الأقباط متحدون - نهاية غير متوقعة لمواطن مصري حلم بالعيش والحرية
أخر تحديث ٠٤:٢٨ | الجمعة ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢ | ١٩ كيهك ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٨٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

نهاية غير متوقعة لمواطن مصري حلم بالعيش والحرية

بقلم: صبحي فؤاد- أستراليا 
فرح بعد سقوط نظام الرئيس السابق مبارك في شهر فبراير عام 2011، وتصور أن فجر عهدٍ جديد بدأ في مصر .
بدأ يحلم ليس فقط بالعيش والحرية والوظيفة والمسكن اللائق والعلاج والتعليم ووسيلة مواصلات آدمية، وإنما بمصر أخرى غير تلك التي رأيناها وعشناها منذ عهد السادات وحتى سقوط مبارك، لا تقل في تقدمها عن اليابان أو ألمانيا.. ولا في ديمقراطيتها واحترامها لحقوق الإنسان وآدميته عن الدول الأوروبية الراقية المتحضرة .
بدأ يتخيل ميلاد مجتمع مصري مثالي تسود فيه القيم والأخلاقيات والمثل، ويخضع فيه الجميع لقانون واحد لا يميز ولا يفرِّق بين مواطن وآخر .
وعندما دعا المشير السابق "محمد طنطاوي"، الذي كان يدير البلد بصفة مؤقتة إلى التصويت على تعديل الدستور، تصور هذا المواطن المصرى أن صوته سوف يعد كما صوت طبقا لإرداته ورغبته وما يراه في مصلحة الوطن.. وتصور أنه كان يمكنه أن يقول لا لعدم قناعته بالتعديلات التي أدخلت على الدستور، ولكن عندما رأى بأم عينيه كيف أن الأصوات تم شراؤها بحفنةٍ من الأرز والدقيق والسكر، وكام جنيه مصرى فوقهم، صُعق ولم يُصدِّق ما جرى!
ورغم هذا لم يتنازل المواطن عن أحلامه بل ظل متمسكًا بها جميعًا، وقال بينه وبين نفسه "خيرها في غيرها!
وعندما ذهب إلى التصويت في انتخابات مجلس الشعب ثم الشورى، ورأى ما رأى من مهازل وتزوير وخداع واستغلال خطير للدين الإسلامى في الدعاية لمرشحي حزب الإخوان المسلمين الذي كان محظورًا منذ تـأسيسه بدأ يفيق من حلمه، ويستيقظ على واقع أمر وأسوأ مليون مرة من الواقع الذي كان يعيشه هو والمصريون من قبل .
حاول أن يعترض، فخرج مع ملايين المصريين إلى الشوارع يهتف معهم ويصرخ ويندد بتزوير انتخابات مجلس الشعب والشورى والرئاسة ويطالب بإعادة الانتخابات، ولكن لم يجد مَن يسمعه هو أو غيره أو يعيره أدنى اهتمام، بل وجد مَن يضربه بلا رحمة أو شفقة كما لو أنه ارتكب جريمة عُظمى لمجرد أنه طالب بانتخابات نظيفة !!
فبدأ الحلم ينطفيء داخله، والأمل بمصر أفضل وأحسن يُصبح مثل السراب الذي تراه أمامك، وعندما تحاول الإمساك به أو الاقتراب منه تجده يبعد أكثر وأكثر، ويُصبح مَن المستحيل الوصول إليه مهما حاولت أو فعلت.
وكان آخر أمل عنده أن ينجح عقلاء وحكماء المصريين في كتابة دستور علماني يتماشى مع متطلبات العصر الحديث، ويحفظ الحقوق للجميع الصغير قبل الكبير، والفقير قبل الغني، والنساء قبل الرجال، والأقليات الدينية قبل الأكثرية.. دستور لا يميز ولا يفرق ولا يشجع على الدروشة والعنصرية والتخلف وإرجاع مصر إلى عصور الجاهلية، وإنما دستور يفصل الدين عن الدولة، ويمهد الطريق لديمقراطية حقيقية وحرية يعيشها الناس ويمارسونها في إطار القانون والمواثيق الدولية.. ولكنه فوجيء بفرض دستور جديد على المصريين، يؤسس لدولة عنصرية نازية فاشية.. دستور لا يحفظ حقوق الأقليات أو النساء، ويؤسس لدولة دينية تفرض الحدود والشرائع التي كانت تمارس في عهود الجاهلية والمجتمعات البدائية التي كانت تعيش في الصحراء وتتصارع وتتقاتل فيما بينها.
وكان أكثر ما أحزن هذا المواطن ليس تزوير نتائج الاستفتاء على الدستور، وإنما غياب ومقاطعة الغالبية العظمى من المصريين (ثلثي ويقدر عددهم بحوالي 33 مليون مواطن مصري) الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم مما أعطى الأقلية المنساقة وراء أصحاب الذقون وتجار الإسلام الفرصة في فرض دستور عنصرى ديني بدائي على الغالبية الرافضة له .
جنَّ جنونُه ولم يعد يعرف ماذا يفعل بعد أن مات حلمه ودفن وصلى عليه بمعرفة الجماعات المتأسلمة التي يقودها إخوان المرشد "بديع"، ونائبه التاجر المليونير "خيرت الشاطر"، فقرر أن يترك مصر ويهاجر، ولكنه لم يجد دولة واحدة، عربية أو أوروبية، تفتح له باب الهجرة إليها، فتصور أنهم رفضوه لأنه مصري، فهداه عقله المرهق المحبط إلى فكره التنازل عن جنسيته المصريه، وتقديم استقالته كمواطن مصري من وطنه، بحيث يصير مواطنًا بلا هوية كنوع من الرفض لحكم الجماعات المتأسلمة بقيادة "مرسي العياط" لمصر!
توجَّه في الصباح إلى وزارة الخارجية، فنصحوه بالذهاب إلى وزارة الداخلية، وما أن وصل إلى هناك، وعرض الأمر على الموظف المختص بشأن رغبته في التنازل عن جنسيته وتقديم استقالته من وطنه، إلا ويُفاجأ بالموظف يسبه ويلعنه ويصفه بالجنون ويطرده وهو يصرخ فيه قائلاً: "اخرج من هنا يا ابن ستين كلب قبل ما احضر لك البوليس وأدخلك السجن أو أدخلك مستشفى المجانين"!
خرج المواطن المصرى حزينًا منكسرًا بعد أن رفض موظف وزارة الداخلية استقالته وتنازله عن جنسيته، ومشى على قدميه لبعض الوقت حتى وصل إلى كوبري قصر النيل، وعند منتصفه اعتلى السور وقفز إلى المياه بلا تردد أو ندم أو خوف؛ كي يختفي في لحظات قليلة داخل أعماقها متنازلاً ليس فقط عن جنسيته أو هويته وإنما عن حياته كلها؛ احتجاجًا على ضياع حلمة بمصر أفضل وأحسن بعد سقوط نظام "مبارك".
sobhy@iprimus.com.au

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter