بقلم: مينا ثابت
إن مصطلح الفاشية في حد ذاته مشتق من الكلمة الإيطالية (fasico)، والتي تعني حزمة الصولجانات التي تُحمل أمام الحكام في روما القديمة كنوع من التدليل على السُّلطة، وهي أيضًا امتداد للكلمة اللاتينية (Faseism)، والتي تعني "العُصبة، والاتحاد".
نشأت الفاشية في أعقاب الحرب العالمية الأولى بإيطاليا حوالي عام 1920، حين استغل "موسوليني"، رئيس وزراء إيطاليا، عام 1922، حالة الانهيار التي عانت منها البلاد آنذاك، وقام بتأسيس الحزب الفاشي، ووصل للحكم متبنيًا تعريف الفاشية من وجهة نظره:
"أن إرادة الشعب ليست الوسيلة للحكم، إنما الوسيلة هي القوة، وهي التي تفرض القانون"!
ويرى أقطاب العلوم السياسية أنه يأتي الفاشيون إلى السلطة –في أغلب الحالات– على إثر حدوث انهيار اقتصادي بالبلاد، أو هزيمة عسكرية أو كارثة أخرى. ويكسب الحزب الفاشي تأييدًا شعبيًّا لما يقطعه على نفسه من وعود بأنه سيُنعش الاقتصاد، وسيسترد كرامة البلاد. وقد يستغل الفاشيون خوف هذه الشعوب من الشيوعية أو الأقليات؛ ونتيجة لذلك، قد يستحوذ الفاشيون على السلطة عن طريق انتخابات سلمية أو عن طريق القوة.
بعد أن يستولي الحزب الفاشي على السلطة، يتسلم أعضاؤه الوظائف التنفيذية والقضائية والتشريعية في الحكومة. ويرى البعض أن شغف الفاشيين بتمجيد الوطنية (في حالتنا تُصبح الشريعة إو الإسلام) يؤدي إلى ازدياد الروح العسكرية. وقد يجنحون عندما تزداد القوات المسلحة قوة، إلى غزو بلاد أخرى واحتلالها!
يسعى الفاشيون إلى إعلاء صوت السلطة التنفيذية وإعطائها صلاحيات مطلقة على حساب السلطة التشريعية والقضائية, تقمع الحريات وتصادر الجرئد المعارضة، وتجري السيطرة على الأجهزة الإعلامية وتطويعها من أجل تعزيز السياسات الفاشية التي يمارسونها، والسيطرة على التوجه الشعبي.
وبالمقارنة البسيطة السريعة، نجد أن الإسلام السياسي حينما وجد طريقه إلى العرش المصري، سعى لهدم ما تبقى من مؤسسات الدولة الرافضة للخنوع لهم, وأول مَن دخلوا في صدام معهم هم الإعلاميون، الذين كانوا أصلاً قد استخدموهم للوصول أولاً، وأصبحوا الآن هم "سحرة الفرعون"؛ فقط لأن منهم رافضين للفاشية الدينية, فقط لأن منهم فاضحين لأكاذيبهم, فقط لأنهم كاشفون لفسادهم؛ لأن منهم مَن يُعد معارضًا لهم، أفلا تُعد هذه فاشية؟!
حينما وجدوا طريقهم للعرش مختطفين السلطة، أصبحت البلاد كالكعكة يقتسمونها كما يحلو لهم، فنجد سعيهم لتقلد المناصب المختلفة في السلطات الثلاث، فهم يحاولون السيطرة التامة على السلطة التنفيذية بسلطات المرسى, والتشريعية التي أصبحت ببطلان مجلس العار بيد المرسي، أيضًا والتي تم استخدامها لا في تشريعات تخدم المواطن او الوطن بل في إصدار إعلانات غير دستورية ترسخ العقيدة الفاشية في إدارة البلاد, تعصف بالمعارضين, لا تُعلي إلا أصواتهم فقط، ألا تعد هذه فاشية؟!
حينما وجدوا طريقهم للعرش المصري، سعوا بكل قوتهم لتطويع السلطة القضائية، والتي ظلت شامخة شموخ الجبال، ورفضت الخنوع والخضوع لهم ولفاشيتهم, فلم يجدوا بُدًّا إلا التشويه وإطلاق الأكاذيب والتشكيك بنزاهة مؤسسة القضاء العريقة، والجدير بالذكر أن السادة القضاة الذين حاولوا الإساءة إليهم تحديدًا كان يتودد إليهم مندوبهم في قصر الاتحادية أثناء حملته الانتخابية، حيث سعى لتسول أصوات الشرفاء، وعاصري الليمون؛ حتى يتغلب على رمز النظام السابق "الفريق احمد شفيق", فنجده يعترف بنزاهة المستشار "أحمد الذند"، وقضاة مجلس الدولة والمحكمة الدستورية في إحدى حلقات برنامج "بهدووء" مع الإعلامي "عماد الدين أديب" بقناة (CBC)، ألا يُعد هذا دربًا من دروب الفاشية؟!
لنعد إلى أهم مباديء الفاشية، وهى أن إرادة الشعب ليست الوسيلة للحكم، وإنما الوسيلة هي القوة، وهي التي تفرض القانون, فلا تتعجبوا حينما نجد أن مَن يقتل الثوار أمام الاتحادية ليس "العسكر" أو "الداخلية"، كما حدث في حقبة المجلس العسكري, بل هم بأنفسهم أخذوا على عاتقهم (تأديب) المعارضين بالغوغاء التي تقودها مليشيات مدربة ومسلحة، لا تعلم إلا لغة الدم والتعذيب والترهيب. لا تتعجبوا حينما ترونهم يزورون إرادة الشعب الحقيقية في اختيار الدستور المصري، فلا مكان في عالمهم إلا لإقامة دولتهم المزعومة، والتي يسمونها "دولة الشريعة"، والحق أنها الدولة الفاشية بكل معانيها!
لقد انتهت "الفاشية" ومَن تأثر بها سواء نازية هتلر (ألمانيا)، أو فلانجية فرنكوا (إسبانيا) في أعقاب الحرب العالمية الثانية, انتهت وتركت الفرصة للقارة الأوربية أن تتقدم نحو مزيد من التمدن والتحضر، مزيد من الحرية والديمقراطية والرقي الإنساني. لقد انتهت الفاشية بالقارة الأوربية لتولد من جديد بالقارة السمراء القارة العجوز، التي يُنكرون انتماءنا إليها! الآن تولد الفاشية من جديد بدولة مصر الثورة، وكأنها تمخضت فأخرجت لنا تيار الإسلام السياسي، الذي يُعيد إنتاج الفاشية من جديد للعالم!