بقلم :محمد يونس

 يقولون في المراجع التاريخية أن الناس  كانوا يتصورون في البداية أن الأرض مسطحة..ظل هذا الإعتقاد  قائما حتي القرن السادس قبل الميلاد عندما أثبت الفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس (570- 495 ) ق.م ..أنها كروية .. بعدها بقرنين سنة 330 ق.م وافق أرسطو مع دراسة الأدلة علي أنها كروية 

 

و لكنة كان يعتقد أنها مركز الكون الذى تدور حوله الشمس و باقي الكواكب  وظل هذا سائدا لفترة طويلة لا يتغير بحيث نجد أن في القرن الثاني الميلادى دون العالم السكندرى كلوديوس بطليموس (100 -170 ) م.في كتابه (الماجستي ) أن  الأرض هي المركز والكواكب تدور حولها.
.و بعد قرنين..تبنت الكنيسة الكاثوليكية  نفس الفكرة ..و إعتبرت الخروج عنها كفرا و زندقة .
 
 
 24 مايو 1543 توفي كوبرنيكس بعد عدة أيام من طبع كتابه (( حول دوران الاجرام السماوية )).. لقد حجزة دون نشر لسنين فقد كان يهاب رد فعل الكنيسة وغضبها عندما تكتشف أن تعاليم (بطليموس – أرسطو) عن مركزية الارض لم تكن سليمة .. وأنها (أى الأرض ) تدور حول نفسها و تدور في نفس الوقت هي وباقي الكواكب حول الشمس.
 
 
بعد قرن من وفاة كوبرنيكس.. سطع نجم جاليليو ليكمل المسيرة ...كان كوبرنيكس صاحب الانفجار الاول الذى زلزل الجمود الكنسي في عصرة .و إن ظل يتداول بين المثقفين..ثم تلاة جاليليو الذى أسقط بدون تردد نظريات العصور الوسطي عن الكون و حركتة رغم أنف محاكم التفتيش .
 
نظريات كوبرنيكوس و جاليليو تخطت حدود الفلك لتؤثر في الدين والسياسة والفلسفة والثقافة الإنسانية كلها.. فيما عدا تلك البقعه الصحراوية بين أسيا و إفريقيا ..التي رغم مرور القرون  لا تزال تحمل بقايا فكرالإنكشارية ..يتحكم في سكانها ويدعي مرشديها بيقين الجهال (( بل هي مسطحة)) .. و من يقول عكس ذلك خارج عن الملة.... 
 
كيف إختلف سكان المكانبن ..كل هذا الإختلاف النوعي .!!.
القرن السادس عشر (عام ) 1517 دارت معركة الريدانية بين جيوش سليم الاول السلطان العثماني من جهة وجيش طومان باى من جهة أخرى ، إنتهت بهزيمة و شنق أخر سلاطين دولة المماليك ..وعلقت جثته علي باب زويلة ... و هكذا دخلت  مصر (و المنطقة ) تحت عباءة  الحكم العثمانى ليستمر إظلامها لمدة ثلاثة قرون كانت أوروبا خلالها ..تخطو للخروج من دياجير العصور الوسطي إلي زمن النهضة عن طريق صراعا ضاريا مع الافكار الكنيسة علي كل المستويات .. سواء العلمية أو الفنية أو السلوكية أو القيمية أو الفكرية ..قادة العديد من المفكرين و العلماء و الفلاسفة الذين لازلنا ندين لهم بفضل تنوير البشر و إرشادهم لطريق العلم و المعرفة القويم.. 
 
بمعني صراع ضد أفكار الكنيسة قاد للتقدم ..و إستسلام لكهنة الخلافة العثمانية إنتهي للركود .
 
أحد هؤلاء المجاهدين كان جاليليو الايطالي الذى  ولد ((15 فبراير 1564 )) . 
 
فقد أمن بمركزية الشمس و دوران الارض حولها وكان لا يهاب التصريح بذلك حتي رأت الكنيسه أن نظريته هذه تتعارض مع المزمور 104: 5 ((المؤسس الارض على قواعدها فلا تتزعزع الى الدهر و الابد)) .
 
و حاول جاليليو التوفيق بين أبحاثه و ما جاء بالكتاب المقدس مستعينا بالفلسفة التي كانت سائدة بين اباء الاسكندرية الاوائل كلمنت و أرجون ..في القرن الثاني بأن ((من وراءالمعني الحرفي لعبارات الكتاب المقدس طبقتين من المعاني أكثر منه عمقا هما المعني الخلقي و المعني الروحي لا تصل إليهما إلا الاقلية الباطنية المتعلمة )).
 
فكان يدافع عن نظرياته موضحا انه لا يمكن تفسير الايات حرفيا .. ولكن الهجوم إستمر عليه و على افكاره .. وفي النهاية  كما سقط (أرجن السكندرى بين براثن كهنة روما بسبب رفضة للتفسير الحرفي لكلمات الكتاب المقدس )..سقط جاليليو ليقف أمام محاكم التفتيش سنة 1616
وهناك فشل جاليليو في إقناع الكنيسة بعدم منع تداول كتبه وإنتهي بأن سلمه (الكاردينال بيلارمين) امرا بعدم الخوض في مسألة أن ( الارض تدور حول الشمس و ان الشمس ثابتة فى المركز لا تتحرك).
 
التزم جاليليو لمدة ستة عشر عاما ثم الف كتابا بعنوان (حوار حول النظامين الاساسيين فى العالم) كان نتيجته محاكمته عام 1633بتهمة الكفر(الهرطقة) و قرر القاضي:
1 - أن علي جاليليو التوبة عن افكاره الخاصة بأن الشمس هي المركز و الارض تدور حولها ، وأن القول بأن الشمس ثابته فى مكانها هى (كفر) .
2 - سجن جاليليو.. لكن الحكم خفف ليصبح عدم مغادرة منزله .
3 - منع كتابه (الحوار) و منع كل كتبه ما نشر منها و ما جارى نشرها .
عاش جاليليو بعد ذلك تسع سنوات و توفي في 5 يناير 1642 و هو يهمس لإبنته ((لكنها تدور ))
و هكذا دائما إنتهاء معاناة المختلفين مع دولة القهر و التخلف يكون بالوفاة و التخلص من نير الظالمين ..
و لكن هل إنتهت بذلك مسيرة التنوير ... عندما غادر جاليليو ..ولد إسحاق نيوتن في إنجلترا عام 1643 .. كما لوكانت سلسلة تسلم حلقاتها بعضها بعضا
 
.
في ذلك الزمن كانت الجامعات الاوروبية بما في ذلك كامبريدج تعتمد فلسفة أرسطو القائمة على مركزية الأرض في الكون ولكن في نفس الوقت كان يتم تداول أفكار كوبرنيكس و كيبلر و جاليليو .
 
 
لقد كانت الثورة العلمية في القرن السابع عشر في أوجها، وأفكارهم أصبحت معروفة في كل الدوائر الأكاديمية الأوروبية، والفيلسوف رينيه ديكارت قد بدأ بوضع محتوى جديد معقد للطبيعة.
 
 
و هكذا عندما إلتحق نيوتن بكمبريدج درس المنهج الأساسي ولكنه كان مهتماً بالعلوم المتقدمة بحيث كان يمضي أوقات فراغه في قراءة كتب فلاسفة عصره وتدوين ملاحظات أظهرت فيما بعد أن نيوتن توصل لتعريف جديد للطبيعة شكل إطار الثورة العلمية.
 
 
حياة نيوتن الخاصة ليست موضوعنا و إن كان لم يتزوج كما أن قضاء طفولته البعيدة عن والدته ترك أثراً واضحاً عليه من حيث إحساسه بعدم الأمان،وأصيب بالانهيار العصبي مرتين في حياته ، و كان مشهوراً بمزاجه الحاد ومشاكله مع الآخرين ولم يكن له الكثير من الأصدقاء، .
 
 
بينما كان له الكثير من المخالفين والمنتقدين خاصة من مجتمع العلماء.. بمعني أنه كان تجسيدا لوصف نيتشة ((تقل الصحبة وتزداد الغربة و ينعزل الافراد في وحدة تفتقد حرارة التلاحم .. لقد إنفصل الشخص عن القطيع ليجد نفسة بعيدا عن مجتمعه .. يعاني من التفرد و التجاهل و عدم الفهم إنها برودة القمم))
 
لم يوجد دليل مؤكد على صحة قصة التفاحة وعلاقتها باكتشاف قانون الجاذبية.. ولكن في نفس الوقت عندما تقول (مثل أغلب المتعلمين أبعد من الاعدادية ) لكل فعل رد فعل مساو له و مضاد في الاتجاة .. فأنت لا تتكلم عن قانون نيوتن الثالث .. بقدر ما تتكلم عن حقيقة سلوكية و أخلاقية و إقتصادية .. أصبحنا نؤمن بها
 
 
نيوتن كانت له دراسات في الجاذبية وتأثيرها على مدارات الكواكب بحيث تأخذ الشكل البيضاوي...وفي عام 1687 نشر كتابه (المبادىء الرياضية للفلسفة الطبيعية ) و الذى إعتبر الكتاب الاكثر تأثيرا علي علم الفيزياءالحديثة ..يقدم فيه وصفاً كمياً دقيقاً للأجسام أثناء الحركة من خلال ثلاثة قوانين رئيسية :-
1 - الجسم الساكن سيبقى ساكناً ما لم تؤثرعليه قوة خارجية
2 - القوة تساوي حاصل ضرب الكتلة في معدل تغير السرعة ( العجلة ) ..والتغير في الحركة يتناسب مع مقدار القوة المؤثرة
3 - لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس بالاتجاه
 
هذه القوانين لم تساعد في تفسير المدارات البيضاوية للكواكب فقط بل فسرت تقريباً كل حركة في الكون مثل كيفية بقاء الكواكب ضمن مداراتها نتيجة قوة جذب الشمس وكيفية دوران الأقمار حول كواكبها والمذنبات حول الشمس، 
 
 
كما سمحت لنيوتن بحساب كتلة كل كوكب، ومساحة سطح الأرض عند القطبين وانتفاخ خط الاستواء، وكيف تؤثر جاذبية الشمس والقمر في المد والجزر . ووفقا لحسابات نيوتن فإن العلاقة بين الجاذبية و القوى الطاردة هي التي تحافظ على توازن الكون.
 
 
نيوتن عاش حتي بلغ الرابعة و الثمانين عندما توفي عام 1727 ..إزدادت شهرته إذا إعتبرة الكثيرون من أهم العباقرة بعد جاليليو و أرسطو .
 
 
و لكنه هو كان يرى نفسه (( كصبي صغير يلعب على الشاطئ محاولاً إيجاد حصى أنعم أو صدف أجمل بينما الحقيقة واسعة كالمحيط))
 
وهكذا يرى الافذاذ أنفسهم من الذين لا يدعون (مثل البعض) أنهم يملكون مجمل الحقيقة المطلقة.
 
سلسلة متتالية من العباقرة الذين غيروا أفكار راكدة منذ زمن أرسطو..و فتحوا أبواب العلم علي مصراعيها  ليصعد أحفادهم إلي غلاف الأرض الجوى .. يطورن علم الفلك ..و يسبحون في الفضاء  بما كان يعتبر خيالا .