الأقباط متحدون - ثورة يناير.. نظرة إلى الخلف!!
أخر تحديث ٠٧:١٧ | الجمعة ١١ يناير ٢٠١٣ | ٣ طوبة ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٠٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

ثورة يناير.. نظرة إلى الخلف!!

بقلم: صبري فوزي جوهرة
شارفت الثورة المصرية على الاحتفال بعامها الثاني بعد أيام قليلة. ومن المعتاد أن يقف المرء في مثل هذه المناسبة الجليلة لينظر إلى الخلف تقييمًا للأحداث، خاصة ما اقترن منها بكفاح الماضي وتطلعات المستقبل وآماله.

يزداد الأمر خطورة تناسبًا طرديًّا مع أهمية موضوع الدراسة "مصر"، أولى الدول والوجود المحوري المستديم في عالم اليوم.. مصر هي أولاً وأخيرًا "وطني" الذي لن يؤثر أي تعثر لكلينا أو لأيٍّ منا، على ارتباطنا الأبدي!

ليس من الإنصاف أن يسعى الإنسان إلى تقييم عمل مازال في مراحله الأولى ولم تكتمل ملامحه بعد. كما أن الثورات العظيمة التي تترك بصماتها المستديمة على تاريخ البشر يمتد تطورها ونضوجها إلى عشرات السنين قبل أن يتضح أمرها وتبدو آثارُها الإيجابية والسلبية على السواء.

ولكن، وبالرغم من هذا، فإن هناك "ملامح" تشير بالكثير من الدقة إلى ما قد تفرزه ثورة ما من تقدم كما أحرزت الثورتان الأمريكية والفرنسية، مثل إرساء أسس الحكم الديموقراطي، والبدء في انطلاق الشعوب إلى الأفضل، أو من انتكاس، مثلما انتهى أمر الثورة "البولشفية"، حيث بدأت بوعود جميلة، لينتهي بها المسار إلى السقوط والفشل بعد معاناة طويلة جلبتها على شعوبها وعلى أمم اخرى لا ذنب لها ولا حيلة في الأمر كان من المستطاع تجنبها؛ ذلك لتبنيها أساليب الحكم المطلق و"الايديولوجيات العفنة"!

من الحقائق البيِّنة أن "الثورات" الفاشلة قامت على أفكار ضحلة لا تخدم الواقع أو أهداف الشعوب، كما تبعتها دائمًا أنظمة شمولية أو ديكتاتورية. ومن جهةٍ أخرى، هل يحق أن نطلق على "التشنجات" الفاشلة الهادفة إلى اختطاف الحكم صفة "الثورة"؟ لا أعتقد أن هذا من المنطق أو العدل.. فالشعوب تؤجِّج الثورات سعيًّا وراء التقدم والرخاء ونفض التخلف و"الخيبة"، وليس لدواعي سيطرة واستبداد فئه قليلة على مقاديرها.

فإذا عدنا إلى الماضي، القريب لا تتضح لنا دون الكثير من الجدل أن تشنج العسكر في عام 1952، هو ما أدى بمصر والشرق الأوسط بأكمله إلى الآن، إلى هذه الحالة البائسة من التردي. لا أذكر هذا من قبيل السخط على صانع النكسة وزبانيته بل للإشارة والتأكيد بأن لا مكان للعسكر في حكم مصر، وأن الحاجة إليهم تقتصرعلى الحفاظ عليها من عدوان خارجي!

بالطبع لم يكن لـ"حسني مبارك" أن يعهد إلى العسكر بتولي أمور مصر بعد إبعاده عن السلطة. فبيَّن "الغُشم" التام بالسياسة، وأصول الحكم المدني، والرغبة في الاحتفاظ بـ"امتيازات ابن صاحب العزبة"، التي رفلوا في رحابها لسنوات. ثم، وبعد تناولهم المرتعش للسلطة، وبالتالي الخوف من عواقب المسائلة بعد تسليمها لحكومة شرعية شريفة، التزم العسكر بالاستعانة بـ"الإخوان المسلمين" لالتقاطهم من الحفرة التي وضعوا فيها.

ويُقال أيضًا إنهم أقدموا على هذه الخيانة الجلية لمباديء ثوره2011؛ توخيًا لنصيحة "مبارك" الذي نصحهم بالتعاون مع "الإخوان المسلمين"؛ تجنبا لعدائهم، وما يترتب عليه من متاعب لهم!!

ماذا أيضًا عن "حسنى مبارك"؟ باختصار، لم يكن الرجل مؤهلاً ذهنيًّا أو أخلاقيًّا لحكم مصر. أجمع كل مَن تعامل معه عن قرب أنه رجل محدود الذكاء، كثيرًا ما تفاخر بأنه "عنيد"، وهناك فروق شاسعة بين العناد لغرض العناد، وما يشير ذلك إلى العنجهية وضيق الأفق بل والغباء، وبين الثبات في الحق على المبدأ، وهو من شيم الزعماء العظام.

