صغيرة لم يتجاوز عمرها حين الحادث التسع سنوات، بملابس العيد الجديدة ظلت تلعب وتلهوا، وانتظرت قدوم موعد قداس منتصف الليل لتذهب مع والدها إلى ''كنيسة القديسين''، إلا أن فرحتها أاغتيلت على إيدي الإرهاب، صرخاتها دوت تنادي على والدها وسط الحطام والدماء، لكنه لم يلبي النداء، فقد خرجت روحه وتركتها وأخواتها يبكونه ويبكون خوف الفتنة.
أسرة ''عادل عزيز غطاس''، أحد ضحايا تفجير كنيسة القديسين، بعد عامين من مرارة فقدان الأب والزوج، تتساءل ''سحر'' أرملته: ''مين مسئول لحد دلوقتي عن المجزرة دي؟!، عائلات بالكامل فقدت الأب أو الابن واللي ربنا كتبله الحياة عاش مشوه وهو ممكن يكون ''عائل'' لأسرته، الناس دي ''اتدبحت'' و لحد دلوقتي محدش جاب حقوقها !''.
''فادي، مارينا، وميريام''.. فقدوا الأب في لحظات في حادث إرهابي شنيع، وفقدوا معه الجيران والأصدقاء، وفقدوا أيضا شعور الأمان لوقت طويل، تلقي '' سحر'' بالمسئولية على عاتق ''الدولة'' في عدم التوصل حتى الآن للجناة الحقيقيين، وتقول: ''عقاب ربنا نزل على النظام بعد أحداث القديسين، إنما لحد دلوقتي النظام والقانون جاب حق مين ؟!'' .
وتشرح ''سحر'' معاناة أسر الشهداء ''المعاش خدناه بالعافية، كل الكلام كان عن شهداء الثورة، إنما دول ناس نازلة ''تشيل النظام'' وعارفة ممكن يجرالها إيه، إنما اللي اتاخد غدر في عيده وهو بيصلي يكون دا رد حقه؟!''.
لا زال ''الأمن والأمان'' هو مطلب أسرة ''ضحية القديسين'' كما هو مطلب كل إنسان، فتقول زوجته ''لحد الآن مش لاقية جاني غير النظام والبلد، مين مسئول عن أمني وأماني لو جرالي حاجة، مين هيجيب حق ولادي، الناس لها حق من اليأس تفكر في الهجرة، إنما احنا مش هنسيب البلد مهما كان''.
مصر في عيون الأرملة وأبنائها لا زالت ''فيها حاجة حلوة''، الأهل والأصدقاء والجيران، بالنسبة للزوجة عائلة الأسرة فالأهم عندها ''جارتي أما تخبط عليا أما أكون تعبانة وتعرض مساعدتها عليا''، أو حتى ''صحابي في العمارة لما نلعب سوا'' لـ''ماريان - الابنة الصغيرة''.
''برة ممكن نلاقي أمان، إنما مش هنلاقي اهتمام أهلنا وناسنا زي مصر''.. هكذا قالت ''سحر'' وهي تتأمل أركان شقتها التي انتقلت إليها بعدما لم تستطع أن تعيش في منزلها القديم لانها كما تقول ''بشوف صورة عادل في كل حتة فيه'' .
ذكريات الزوجة مع زوجها الشهيد ترويها وتقول ''كان بيتألم من أخبار أحداث نجع حمادي والفتن الطائفية، الجانب الديني عنده إن الضحايا أصبحوا ''شهداء بين أيادي ربنا''، وكان بيتمنى الشهادة زيهم، والجانب الإنساني إن مش كل البلد ''فتنة''، وعمره ما فكر إنها تصبح حالة عامة''.
أما الصغيرة ''ميريام'' فتتذكر لحظة الحادث وتقول: ''كنت بلعب مع صحابي وفجأة سمعت الانفجار، كل الناس كانت بتجري وبتقولي ''ساعديني'' بس مش عارفة أساعد حد، بابا وحشني بس يا بخته مات شهيد، مش خايفة وهنزل أصلي عشانه كل سنة''.
''رغم كل اللي حصل، واللي بيحصل دلوقتي، لكن بلدنا فيها حاجات كتير حلوة''.. هكذا اختتمت ''سحر'' حديثها بكلمات حب وانتماء لبدلها مصر التي أبت أن تغادرها بعدما فارقها شريك حياتها في حادث بشع وتركها وحيدة وفي رقبتها مسئولية تربية ثلاثة أبناء.