ما يزال وزير الداخلية فى أى حكومة أكثر الوزراء جذبا للأنظار، هو الذى يتلقى اللوم والمطالب، وربما لو حاول أى مواطن تذكر أسماء خمس وزراء فى حكومة قنديل سيجد صعوبة، لكنه سوف يتذكر اسم وزير الداخلية أحمد جمال الدين، ونفس الأمر مع وزير الداخلية الجديد اللواء محمد إبراهيم، الذى لم يكن معروفا وخلال فترة قصيرة ظهر فى الشارع، هناك مرور ولجان وكمائن وجنود وأقسام ودوريات، الوزير موجود فى جولات بشوارع القاهرة والجيزة وهى علامات لوجود الداخلية، لكنها تبقى مجرد علامات لا يمكن اعتبارها نتائج.
كل وزراء الداخلية خلال عامين خرجوا وصرحوا وأعلنوا وتحدثوا وبعضهم نزل للشارع فى بداية توليه مثل محمد إبراهيم الوزير قبل الماضى وأيضا أحمد جمال الدين نزل فى دوريات، وسرعان ما عادت الأمور لطبيعتها، لأنهم فشلوا فى مواجهة البلطجة، وقطع الطرقات، والانفلات فى المرور والأمن. بقيت فكرة الأمن غائبة. وانطبق عليهم المثل «الغربال الجديد له شدة».
المجتمع يطالب الداخلية بمواجهة البلطجة والانفلات، ويحملها مسؤولية قطع الطرقات، وفى نفس الوقت يريدون أن يتم ذلك بلا انتهاكات لحقوق المواطنين، وهى معادلة صعبة، تحتاج لإعادة بناء عقيدة الشرطة، والدولة كلها.
الداخلية والأمن اختلفا بعد الثورة، فى الشكل والمعاملة، لكن هذا الاختلاف مزدوج، فالأمن أكثر حذرا فى التعامل مع المواطنين، لكنه أيضا يواجه تحديات الاحتجاجات الفئوية، والاحتجاجات والمطالب داخل الوزارة. كما تتعرض الداخلية للهجوم، أحيانا بالحق، وكثيرا بالباطل، مثلما جرى مع حازم أبوإسماعيل الذى هاجم الداخلية ووزيرها السابق أحمد جمال الدين عندما تصدوا لهجمات أنصاره على حزب الوفد وقسم الدقى، وصمتت الحكومة والرئاسة على مهاجمة الداخلية، بل وبدا استبعاد الوزير أحمد جمال الدين، نوعا من الاسترضاء للخارجين على القانون، وهو أمر أثار غضب الضباط ورجال الأمن وأصابهم بالإحباط، ولا ننسى أن ما يجرى مع القضاء، من إجراءات وحصار كلها تهدر هيبة الدولة.
الداخلية انكسرت فى يناير، بعد سنوات كانت رمزا للتسلط والتجبر، لأنها كانت طرفا فى كل الملفات، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ورمزا للنظام، وحملت خطاياه لأنها كانت عصا النظام. عادت الداخلية ولم ترجع هيبة الدولة.
الهيبة لا تعنى الخوف لكن تعنى احترام القانون، وهو أمر غائب حتى الآن فى المرور وفوضى النقل والتوك توك والميكروباص والاعتداء على الشوارع والأرصفة والمترو وأراضى الدولة. وعدم تنفيذ القانون على المخالفين، واستمرار البناء المخالف. وهى أمور تتعلق بالحكومة وتقاعسها. الداخلية تقول إن يدها مغلولة، ومتهمة قبل أن تعمل، وأنها تتحمل كل آثام السياسة، والحل فى فرض هيبة القانون على المخالفين بلا تفرقة، وهو أمر لا يعود فقط للداخلية، لكن للحكومة والنظام كله.
فالهيبة ليست فى كثرة رجال الأمن، لكن فى معرفة من يخالف أنه لن يفلت من القانون والعقاب، وأيضا لو كان له حق سوف يحصل عليه.. من هنا تبدأ هيبة الدولة، ومعها وزارة الداخلية.
نقلا عن اليوم السابع