محمد يونس
لم أعد اقرأ أدب ( قصة و رواية ) .. منذ أن سيطر موظفون في الحكومة و مديرون لدكاكين النقد في الجرائد علي سوق الكتاب و فرضوا أعمالهم علي جهات النشر الكبرى و جعلوا منها موردا للرزق و التكسب.

في نفس الوقت صار هناك بزينيس جديد لناشرين (أقرب للنصابين ) يصدرون العديد من الروايات و القصص لبعض الهواة  يطبعون منها نسخ قليلة لا يبيعون إلا أعداد محدودة منها ويظل أغلبها راكدا عندة أو عند صاحب العمل الذى تحمل التكاليف

بالسوق وفرة من الأعمال الأدبية  غير المعروفة لا يقرأها إلا أصحابها والشلة و عائلاتهم طبعت حتي يحمل صاحبها أو صاحبتها لقب أديب  يجعله يفتي فيما يفهم و مالا يعرف .

توقفت عن شراء الروايات و القصص  خصوصا بعد أن إرتفع ثمنها لأرقام خيالية ..و ما يقع بيدى بالصدفة (من مكتبة الباشمهندسة زوجتي ) لا أستطيع إستكمال قراءة النص خصوصا لو كان صاحبة حاصلا علي جوائز الدولة التقديرية و التشجيعية .. و يحظي بضجة دعاية مفرطة علي وسائل التواصل  المختلفة.. فهذا  يعني بالنسبة لي أنه ليس فنانا متميزا بقدر ما هو صاحب علاقات عامة وله صلات سياسية و مالية وإجتماعية قوية جعلتة يحصل علي الجائزة .و التصفيق .

 كل شيء في هذا المكان يخضع لسوء التقدير وللكذب و الغش ..و المجاملة والمنفعة المتبادلة بما في ذلك الإبداع الفني  . لقد تلف المجتمع و تلفت معه كل الأنشطة البشرية رياضة ،علم ،فن ، سلوك و أخلاق .

و هكذا قراءة الادب في زمننا الحالي مع تعدد جهات النشريحتاج إلي إرشاد .. ربان عالم بالاسرار .. قادر علي تحديد الاتجاهات ورصد التغيرات .. كما كان يفعل حلمي مراد في ملخصات و ترجمات  سلسلة كتابي .أو علاء الديب في صفحته (عصير الكتب ).

أما تقليد ما يحدث في بلاد الفرنجة و الإعتماد علي مؤشرات (الاعلي مبيعا ) في تقييم الكتب فهو مؤشر غير دقيق لانه يتذبذب حسب سمعة دار النشر و مدى الدعاية ..و قوة الشلة .. لا علي جودة العمل .و تميزه

بالإضافة إلي  أنه
بعد عبد المحسن طه بدر و عبد المنعم تليمة و إبراهيم  فتحي و عبد القادر القط  و محمد مندور .. لم يعد لدينا من يعتد برأيهم في المسائل الأدبية.. خصوصا لو كانوا من أصحاب أكشاك النقد في الصحف و المجلات ... أو الذين تضمهم عصابات شيلني و اشيلك ..غير المعلنة  للعامة و لكن بعرفها المقربون من الوسط الفني ..لا تجيد الا التضليل و المحاباة .. لتزيد من التوهه.

السينما و التلفزيون بتقديم بعض الاعمال الادبية علي شاشاتها (منقوصة او معدلة) قاما بدور سلبي حيث تنهي في دقائق المشاهدة مايستغرق الساعات عندالقراءة.. و إن بدأ هذا الإتجاه يقل.. ليحل محلة حدوتة لا تحتاج لمؤلف  .

مهارة إختيار العمل الادبي المناسب للقراءة  تحتاج الي خبرة يكتسبها صاحبها بعد أن يخوض تجارب مريرة فاشلة مع روايات الجيب او سلاسل جورجي زيدان أوأعمال يوسف السباعي و محمد عبد الحليم عبد الله وعلي أحمد باكثير وغيرهم من الذين تقدمهم أجهزة وزارتي الثقافة والاعلام علي أساس أنهم من الفنانين

في ستينيات القرن الماضي خضت هذه التجربة .. قٌرأت الاف الصفحات من الاعمال الادبية غير المبدعة  ..قبل أن أكتشف – بعد قراءة الأدب العالمي – كم هي  بدائية  ولا تساوى ثمن الورق الذى طبعت علية ..

يشذ عن هذا مؤلفات ثلاث قمم  مصرية ربما أربعة ( طه حسين ، يوسف إدريس و صنع الله إبراهيم ) و قد نضيف لهم (نجيب محفوظ ) في أعماله المتأخرة .. اما الباقي -فلا مؤاخذة - قراءة أعمالهم مضيعة للوقت و الجهد حتي لو كان يحي حقي أو توفيق الحكيم . .

الادب العالمي المترجم من لغات عديدة ..ستجد أكوام منه في السوق  علي الارصفه في طبعات غير معتني بها لارسين لوبين و أجاثا كريستي و قد تجد بجوارها  أيضا بالصدفة أعمال عظيمة كإبرة في كوم قش

فإذا ما كان لدى القارىء الاصرار والدأب فحتما سيصل .. الي أن يلج البناء السامق للابداع الروائي الانساني .. ويتعرف علي سراديبة و يجد ما يستحق القراءة .. و بذل الجهد و المال من أجله.

قصر الابداع الروائي .. له أساسات ..
بعضها مختف ..كالادب السومرى ( جلجامش ) و المصرى القديم ( الاخوين ) و الفارسي (الف ليلة و ليلة ) و الهندى (كليلة ودمنة ) و بعضها أصبح أساسات ظاهرة كاعمال الاغريقي (هوميروس ) مبدع الالياذة و الاوديسة وسوفوكليس و يوربيدس .. أو  الايطالي (دانتي) و جحيمة .

و لقصر الابداع أعمدة و هيكلا واسقف من إنجلترا (شكسبير ،ديكنز و برنارد شو ) و من فرنسا ( فيكتور هوجو و جي دى موبسان )ومن أمريكا (هيمنجواى و فوكنر )

جدران القصر ونوافذه و مداخلة و حلياته تتكون من القصاصين الروس (تشيكوف ، نيكولاى جوجول ،إيفان تورجنيف ، ديستيوفسكي ،تولستوى . و باسترناك )

 ذلك الرعيل من الادباء الذين أثروا القص بإبداعاتهم و كانوا المصدر الذى لا ينضب للجمال و القوة و التناسق و السمو من نهاية القرن التاسع عشر وحتي الان ..

في الأدب العالمي الفنان المؤثر .. لا يقاس بعدد ما أنتج  . فهناك أدباء لم يكتبوا الا عملا واحدا ( ذهب مع الريح ، مرتفعات ويذرنج ،كوخ العم توم أو الجذور )و ترك بصماته في مجال الفن

أنوار القصر إستمدها من أدباء القرن العشرين ( يونسكو ، يوجين أونيل ، سارتر ، أندريه جيد ،صمويل بيكت ، البير كامي ، ماركيز و كازنزاكي  حبيبي ). و من بلادنا الطاهر وطار و محمد شكرى و حيدر حيدر الذين شكلوا تحديا للعقل المعاصر .. تنامي مع إمتلاك أدواته الفلسفية و التكنولوجية و كانوا قادرين علي قلب موازين النقد و اساليب القص و نظريات الجمال

و هكذا  بعد جولة قراءة في الأدب إستغرقت معظم سنين عمرى أبحر فيها في محيط الابداع الصاخب ..

و جدتني أرسو علي نفس الميناء أقف  حيث بدأت أى أن أجد مشقة في الحصول علي عمل أدبي يستحق القراءة وسط أكوام الكتب التي تصدرها المطابع بأعداد صغيرة و تعرض في معرض الكتاب و لا يقرأها إلا أصحابها .. و يطلق عليهم العامة أنهم من الفنانين
محمد يونس