كل يوم وربما كل ساعة يباغتنا الدكتور عصام العريان بشطحات هجومية على الجميع: الإعلاميين المعارضين وعلى الأستاذ هيكل. فقد دخل العريان فى مرحلة الصدام والتناطح مع كل من يتجرأ على خصومته أو معارضة الإخوان، وحتى عندما أراد العريان أن يبدو متعاطفا رقيقا متسامحا، فقد جنح كعادته.. جاءت دعوة الدكتور عصام العريان نائب حزب الحرية والعدالة بعودة يهود مصر الذين تم طردهم فى عهد الرئيس عبدالناصر، مفاجئة للإسرائيليين أنفسهم قبل أن تكون مفاجئة للمصريين، وأبدت وسائل الإعلام الإسرائيلية اندهاشها من خروج تصريحات تحمل قدراً هائلاً من التعاطف مع يهود مصر، من عضو بارز بجماعة الإخوان المسلمين.
منذ قيام دولة الكيان الصيهونى وهناك سعى لإثارة أزمة الممتلكات من خلال عدة منظمات وتسعى هذه المنظمات التى تأتى على رأسها منظمة تدعى «jjac» - وهى منظمة أمريكية كبرى تضم داخلها نحو 77 منظمة يهودية مختلفة - للحصول على أموال للآلاف من اليهود الذين طردوا من الدول العربية والإسلامية منتصف القرن الماضى، والعمل على استرجاع حقوقهم التى تم سلبها منهم فى ظروف غير طبيعية على حد تعبير ممثلى المنظمة.
وهناك منظمة أخرى تدعى «wojac» وهى اختصار للمنظمة الدولية لنازحى الدول العربية من اليهود والتى تجرى منذ مطلع الألفية الجديدة حصراً شاملاً للممتلكات التى تركها اليهود فى الدول العربية التى غادروها خلال حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى.
وتشير التقديرات المبدئية التى أعدتها هذه المنظمات إلى استحقاق اليهود الذين نزحوا من مصر لمبالغ قد تتراوح قيمتها بين 15 و 20 مليار دولار تعويضاً عن ممتلكاتهم التى تركوها.
ومن ضمن الوثائق التى أعدتها المنظمة قضية حصر ممتلكات اليهود فى مصر، ورد ممتلكات اليهود من قبل السلطات المصرية.
وكعادة الصهاينة فإن الملف يبدأ قبل قيام دولة إسرائيل، وبحسب زعم الوثيقة فإن الحكومة نزعت ممتلكات بعض اليهود.
وأضافت الوثيقة أن هناك 30 أسرة يهودية من الذين كانوا يسكنون فى محيط كيلومتر واحد من القصر الذى كان يقيم فيه الملك فاروق، قد تم إجبارهم على إخلاء منازلهم خلال 48 ساعة، وأشارت إلى أنه خلال الحرب التى اندلعت بين مصر وإسرائيل منتصف عام 1948، تم أيضاً إلزام اليهود على المساهمة المالية لمصلحة صندوق الجيش المصرى، وتم توجيه تهمة الخيانة العظمى لكل من امتنع عن الدفع، وأشارت إلى أن يهود القاهرة وحدهم قد دفعوا مبالغ بلغت 160 ألف دولار، بينما دفع يهود الإسكندرية مبلغ 80 ألف دولار.
اليهود وثورة يوليو
وبعد اندلاع الثورة أظهر رئيس مصر الجديد محمد نجيب تعاطفاً ملحوظا مع اليهود إلى الحد الذى طلب فيه من الشيخ الباقورى الذهاب إلى منزل الحاخام الأكبر «حاييم ناحوم أفندى» للاعتذار له عن وصفه لليهود بالخنازير خلال إلقائه خطبة الجمعة.
وتولى جمال عبدالناصر شئون البلاد وفى أول رد فعل له على العدوان الثلاثى أصدر فى الأول من نوفمبر عام 1956 أمراً بمصادرة ممتلكات البريطانيين والفرنسيين الموجودين فى مصر، وبعد يومين قام بإدخال تعديل على القرار يقضى بمصادرة أموال اليهود أيضاً، كما أصدر يوم 22 نوفمبر بياناً يقضى باعتبار المواطن مصرياً فى حالة إقامته فى مصر بشكل دائم منذ عام 1900 ولا يحمل أى جنسية أجنبية وهو ما أصاب اليهود فى مقتل نظراً لامتلاك أعداد قليلة منهم لأوراق تثبت بقاءهم فى مصر منذ عام 1900 وحتى تاريخه وأدت هذه القرارات إلى قيام السلطات المصرية بالحصول على عدد كبير من ممتلكات اليهود وتجميد حساباتهم البنكية كما تم تأميم 1300 شركة ومصنع تابعة لليهود وتم منع جميع المهندسين والمحامين والأطباء اليهود من مزاولة أنشطتهم مما أدى إلى هروب الآلاف منهم خلال أيام من صدور هذه القرارات، وحصرت الوثيقة أعدادهم بنحو 22 ألفاً و200 يهودى تم طردهم فى الفترة من نوفمبر 56 إلى يونيو1957 وخلال عام 1958 تم طرد 5 آلاف يهودى وفى عام 1960 قرر 10 آلاف يهودى الهرب خارج مصر.
ومن خلال حصر آخر للثروات التى تركها يهود مصر، ذكر الملحق الاقتصادى لصحيفة يديعوت أحرونوت، استناداً للمزاعم، أن السفينة هيرمس التى حملت على متنها مئات اليهود المطرودين من مصر والتى وصلت إلى إسرائيل فى شهر مارس من عام 1957، كان على متنها 126 أسرة وبحوزتها 500 حقيبة أى 5 حقائب فى المتوسط لكل أسرة، وأعقبها رحلة أخرى ضمت 85 أسرة ومعهم 300 حقيبة بمتوسط 5:3 حقائب لكل أسرة مما يعنى وفقاً للوثائق_ أن اليهود الذين خرجوا من مصر لم يأخذوا معهم سوى متعلقاتهم الشخصية الضرورية من ملابس وأدوية وكتب، وفى المقابل كانت هناك صعوبة شديدة فى تحويل مبالغ ضخمة لليهود الذين تم طردهم أو الذين قرروا المغادرة حيث أصدرت الحكومة المصرية أمراً يقضى بعدم إخراج أكثر من 200 جنيه مصرى لكل يهودى، إلا أنه لم يتم السماح بإخراج أكثر من 100 جنيه استرلينى وهو ما كان يوازى 112 جنيهاً مصرياً فى ذلك التوقيت كما تم السماح بإخراج 50 جنيهاً استرلينياً عن كل طفل وتم منع إخراج الحلى الذهبية التى تزيد قيمتها على 50 جنيهاً استرلينياً للمرأة المتزوجة وتحدد مبلغ 20 جنيهاً استرلينياً قيمة الحلى للفتاة غير المتزوجة.
فقد زعمت إحدى الوئاثق أن لليهود حقوقاً فى حى سموحة الراقى بمدينة الإسكندرية على الرغم من حصول أصحابها على تعويضات من الحكومة المصرية قبل ذلك، وذكرت أنه بعد قرار عبدالناصر بتأميم ممتلكات اليهود أعدت وزارة الخارجية البريطانية قائمة بالممتلكات التى تم تأميمها وتم تقدير ممتلكات يوسف سموحة وأسرته بـ 14.5مليون جنيه إلا أن الحكومة المصرية قد حددت سعر أرض سموحة بمليون جنيه استرلينى فقط «حوالى 900 ألف جنيه مصرى» استناداً إلى أن الأرض زراعية وليست أرض بناء إلا أن المليونير يوسف سموحة وأسرته قد حصلوا على تعويض بلغ 3.1 مليون جنيه استرلينى وفقاً لاتفاق مشترك تم بين الحكومة المصرية والبريطانيةأحد الوثائق اليهودية تستند إلى أن وزارة الخارجية البريطانية بخصوص أسرة عدس اليهودية وصل إجمالى ممتلكاتها التى تمت مصادرتها نحو 4.1 مليون جنيه.
وهناك أسرة «سيكوريل» الثرية التى اشتهرت بامتلاكها سلسلة محلات شيكوريل التى كانت أول صيحة فى عالم محال السوبر ماركت الضخمة، وسمحت الثروة العملاقة التى كانت تمتلكها هذه الأسرة فى المشاركة فى إقامة بنك مصر عام 1920. وقام سليكتور سيكوريل صاحب الأمبراطورية الاقتصادية الرهيبة، الذى استطاع تهريب جزء كبير من أمواله قبل العدوان الثلاثى، فى بيع سلسلة محلاته إلى أسرة الجابرى المصرية بمبلغ 150 ألف دولار قبل أن يغادر مصر فى مارس من عام 1957، إلا أن القيمة الحقيقية لسلسلة محلات سيكوريل أو شيكوريل وفقاً للوثيقة الإسرائيلية، قدر بعشرات الملايين من الجنيهات. وبعدها وفى عام 1961 قامت الحكومة المصرية بتأميم سلسلة المحلات من صاحبها المصرى.
تعويضات رغم البيع
ولا يكتفى اليهود بالمغالطة فى المصادرات ولكنهم فتحوا أيضا ملف الممتلكات التى تم بيعها لأفراد.
وأشار التحقيق الإسرائيلى إلى أن أعداداً كبيرة من أثرياء اليهود فى مصر قد باعوا مشاريعهم بهذه الطريقة وبخسارة مشابهة، من ضمنهم أصحاب محال «سيملا» أو شملا، وجاتينيو وبن - صهيون أو بنزايون، وأشارت إلى أن جميع عمليات البيع قد تمت قبل العدوان الثلاثى على مصر.. ويقول المستشرق يورام ميطال، إن إجراءات بيع تلك المحال والمشاريع قد تم بشكل رسمى وقانونى، لكن لا شك أن عمليات البيع والشراء قد فُرضت بالقوة على أصحابها الحقيقيين من اليهود استغلالاً للجو المعادى الذى ساد مصر ضد اليهود خلال فترة الخمسينيات وأضاف قائلاً: «قانوناً لا يوجد مجال للحصول على تعويضات عن فارق الأسعار بين سعر المشروعات الحقيقية وبين الثمن الذى بيعت به، ولكن هناك دعوى أخلاقية ضد الحكومة المصرية وضد من استغل أزمة اليهود وقتها من أجل زيادة ثرواته».
وكشف التحقيق أنه مع نهاية عام 1956 حدث أن توجه «شلومو كوهين تسيدون» رئيس رابطة المهاجرين المصريين فى إسرائيل، إلى وزير المالية آنذاك ليفى أشكول وطالبه بضرورة توثيق الممتلكات الكثيرة التى خلفها اليهود فى مصر رغماً عنهم، وبالفعل وافقه أشكول وقام فى مارس من عام 1957 بتشكيل لجنة لتسجيل المطالبات وتوثيقها، وخلال عام ونصف العام تم توثيق 3,500 طلب. وفى ملفات الوكالة الدولية ووزارة الخارجية لم يتم التركيز على هذا الكم من المطالبات وتم الاكتفاء على تقرير صدر فى نوفمبر من نفس العام شمل 640 طلباً ومن خلال حصرها تبين وجود مطالبات بالحصول على ممتلكات تبلغ قيمتها 5.5 مليون جنيه مصرى معظمها مطالبات بقيمة أراض تم تركها وسندات مالية، وحسابات بنكية، ووثائق للتأمين على الحياة وتم تقدير هذه الممتلكات فى أبريل من عام 2000 بنحو 2.5 مليار دولار.
كما تم إعداد تقرير آخر صدر عام 1963 يتطرق إلى الملكية الجماعية وتم تحديد هذا النوع من الملكيات بنحو 93 مليون دولار منها 74,5 مليون دولار فى مدينة الإسكندرية و13,5 مليون دولار فى القاهرة والباقى ممتلكات متفرقة فى طنطا، والمنصورة، ودمنهور، وبور سعيد. وذكرت الوثائق أن الحكومة المصرية قد اتفقت على منح بريطانيا 27,2 مليون جنيه استرلينى تعويضات عن الإضرار بالنفس والممتلكات بعد قرار عبدالناصر.
التعويضات وكامب ديفيد
ويكشف التحقيق الإسرائيلى أيضاً عن وجود بند تم وضعه خلال اتفاقية كامب ديفيد يشير إلى موافقة الجانبين المصرى والإسرائيلى على تشكيل لجنة مطالبة لتسوية جميع المطالبات المالية المتبادلة بين الطرفين، إلا أن الجانبين لم يتطرقا لهذا البند وأشار إلى أن المصريين فطنوا إلى أن تلبية المطالب الإسرائيلية ستعنى الإعلان عن إفلاس مصر، وفى المقابل تخشى إسرائيل من أن يؤدى فتح ملف التعويضات، إلى مطالبة الحكومة المصرية الحصول هى الأخرى على تعويضات من إسرائيل، نظير استغلال حقول بترول أبورديس فى الفترة من عام 1967 إلى عام 1975.
ورغم ذلك يعقد بشكل سنوى وفى هدوء فى مدينة القدس مؤتمر دولى لمناقشة سبل استرجاع ممتلكات اليهود من الدول الإسلامية يشارك فيه عدد كبير من رجال السياسة وأعضاء المنظمات اليهودية التى تعمل خارج إسرائيل من أجل استعادة الممتلكات، وهناك محاولات لمنح الاجتماع السنوى بعض الشرعية تمكن أعضاءه الحق فى اتخاذ قرارات ملزمة للحكومة الإسرائيلية.
وخلال الاجتماع الأخير الذى عقد نهاية عام 2011 تمت الإشارة إلى دور الوكالة اليهودية فى استرجاع 70% من ممتلكات اليهود التى تركوها فى دول أوروبا الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية، وتمت الإشارة إلى أن الأهداف التى تم وضعها فيما يخص ممتلكات اليهود فى الدول العربية والإسلامية لم يتحقق منها شىء حتى الآن نظراً لخشية الحكومات الإسرائيلية من ربط قانون حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بالحصول على حقوق اللاجئين اليهود.
حريق القاهرة عام 1952 طال محلات يمتلكها اليهود
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.