعرف يمضي ..لا أكثر و لا اقل .

لقد تخصصنا في صناعة المساخيط  الصغار و الكبار ..منذ زمن طويل .. يسلوننا و نضحك عليهم ..و نمنحهم أسماء كبيره ..فإية الغريب أن يزيدوا مسخوطا .