بقلم: إسماعيل حسني
يعرف الوهابيون الإسلاميون أن القضاء المستقل النزيه سيكون حجر عثرة أمام تحقيق أحلامهم في ابتلاع البلاد وتغيير هويتها وإقامة دولة دينية تعلو فيها هامة مشايخ الدين فوق كافة السلطات، لهذا كان العصف باستقلال القضاء على رأس أولويات الرئيس محمد مرسي وجماعته حتى من قبل أن يتولى مقاليد الحكم رسميا.
ولم يخفي الرئيس هذا التوجه منذ اليوم الأول لانتخابه، إذ رفض أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا في غيبة مجلس شعب منتخب استهانة بالمحكمة وبالسلطة القضائية كلها، وأصر على موقفه لعدة أيام قبل أن يخضع للضغوط ويؤدي اليمين أمام هذه المحكمة، ولكنه فعل هذا على مضض شديد اتضح من إصراره على عدم بث هذا الحدث تليفزيونيا، وهو ما رفضه أعضاء المحكمة فتراجع الرئيس للمرة الثانية ولسان حاله يقول: إن غدا لناظره قريب.
وإمعانا في الحط من مكانة وسلطة المحكمة الدستورية العليا قام الرئيس بإعادة أداء اليمين مرتين بعد ذلك مرة في ميدان التحرير أمام الجماهير، وأخرى أمام النخبة في جامعة القاهرة.
وفور جلوسه على عرش البلاد بدأ الرئيس يكشر عن أنيابه للسلطة القضائية وعلى رأسها المحكمة الدستورية العليا، فأصدر قرارا بإعادة مجلس الشعب الذي كانت المحكمة قد قضت بحله نتيجة لعوار في قانونه الإنتخابي، وهو ذات الحكم الذي أصدرته نفس المحكمة مرتين في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فلم يكن أمام المحكمة العليا إلا أن تتصدى للدفاع عن السلطة القضائية وقضت ببطلان قرار رئيس الجمهورية، ليتراجع الرئيس للمرة الثالثة استعداد لجولة أخرى.
وبعد أيام قلائل على هذه الموقعة فتح الرئيس النار مرة أخرى على القضاء فقرر إقالة النائب العام الغير قابل للعزل بحكم القانون رغبة منه في منع نظر العديد من البلاغات المقدمة ضد قرارات الرئيس وممارسات جماعته وحلفائها من الإسلاميين، فهب القضاة لرد هذا العدوان غير المسبوق على القضاء، مما أجبر الرئيس على التراجع للمرة الرابعة.
وأخير، ومن أجل تمرير دستورا دينيا عنصريا متطرفا يعرف الرئيس جيدا بطلان الجمعية التي صاغته لنفس الأسباب التي أبطلت من أجلها سابقا، قام الرئيس بإصدار إعلانا دستوريا أعلن فيه نفسه ديكتاتورا ونص فيه على تحصين قراراته وتحصين تأسيسية الدستور ومجلس الشورى ضد الطعن عليهم أمام القضاء، كما قررعزل النائب العام للمرة الثانية.
ولم يكتفي رئيس الجمهورية بهذا بل قامت المليشيات التابعة لجماعته وحلفائها بحصار المحكمة الدستورية لمنع قضاتها من نظر الدعاوى الخاصة بحل الجمعية التأسيسية ثم الإعتداء بالضرب والتعذيب والقتل على المتظاهرين والمعتصمين المسالمين المحتجين على هذا الإعلان، فانتفض القضاة مرة ثانية للدفاع عن السلطة القضائية، وأعلنوا الإعتصام والإضراب الجزئي ورفض الإشراف على الإستفتاء على الدستور المقترح نظرا لبطلان جمعيته التأسيسية وفساد مواده.
إن الشعب المصري الذي ثار من أجل نيل حريته وبناء دولته المدنية الحديثة، يقف اليوم بكل فئاته وطوائفه خلف السلطة القضائية في مواجهة الحرب الظالمة الشعواء التي يشنها عليها نظام الإخوان المسلمين الفاشي، ولن يستسلم هذا الشعب العظيم وقضاته الأبرار حتى يسترد قضاء مصر هيبته واستقلاله.