فبينما يجلب العناد الغبي الوبال على صاحبه ومن حوله، يُضفي الالتزام بالرأي القويم صفات النبل، ومقومات النجاح على صاحبه.. إنه الفارق بين "عناد الحمار الشهير"، و"عظمة رجال" مثل "ونستون تشرشل" أو "المهاتما موهانداس غاندى"!

لقد أعمت ندرة الذكاء "مبارك" عن التمييز بين الأمرين. وجلب عليه ذلك السقوط المخجل، وإن جاء متأخرًا.. غرس "المؤمن" مبارك في مكان السلطة؛ لأنه كان أقل أفراد العصابة خطرًا على رئاسته الأبدية لمصر. وإحقاقا للحق، فقد أبقى "مبارك" مصر بعيدة عن الحروب، فكانت هذه هي حسنته "اليتيمة"! وأكاد أجزم أنه فعل ذلك ليس حرصًا على سلامة البلاد، بل لثقته بأنه سيكون أول ضحايا مثل هذه المغامرة!

لا شك في أن هذا الرجل هو أردأ من حكم مصر منذ أيام المماليك والعثمانيين. سنحت له ظروف إيجابية نادرة من الاستقرارالخارجي، وتقبل الشعب لرئاسته في سنواتها الأولى، ليسير بمصر على طريق الديموقراطية والتقدم الحقيقي، ولكن التصاقه المزمن بكرسي الحكم جعله لا يتفاعل إلا للحفاظ عليه، والمناورة لتوريث "العزبة" لابنه من بعده، بينما بقى عازفًا عن متابعة مصالح مصر، متخليًا عنها بلا اعتبار ولا رعاية. ثم كانت آخر آثامه عندما قام بتسليم البلاد إلى العسكر تأمينًا لشخصه بعد السقوط، رغمًا عن مخالفة ذلك للدستور القائم في البلاد عندئذ، والذى كان ينص على أن يخلفه القضاة وليس العسكر!

ثم العسكر.. وما أدراك مَن هم العسكر. خاصة الذين بليت بهم مصر منذ 1952. لا يخالفني الكثيرون في القول بفشلهم الذريع المتكرر في السياسة بل وفي الحروب أيضًا، أقول هذا وشعارات "هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر المجيدة" لا تبرح ذاكرتي. ولكن التقييم الموضوعي للأمر هو أن العبور كان عملاً عسكريًّا عبقريًّا فذا، ولكن ما تلى ذلك لم يكن بانتصار بأي مقاييس المنطق والحقيقة، وكفاية كدة!!

أما فِعلتهم الأخيرة بتسليم البلاد إلى "الإخوان المسلمين"، فهو عارٌ لا يقل عن عار هزيمة 1967، يدنو بهم إلى مشارف الإهمال والتخلي عن الواجب.

و"الإخوان المسلمون".. كلبٌ مسعور أمسك بعظام مصر، لا أمل قريب في انتزاعها من أنيابه إلا بكفاح أخشى أن سيكون مصحوبًا ومخضبًا بدماء شريفة بريئة غزيرة.. لا هدف لهم سوى البقاء في الحكم، وإقامة دولة خلافة لن تقوم حتى في أحلام البلهاء. ليس لهم مشروع آخر ناهيك عن هدف قومي يلتف حوله جميع المصريين؛ لأن مصر (المطززة) ليس لها في قائمة أحلامهم أدنى مكان أو عتبار.

فرَّقوا البلاد وقسَّموا العباد، ويبدو أن ذلك لا يثير لديهم أدنى شعور بالإثم بل على العكس، يدفعهم إلى التمادي بجنون في غِيِّهم. وبفرض أن لهم أنبل النوايا، فإلى الآن لم يُظهروا أية بادرة تبشر بتأصيل الديموقراطية، والبدء في العمل نحو التقدم، بل إنني أتوقع سعيهم الحثيث إلى السيطرة التامة على بقايا التعليم والقضاء والجيش والإعلام!

ماذا عن "جبهة الإنقاذ"؟ هي في حاجة لمن ينقذها من تشرذمها وسُباتها العميق (ولا دي غيبوبة الشيخوخه؟). ولكن، وإحقاقا للعدل يجب أن لا نصف "نشطائها" بالفلول. فلم يعد هناك فلول وفلول لمين؟ ثم أن الفلول "أرحم" على مصر والمصريين من المتأسلمين!

على أية حال، أيُّ جهدٍ يبذلونه في سبيل صالح مصر سيستقبله الجميع بالشكر والتأييد!

طيب.. يعني خلاص ما فيش أمل؟ بالطبع لا.. لنا ميدان التحرير، وشباب مصر المُعذب الذي أبهر العالم في يناير 2011، ذلك الشباب المتعطش إلى الحرية والتقدم والرخاء وإلى فرص العمل والسيطرة على مقدرات البلاد ووضعها في أيدٍ مخلصةٍ أمينة لا تتوخى سوى ما هو في صالحها.

مصر هي واسطة العقد. وطننا جميعًا الذى نحبه ونسعى إلى إعادته إلى مكانته اللائقة به في عالم اليوم.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع