بقلم: عادل نعمان | السبت ١٢ يناير ٢٠١٣ -
٤٨:
٠٧ ص +02:00 EET
دستورنا العظيم فى المادة «٢١٩» يجيز لولى الأمر أن يزوج طفلته دون التاسعة، مخالفاً بذلك الأعراف والقوانين الدولية، التى تعتبر هذا الزواج نوعاً من الرق.. ومخالفاً قواعد الصحة الإنجابية، خادشاً لحياء الطفولة وبراءتها.. وذلك تحت شعار «مصادر الشريعة المعتبرة فى مذهب أهل السنة والجماعة».
فشيخ الإسلام ابن تيمية، الذى يعتبره السلفيون من مصادرهم المعتبرة يقول: «إن المرأة لا ينبغى لأحد أن يزوجها إلا بإذنها كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أُكرهت لم تُجبر على النكاح إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها ولا إذن لها»، ويعلم الشيخ أن الأئمة اتفقوا على جواز زواج الصغيرة من حيث المبدأ، لكنهم اختلفوا حول استئذانها، فالبعض يرى تزويجها وهى صغيرة بإذنها، إلا إذا بلغت أجُبرت على الزواج.. والبعض يرى تزويجها وهى صغيرة بغير إذنها إلا إذا بلغت تُستأذن.
ونقول:
١- إن شيخ الإسلام عاش عازفاً عن الزواج، وكانت نشأته فى عصر المماليك عصر الانحطاط الفكرى لما فيه من عادات سيئة وجدل عقيم، وصل حد أن اختلف العلماء حول أحقية رؤية المرأة لله يوم القيامة من عدمه.. فهل كان لهذا تأثير فى تشدد الإمام وحمله على المرأة فى هذا الموضع وغيره.
٢- العلماء الذين أجازوا زواج الصغيرة باستئذانها عند البلوغ، أو الذين أجازوا زواجها دون إذن، كشيخنا الجليل - هذا زواج مخالف للمنطق فلا يجوز إجبار الأنثى صغيرة أو كبيرة على البيع أو الشراء أو تناول الطعام أو الشراب، فكيف نجبرها على المعاشرة الزوجية دون رضاها.. والرضا يعنى القبول والفهم واتخاذ القرار السليم، فكيف لطفلة دون التاسعة اتخاذ قرار بناء أسرة وتربية نشء إلا إذا دهست من العمر ما يفوق التاسعة بكثير - قال الرسول صلى الله عليه وسلم، «لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تُستأمر».
٤- ما الحكمة فى إصرار الرجل على مضاجعة طفلة مازالت كالفراخ الزغب ترتعد أطرافها وينخلع قلبها إذا رأت رجلاً عارياً يريد أن يستمتع بها.. ويقتله شبقه إلى اغتصاب طفولتها البريئة التى لا تعرف من هذا العالم سوى دمية صغيرة تلهو بها حين تهم للنوم فتدفن رأسها فى حضن أمها.. فإذا أراد الرجل أن يستعرض فحولته ورجولته فأمامه البالغات الفاتنات والعانسات ويترك الطفلة تنام هادئة فى حضن أمها.. «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير».
٥- المرأة فى نظر العربى الجاهلى لا تعدو أكثر من دابة، فمفردات العلاقة الجنسية بينهما على النحو التالى: اعتلاء.. ركوب.. امتطاء.. وطء.. دهس.. رسغ، وكلها مفردات التعامل مع البهائم.. وكان العربى لا يجد حرجاً أو خجلاً إذا عملت نساؤه وجواريه فى البغاء يتكسب من عرق أفخاذهن، ولذلك لم تنقطع الغزوات صباح مساء، فهى وسيلة الحصول على الأطفال لبيعهم فى سوق النخاسة والرجال للعمل كعبيد، والنساء للعمل فى البيوت وفى البغاء أو ملك اليمين، وقديماً قالوا «المرأة الحرة هى المرأة التى لم تؤسر بعد»،
هذا الموروث الثقافى ظل ملازماً للرجل العربى ردحاً من الزمان، يلقى بظلاله على عقيدته وتفسيراتها لمصلحة فكره الذكورى.. ثقافة التصحر هذه كانت تختلف عن ثقافة النيل التى وصلت فيها المرأة قديماً وحديثاً إلى حكم شعبها.. هذا العربى الجاهلى الذى وأد طفلته رضيعة وهى حية خشية إملاق أو أسر «أتراه قد نظر إلى عينيها وهى تستجديه وتستعطفه وتسترحمه حين كتم أنفاسها تحت التراب».. حتى يهتز له جفن أو تتحرك داخله كوامن الرحمة والشفقة حين سلمها لرجل يتزوجها فى التاسعة قبل وصولها إلى سن العار.
إذا كان قد قدر على الكفر حين واراها التراب حية.. فكيف لا يقدر على الذنب حين سلمها صغيرة وهى ودميتها لرجل يدهس الاثنتين معاً.
٦- شيخنا الجليل أفتى بعدم خروج المرأة من بيتها حتى للعبادة، وأن مهمتها فى الحياة هى إمتاع الرجل وإرضاء شهواته، وعاء لإشباع فحولته، ويقصرها الرجل فى بيته مقابل كسوتها وأكلها، ويقول شيخ الإسلام - النكاح والزواج فيه الجمع ملكاً وحكماً والجمع بالحس والحبس للزوجة «والحبس هنا معناه الحبس الجسدى والمعنوى»، ويقول أيضاً: الزوجة والمملوك «العبد» أمرهما واحد - بمعنى كل ما ينطبق على العبد ينطبق على المرأة.. «فما يضر الشاة تزويجها طفلة إذا كان الحبس وجوبياً حتى الذبح».
٧ - الإسلام الحنيف أبقى على كثير من مظاهر وعادات وأعراف وعقوبات كانت موجودة قبل الإسلام منها: حد قطع يد السارق، وحد الحرابة، اللذان كانا معمولاً بهما قبل الإسلام كعقوبات حددتها حكومة ملأ قريش، وأبقى على نظام العبودية والرق لضرورة اقتصادية، وبعض نصوص الزواج والطلاق والمواريث وأعراف البيع والشراء والرهن وغيرها.. لعلم الله الواسع أن حركة الحياة، وهى من صناعته وعلمه وتدبيره، سوف تتحرر وتتحرك إلى الأفضل بجهد وثورات إنسانية لترتقى بالإنسان إلى الأفضل، وتتخلص بذاته من ذاته بكل أنواع الضلال والظلم والغبن الإنسانى، وفقاً لتشريعات تتحرك تحت عين الله - سبحانه وتعالى - وهذه حكمة الله تعالى فى السعى للرزق، وفى السعى للارتقاء فتخلص العالم من الرق بثورات العبيد التحررية وارتقت العقوبات بالإنسان إلى عقوبات تعزيزية حتى يعود المُعاقب إلى فصيله الإنسانى مرة أخرى، وارتقت المعاملات والأعراف تبعاً لصعود الإنسان إلى عالم أكثر رحمة وإنسانية كلما ارتقى السلم الإنسانى نحو الرفعة والسمو..
وتبقى علاقات الإنسان بربه، كما نظمها الدين الحنيف وقواعده العامة ومبادئه وعباداته، ثابتة لا تتحرك يرتقى الإنسان صعوداً إلى الأفضل اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً متمسكاً بحبله المتين الذى يربطه بربه لا يحيد عنه.. فإذا كان الزواج بطفلة عادة قديمة ظلت بعد الإسلام للأسباب السابقة التى زالت، حيث آمنت من جوع ومن خوف واحتاجت لمزيد من العمر حتى يكتمل بناؤها الجسدى والعقلى والثقافى، وأن يصل بلوغها إلى درجة تستمتع بمباهج الحياة ومتعة الزواج، وأن تربى أولادها تربية صالحة، حتى يكون المؤمن القوى خيراً من المؤمن الضعيف، يجعل من اللازم احترام هذا التغيير بما فيه مصلحتها ومصلحة الأمة، وليس الوقوف عند زمن معين بذاته، رافضين ديناميكية الحياة وقوانين الطبيعة فى الارتقاء.
نقلاً عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع