حنان فكري
الشرق الأوسط ..المُهدد الخائف الحزين، الواقف على حافة هاوية مظلمة، يعلو فيها ضجيج المدافع على أنين الشعوب المُنهكة. كل يوم يحمل له مخاوف جديدة من الخسائر والفقد، يتزايد رُعب الحرب المفتوحة التي قد تبتلع ما تبقى من أمن وسلام في نفوس أبنائه، الحالمين بفرص النجاة من الجحيم المنظور. مع تجاهل إسرائيل للدعوات الأممية بوقف إطلاق النار، وبالتالي تجاهل الأطراف الأخرى وعلى رأسها حزب الله ومن خلفه إيران لنفس الدعوات، وبين هؤلاء وأولئك تدور آلات الشر الجامح مهددة الشرق الأوسط بالتدمير، ويبدو المشهد أشد قتامة حينما نجد المؤسسات الأممية المنوطة بالعدالة في حالة شلل كامل اللهم إلا من الفرجة والشجب وعبارات الإنشاء التي باتت لا تصلح حتى للاستهلاك المحلي وليس الدولي.

مزيد من التهاون مع آلات تدمير الشرق الأوسط، هو مزيد من سرعة الوصول إلى الجحيم الكامل، هذه هي الحقيقة المُرعبة التي يعيها المجتمع الدولي، والمؤسسات الأممية، لكنهم لا يفعلون شيئًا سوى الركون إلى مقاعد المتفرجين، وبينما تختتم الأمم المتحدة دورتها التاسعة والسبعين لمناقشة مصائر الشعوب، يتم سحق الشعوب تحت وابل من الصواريخ، وتجويعها تحت حصار أرتال الدبابات التي تسد منافذها وتغزو حدودها، وبينما يجتمع الساسة على طاولة الاجتماعات في مجلس الأمن، بقاعاته المكيفة، يتبادلون الاتهامات ويتراشقون الألفاظ، ثم يخرجون خاويي الأيادي إلا من الدماء المسفوكة لمدة عام كامل في غزة، والآن على أرض لبنان، تبتلع المقابر الجماعية الأطفال والكبار، في المناطق المُتحاربة.

ولطالما ارتفع التهاون ليرتقي لمرتبة التعاون مطلًا علينا من نافذة الحليف الأمريكي الذي يقوض كل قرار لمجلس الأمن يمكن أن يردع إسرائيل، فحتى 2023 استخدمت الولايات المتحدة 81 حق نقض «فيتو» في مجلس الأمن، وهو عدد أكبر بكثير من أي عضو دائم آخر، 42 مرة منها كانت لإفشال القرارات التي تنتقد إسرائيل، و32 مرة تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، في حين أن قرارات حق النقض العشرة الأخرى كانت متعلقة بالقرارات التي تنتقد الغزو الإسرائيلي واحتلال لبنان، في كل حالة كانت الولايات المتحدة العضو الدائم الوحيد في مجلس الأمن الذي استخدم حق النقض. لم يستخدم أي عضو دائم آخر في مجلس الأمن حق النقض على أي قرار ينتقد إسرائيل أو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين على مدى الخمسين عامًا الماضية. بحسب حصر مايكل لينك - مقرر خاص للأمم المتحدة- وبالتالي شل قدرة مجلس الأمن على اتخاذ القرارات الفعالة.

حتى هذا الانحياز الأمريكي الممنهج قد يكون مفهوما لكونها الحليف الأقوى لإسرائيل، بسبب ضغط اللوبي اليهودي الاقتصادي في أمريكا والذي يتحكم في كتلة انتخابية كبيرة، لكن من غير المفهوم أبدًا أن يمر عام على حرب غزة بكل الخراب الذي حل، وفقدان آلاف البشر، ثم تدور رحى الحرب في لبنان، لتنبئ بمصير مماثل هناك، ثم تعلن إسرائيل اعتزامها ضربات عسكرية على المواقع النووية في إيران، ويجتمع مجلس الأمن لبحث حلول، ثم تطل علينا ممثلة الولايات المتحدة لديه بتحريض ضمني على تدمير المنطقة برمتها.

فبينما يحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من سرعة تحول الحرائق المشتعلة في الشرق الأوسط إلى جحيم كامل، يدفع ثمنه المدنيون، تبنت السفيرة ليندا توماس- جرينفيلد الممثلة الدائمة للولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة فكرة أنه «قد حان وقت مجلس الأمن لمحاسبة إيران على تأجيج نيران الحرب» وفككت الأسباب دون ذكر أي فعل قامت به إسرائيل، فقالت: «الهجوم الإيراني على إسرائيل لم يكن دفاعيا بل دعم للإرهاب للانتقام لمقتل زعيم إرهابي». ثم قالت إن «فشل إيران في تحقيق أهدافها من الهجوم الذي شنه الحرس الثوري على إسرائيل لا يقلل من حقيقة أنها كانت تنوي التسبب في موت ودمار كبيرين وتمثل تصعيدا كبيرا من جانب إيران!. فضلا عن أنها متواطئة في هجمات 7 أكتوبر على إسرائيل بسبب تمويلها لحماس، والدعم الإيراني للوكلاء الإقليميين ساهم بشكل مباشر في الأزمة في غزة ولبنان».

ويبدو أن السفيرة الأمريكية حرصت على حفظ ماء الوجه فعادت لتؤكد «أن سكان إسرائيل وغزة والضفة الغربية ولبنان وجميع أنحاء المنطقة يستحقون السلام الدائم»، ولا أعلم أي استحقاق ذلك الذي تتحدث عنه وهي ماضية في بث رسائل تحريضية على نزع السلام من الشرق الأوسط كله إذا انزلقت إسرائيل وإيران في حرب شاملة، وإن لم يكن ذلك الخطاب تحريضيًا داعما للنية الإسرائيلية في ضرب المنشآت النووية الإيرانية فماذا يكون؟ فمجلس الأمن فرض عقوبات شديدة مستمرة على طهران، فماذا سيفعل؟ وبالرغم من أن ممثلة أمريكا طرحت اتفاق وقف إطلاق النار صراحة إلا أنها بشكل ضمني غير مباشر بدت كما لو كانت تبعث برسالة دعم بلادها لضربة إسرائيلية على إيران، بالرغم من أنها وبلادها يعلمون جيدا أن تلك هي الوصفة الكارثية لإدارة آلات تدمير الشرق الأوسط، فلن يصمت المُهَدَدون أبدا، وسيرد مُتلقي الضربة ووكيله بضربات وتنزلق المنطقة كلها لجحيم لا ينتهي. يخرج كل المختبئين في شقوق الاستقرار إلى رحابة الفوضى.

إن الرسائل الأمريكية الصريحة والمبطنة التي تسير في اتجاه واحد هي اتجاه إضعاف الكيانات المدعومة من إيران بينما تتجاهل جرائم الكيان المحتل، ستفضي إلى نتائج كارثية، لكن يبدو أن إسرائيل تعيد تشكيل الشرق الأوسط لصالحها وتجر حليفها الأمريكي معصوب العينين، وقد ينجح نتنياهو في جر الولايات المتحدة في أعقابه. عكس التصورات التي ظلت تراود الخبراء عن أن أمريكا تُسخر إسرائيل لتنفيذ أجندتها بينما الواقع الآن يقول العكس، فإسرائيل لا تكترث بدعوات بايدن لعدم الدخول في حرب شاملة، ولا تكترث للدعوات الأممية بعدم ضرب المواقع النووية لإيران، ولا تكترث بسمعتها الدولية، ولا تهتم بقرارات مؤسسات العدالة الدولية التي تدين إجرامها، يعيد الموقف مقولة بيل كلينتون للأذهان، بعد أن التقى بنيامين نتنياهو لأول مرة، انفجر قائلا: «من يظن نفسه؟ من هي القوة العظمى اللعينة هنا؟».

للأسف صلف العناد الإسرائيلي يجر الجميع نحو هاوية الخراب، والذين في البقاع الآمنة يُمصمصون الشفاة على ويلات الحروب ثم يستديرون لحياتهم، والمؤسسات الأممية صارت مجرد ظاهرة صوتية، الشعوب الخائفة مجرد بند على أجندة مجالسها، حياة الناس مجرد موضوع على قائمة مناقشاتها، طالما عاش أعضاؤها في مأمن من النتائج، بينما يلتهم الخوف ما تبقى من أعصاب البشر في سائر المنطقة، لذلك لن تقدم الاجتماعات الطارئة لمجلس الأمن الدولي شيئاً جديداً، ما دامت أمريكا تقوض أي قرار يمكنه تلجيم جموح إسرائيل وحبس العطش الدموي في نفوس قادتها.
نقلا عن المصرى اليوم