الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
«اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي اقترعوا»
(إنجيل متّى 27 : 35)
موضوع التأمل: قتل الطبيعة
يبدأ النص بوصف مشهدٍ مرعب ودراماتيكي من آلام المسيح، حيث يعرّيه الجنود من ملابسه. هذا المشهد يعبّر عن الفقر والتجريد المطلق للمسيح من كل شيء، حتى من ملبسه، في لحظة من أقسى لحظات العذاب والتهكم. لكن هذا التعرية لا تتوقف عند المسيح فقط؛ فهي تمتد لتشمل كوكبنا في واقعنا المعاصر، الذي يعاني من جشع الإنسان واستغلاله المفرط للموارد الطبيعية.
البيئة التي هي هبة الله للبشرية باتت في خطر شديد، وهذا التدمير ليس مجرد أضرار بيئية سطحية، بل هو اعتداء على الخلق نفسه. كما يُعرى المسيح من ملابسه، كذلك تُنزع الثروات الطبيعية من الأرض. المياه، التربة، الغابات، وكل ما وهبه الله لنا لبقاء الإنسان وكافة الكائنات الحية، أصبح موضع نهب ودمار.
النص لا يقتصر على مجرد التحذير من التدمير البيئي، بل يقدم ذلك في إطار لاهوتي عميق: كوكبنا هو هبة الله، والإنسان ليس مالكًا مطلقًا لهذه الأرض، بل هو وكيل عليها. لذلك، عندما نلجأ إلى استنزاف الموارد الطبيعية ودمارها، فإننا نرتكب خطيئة ضد الله الذي منحنا هذه الأرض. إننا نخون الأمانة التي حملنا إياها ككائنات عاقلة مسؤولة.
ويأتي التذكير بمصانع السموم التي تُصَبّ في مياه النيل، وهو رمز للغش الذي يتسبب فيه الإنسان في بيئته. النيل، الذي كان مصدرًا للحياة والعطاء، أصبح الآن مهددًا بالتلوث والدمار. والمقارنة بين حالة الأرض وحالة المسيح تحت الصليب ليست عرضية، بل تعبير عن حالة العالم الذي يعاني من ظلم الإنسان واستغلاله للمصادر الطبيعية. الأرض تئن، فهي تشارك في معاناة الإنسان، كما شارك المسيح في معاناتنا، وتصرخ بسبب تدمير ما أُعطي لها.
من وجهة نظر لاهوتية، هناك دعوة للتوبة والتأمل في خطايا الإنسان تجاه الأرض. عندما قال المسيح في إنجيل متى: «موطئ قدميّ الله»، كان يشير إلى كرامة الأرض. هي ليست ملكًا للإنسان وحده، بل هي ملك لله، ويجب أن نعاملها بما يليق بهذا المعنى، لأن استغلالها ليس فقط ضد البيئة، بل هو ضد إرادة الله. التدمير البيئي هو فعل ضد الخلق وضد الله الذي أوجدنا في هذه الأرض لنعيش في تناغم مع جميع مخلوقاته.
الحديث عن "انتقام الأرض" هو ليس إلا تعبيرًا رمزيًا عن العواقب التي سينتجها الإنسان نتيجة لسوء تعامله مع البيئة. إن الفشل في حماية البيئة اليوم يؤدي إلى كوارث تهدد بقاء الإنسان نفسه. الأرض في النهاية ستكون محركًا للعدالة الإلهية، لأنها تصرخ ضد الظلم الذي يتعرض له الخلق. ما يفعله الإنسان بالبيئة هو فعل ينعكس عليه في النهاية.
الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel