الأقباط متحدون - مصر ومصرياتها...
أخر تحديث ٠٨:٢٧ | الثلاثاء ١٥ يناير ٢٠١٣ | ٧ طوبة ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٠٦ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

مصر ومصرياتها...

 بقلم منير بشاى

 
ماذا حدث لصاحبة أقدم وأعظم حضارة عرفها التاريخ؟ مصر التى كانت المقياس الذى يقاس به جمال وازدهار البلدان، فقيل مرة فى وصف احدى البلاد انها "كجنة الله كأرض مصر". مصر الطعام الوفير الذى كان يطعم كل جوعان، ومصر الأمن والأمان الذى كان يحتمى به كل مظلوم، ومصر الرخاء الذى كان يقصده كل باحث عن الثروة. مصر التى كانت أمريكا عصرها بل وتزيد.  البلد الذى يأتى اليه الناس فيجدوا الصدر الرحب ليقبلهم ويضمهم ويعطيهم الفرص والحقوق والحريات حتى قبل ان يتم اختراعها بواسطة منظمات حقوق الانسان الغربية.  مصر التى لجأ لها اليهود والعرب والشوام والاتراك والايطاليين واليونانيين والأرمن، فصهرتهم فى بوتقتها واصبحوا يجمعهم القاسم المشترك الأعلى أنهم مصريون.  ولكن فى يوم من الأيام خطر على من لم يفهم اصالة مصر ان يتخلص من كل هؤلاء، فغادروا بلدهم مصر الذى لم يكونوا يعرفون بلدا سواه، بينما الدموع تنهمر من عيونهم. 
 
 وماذا حدث لأحوال مصر المالية؟ مصر البلد الذى سمى المال يوما باسمها "مصارى"؟ وكانت العملة المصرية تحمل قيمتها من اسم البلد الذى أصدرها، مثل الدولار واليورو والاسترلينى مجتمعين.
 
 هناك عبارة تتردد كثيرا فى أحاديثنا هذه الأيام "فاكر أيام زمان؟" وهى -رغم صدقها، تزعجنى وتصيبنى بالاحباط.  فالعبارة تتحسر على الماضى المجيد وتنعى الحاضر المرير وتنظر الى المستقبل بكثير من التوجس والخوف. 
 
 فاكر أيام زمان حين كانت مصر منارة الحضارة والعلم والأدب والفن، والبلاد العربية كانت تتطلع لعون مصر المالى والمعنوى.  كانت مصر وقتها تتبرع للسعودية بكسوة الكعبة فيخرج المحمل بها من مدينة ملوى عبر الصحراء الشرقية فى موكب شعبى حافل حتى يصل للبحر الأحمر ثم ينتقل بالباخرة الى مكة.  فاكر المعلم المصرى الذى فتح لهم المدارس وأشرف عليها وعلم أبناء السعودية بل وكل دول الخليج تقريبا كمنحة من شعب مصر الكريم؟  الآن مصر تمد يدها لتستجدى المعونات من السعودية بل من دويلة صغيرة مثل قطر ومع المعونات تخضع لشروطهم وتمتثل لأوامرهم.
 
 فاكر الجنيه المصرى يوم ان كان فى عافيته؟ وكان يستبدل بجنيه انجليزى ذهب وتأخذ معه بعض "الفكة".  اليوم تدهورت قيمته لما يعطى لشحاذ بينما تصاعدت قيمة الجنيه الانجليزى الذهب الى 2422 جنيه مصرى.  وصدق أو لا تصدق أنه وقتها قدمت مصر سلفة لبريطانيا (العظمى).
 
 فاكر – وليس هذا بعيدا- يوم كان مرتب خريج الجامعة مجرد عشرين جنيها، ورغم اننا لم نكن راضيين عنه الا انه كان يكفى لدفع اجرة السكن والأكل والملبس والمواصلات واحيانا يفيض القليل للادخار.  كانت ايجار الشقة وقتها 5 جنيهات واليوم أصبح ايجار نقس الشقة 1500 جنيه!
 
 نستطيع ان نسترسل ونقارن بين أيام زمان وما آلت اليه الأمور فى مصر اليوم.  وعندئذ نستطيع ان نكذب آذاننا وان صدقناها قد نندهش وقد نصعق لما وصلت اليه معدلات الصرف بالمقارنة بمعدلات الدخل.  ثم نستغرب كيف يستطيع المواطن العادى ان يجد مجرد ما يسد به رمقه ويسكت به صرخات معدته الخاوية، ناهيك ان يكون لديه رفاهية اختيار ما يروق له او تشتهيه نفسه من الطعام. 
 
 تقول التقارير المتداولة ان نحو 40% (أو 25% حسب التقارير الرسمية غير الموثوق فيها) من الشعب المصرى يعيشون تحت خط الفقر أو على ما يقل دخل الفرد عن 173 جنيه فى الشهر أو 5.7 جنيه فى اليوم أى أقل من دولار واحد فى اليوم.  وواضح ان الأمور تزداد سوءا يوما بعد يوم فى ظل تدنى معدلات الاستثمار العالمى فى مصر وفى ظل ضرب السياحة وهو قطاع كان يعيش منه واحد من كل سبعة مصريين. وفى ظل انتشار البطالة المريع.
 
ومن هنا لم يكن هناك مفر من ان تعتمد مصر على السلف لتستطيع ان تدفع مرتبات العاملين وتفى بالتزاماتها المالية الأخرى.  ولكن البنوك العالمية ترفض تمويل مصر بسلف جديدة لعدم ثقتها فى مقدرتها على السداد.  وهنا لجأت الحكومة الى حيلة "الصكوك الاسلامية" وهو اسم يرضى المزاج الدينى المنتشر فى مصر فى هذه الأيام.  ولكن المشروع تواجهه أسئلة كثيرة مثل: ما هى ضمانات مصر لهذه السلف؟ وهل سترهن مصر مواقع استراتيجية هامة يمكن ان تفقدها للمستثمرين الذين قد يكونوا من الأجانب أفرادا أو دولا؟ أما المواطن العادى الذى يعتمد على هذه الادخارات فى حياته اليومية فلا أحد يلومه ان لجأ الى الحذر الشديد للحفاظ على تحويشة العمر لئلا  يتكرر ما حدث مع شركات توظيف الأموال (الاسلامية) فالفكرة متشابهة وأرجو ان لا تكون أيضا النتائج.
 
 مصر تدخل منعطفا خطيرا بالنسبة لحالتها المالية.  والسلف ليس هو الحل الا اذا كان لانشاء مشروعات انتاجية سوف تدر بدخل يحقق الربح الكافى لتسديد السلف مع الفوائد.  أما السلف لغرض الاستهلاك فهو تأجيل وتضخيم للمشكلة وهو توصيفة أكيدة تصل بمصر الى الافلاس- لا قدر الله.
 
مصر تحتاج الى اقتصاديين أكفاء للبدء بتحديد المشروعات الانتاجية المناسبة للمواد الخام المتوفرة فى مصر والتى تتمشى مع خبرات العامل المصرى ويكون لها طلب فى الأسواق العالمية.  وفى مجال محاولة تحسين الاقتصاد المصرى لا أرى كيف نهمّل قطاع السياحة الذى هو جاهز من كل وجه لجنى ثماره دون تكاليف سوى قليل من الدعاية ليتدفق على مصر السائح الأجنبى حاملا معه "الخير لمصر"، مع الاعتذار لشعار الأخوان الذى لم نر له – حتى الآن- نتائج، سوى مجرد الكلام.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter