الأقباط متحدون - سياسة المصاطب
أخر تحديث ١٦:٥٦ | الاثنين ٧ يناير ٢٠١٣ | ٢٩ كيهك ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٩٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

سياسة المصاطب

  بقلم   حمدى قنديل  
صلتى بالفريق ضاحى خلفان، قائد شرطة دبى وبعبع الإخوان فى الخليج، ترجع إلى سنوات مضت.. لاأزال أذكر له إلى الآن أنه عندما أُوقف برنامجى «قلم رصاص» فى تليفزيون دبى فى نهاية عام ٢٠٠٨، أقام لى حفل تكريم فى القيادة العامة للشرطة وقدم لى شهادة تقدير تفيض بثناء غامر.
لم يبلغنى أى مسؤول من أولئك الذين أكاد أعرفهم جميعا فى دبى بالسبب المباشر فى إيقاف البرنامج عندئذ، ولكنى أعلم أن عددا من قادة الدول العربية، بينها مصر، كانوا يحتجون من وقت لآخر على بعض ما يقال فى البرنامج، وقد اطلعت بنفسى على مذكرات حول هذا الأمر مقدمة من الخارجية الإماراتية إلى سلطات دبى.. لم يمنع هذا كله من أن تستمر الصلة طيبة بينى وبين المسؤولين هناك بعد أن غادرت الإمارات، بل إننى زرتها فى زيارات خاصة مرتين أو ثلاثاً.
فى عام ٢٠١٠، قبل الثورة بشهور قليلة، دعتنى إدارة MBC فى دبى لحفل تطوير موقع قناة «العربية» الإلكترونى، لكننى أُبلغت فى اليوم السابق للاحتفال بأن صدور تأشيرة الدخول قد تعذر.. قبلها بأيام كنت قد علمت من بعض الأصدقاء، وبينهم الدكتور محمد أبوالغار، أن هناك قائمة للمعارضين البارزين لـ«مبارك» أُبلغت لأجهزة الأمن فى معظم دول الخليج وأن اتفاقاً تم للتضييق عليهم.. بادرت بالاتصال بكبار القوم الذين أعرفهم فى الإمارات، فإذا بالسفير فى القاهرة يتصل بى فى المساء ويطلب منى إحضار جواز السفر وتفتح السفارة لتمنحنى التأشيرة. فى اليوم التالى لوصولى استقبلنى الشيخ محمد بن راشد رئيس وزراء الإمارات حاكم دبى، وطيب خاطرى بكلمات رقيقة.. مع ذلك فقد كانت هناك شواهد عديدة، معلنة وخافية، على أنه رغم أن مصر لها مكانة خاصة فى الإمارات من أيام الشيخ زايد إلاّ أن «مبارك» بالذات له حظوة كبيرة لدى المسؤولين هناك.
بعد الثورة أبلغ المسؤولون الإماراتيون المجلس العسكرى فى مصر، مباشرة وعن طريق وسطاء، أنهم يتمنون عليه أن يجد صيغة ما للإفراج عن «مبارك» مقابل استرداد ما حصل عليه من أموال الدولة، ووعدوا صراحة بتقديم مساعدات مالية إلى مصر مقابل هذه الصفقة.. تعثرت الاستجابة للطلب، خاصة بعد صدور الحكم على «مبارك» بالسجن.. بعدها تولى الدكتور مرسى الحكم إثر انتخابات يبدو أن نتائجها فاجأت أهل الخليج بأكثر مما فاجأت المصريين أنفسهم.. وما إن مضت أيام قليلة حتى أدهشنا الفريق خلفان بسيل من تغريداته على «تويتر» شن فيها هجوما ضاريا على الإخوان.
يعرف الفريق قبل غيره تجربة الإمارات مع الإخوان، وهى تجربة ترجع إلى الثمانينيات من القرن الماضى عندما لجأ مئات من الإخوان المسلمين إلى العمل فى الإمارات هربا من قمع «مبارك».. ولا يستطيع أحد أن يجزم تماما ما إذا كانوا قد استهدفوا العمل فى وزارتى التعليم والأوقاف بالذات لنشر دعوتهم بين الطلاب ومرتادى المساجد أم أن التحاقهم بهاتين الوزارتين كان من قبيل الصدفة أو بسبب وجود عناصر إخوانية فى مناصب قيادية فى الوزارتين.. مع مرور السنوات زادت الهواجس والوساوس لدى سلطات الأمن من اتصالات الإخوان المصريين بمواطنى الإمارات، وبدأت حملة لطردهم من الوظائف الحكومية ومطاردتهم فى بعض الجمعيات الأهلية، خاصة فى جمعية «الدعوة والإصلاح» التى تخفوا وراء لافتتها.. وسادت فى الإمارات قناعة فى منتصف التسعينيات بأن هذه الحملة قد نجحت، وأن البلاد استراحت من الهم الإخوانى.
صُدم كثير من المصريين عندما كتب الفريق خلفان أولى تغريداته، ثم اشتعل غضبهم، وأنا واحد منهم، عندما قال إن «الرئيس المصرى سيأتى حبواً إلى الخليج ولن نستقبله بالسجادة الحمراء».. الحق أن الفريق تجاوز كثيرا فى هذا التعبير على نحو غير مقبول.. ورغم أن حاكم دبى أوفد أحد مستشاريه ثم مدير إعلامه «الذى يعتبر بمثابة وزير إعلام الإمارة» للقاء الرئيس والاعتذار له لتصفية ما فى النفوس إلاّ أن هرب الفريق شفيق إلى دبى جدد الأزمة.
مرة أخرى ذهبت إلى دبى بعد لجوء «شفيق» إليها بأسابيع بدعوة من مدير الإعلام وقتئذ الأستاذ أحمد الشيخ.. حدثته فى الأمر، وقلت إن تصريحات «شفيق» المتكررة من دبى سوف تؤدى إلى أزمة أكبر فى العلاقات.. أقسمَ أن «شفيق» لم يأت بترتيب مسبق، وأنه دخل بتأشيرة زيارة عادية، وأنه لا يمكن منعه كزائر من الحديث إلى وسائل الإعلام، أما إذا طلب اللجوء السياسى فسوف يُمنع إذا ما ووفق على لجوئه من التصريحات السياسية التى قد تفسد العلاقة بين البلدين.. واستشهد بحالة «الصحاف» وزير الإعلام العراقى السابق الذى وصل إلى الإمارات بعد الغزو الأمريكى، وظل يدلى بأحاديث إعلامية عدة أسابيع حتى حصل على اللجوء السياسى، ومنذ ذلك الحين لم يدل بتصريح واحد.. أبلغنى «الشيخ» أنه يظن فى كل الأحوال أن مشكلة الفريق شفيق ستنتهى قريبا، وأنه رغم أنه لا يملك معلومات محددة إلاّ أنه يعتقد أن «شفيق» سيلجأ فى النهاية إلى لندن، وبذلك يفتح الباب أمام تنقية الأجواء.
فجأة، اعتقل فى الأسبوع الماضى فى الإمارات ١١ مواطنا مصريا اتهموا بانتمائهم للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين وبأنهم تلقوا تعليمات من المرشد العام فى مصر بتحريض مواطنين إماراتيين على «البيعة لغير ولى الأمر» وتشكيل تنظيم إخوانى فى البلاد.. حاولت السفارة المصرية فى أبوظبى الاتصال بالمتهمين، ولكنها خلافا لكل الأعراف لم تستطع لقاءهم أو تكليف محامين للدفاع عنهم.. وعلى أى حال فقد كان الأمر – على ما يبدو فى رأى «الجماعة» فى المقطم - أكبر من أن تتولاه سفارة.. الأمر يتعلق بعشيرة الرئيس شخصيا.. فى تجاهل مشين لوزارة الخارجية ـ وإن كان قد أصبح مألوفا ـ تحركت العشيرة.. أوفد الرئيس مساعده للعلاقات الخارجية، د. عصام الحداد، فى مهمة إلى الإمارات لتسوية الأزمة، وأوفد معه مدير المخابرات العامة (يلاحظ من البيان الذى أصدرته الرئاسة أن اسم الحداد يسبق اسم مدير المخابرات)..
الحداد شخصية تكاد تكون مجهولة للمعنيين بالشأن العام فى مصر.. صحيح أنه كان مسؤول العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، وأحد القيادات الإخوانية المقربة من خيرت الشاطر، لكن سجله لا ينم عن أى مقومات تؤهله لتولى منصبه المهم فى الرئاسة.. هو مجرد طبيب تحاليل حصل على دكتوراه من بريطانيا.. لكن ما دامت العشيرة هى التى تحكم فلا بأس أن يكون مساعدا للرئيس إن لم يكن أهم مساعديه.. ولا بأس أن يصدر بيانا كذلك الذى أصدره باللغة الإنجليزية قبل أسابيع قليلة يهاجم فيه المحكمة الدستورية ولا تلومه الرئاسة على ذلك بل تدافع عنه.. ولا بأس أيضا أن يوفد إلى الإمارات لتسوية الأزمة مادامت الأزمة متعلقة بالعشيرة.
لا اعتراض على أى حال على قيامه مع آخرين بهذه المهمة.. بل إنه ما دام هناك مصريون محتجزون فى دولة ما فعلى مصر ـ حكومة ومنظمات أهلية ـ أن تبذل كل جهد للإفراج عنهم.. لكن الفضيحة التى تناثرت أخبارها عند عودة الحداد إلى مصر بعد ٢٤ ساعة هى ما نشرته صحف إماراتية من أنه تجاهل ٣٥٦ مصريا فى سجون الإمارات بتهم مختلفة ولم يتناول فى مهمته سوى الـ١١ إخوانيا الذين أصرت الإمارات على أن أمرهم متروك للقضاء.
يمكن أن يقال إن هذا الخبر قد تم تسريبه عمدا حتى يثير المصريين ضد الحكم وضد الإخوان، ومع ذلك فقد أكده لى مصريون يقيمون فى الإمارات أثق فى اتزانهم وموضوعيتهم.. الاهتمام ببضعة سجناء لمجرد أنهم ينتمون للجماعة وإهمال مئات غيرهم فى الإمارات وغيرها سُبة فى جبين الحكم.. ربما الأهم من ذلك أن تُنحَّى وزارة الخارجية جانبا، وهى التى ظلت على الدوام قلعة وطنية عتيدة، فى حين يتولى الأمر بعض الهواة وتدار السياسة الخارجية بطريقة «المصاطب».. الحكم لا يفلح عندما يتولاه ذوو القربى لا أصحاب الكفاءة

نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع