بقلم أميرة عبدالرحمن | الأحد ٢٧ يناير ٢٠١٣ -
٢٣:
٠٧ ص +02:00 EET
«الثورة» فى تعريفها الكلاسيكى هى الخروج على نظام فقد «شرعيته» الشعبية، حتى وإن كان يتمتع نظرياً بـ«المشروعية» القانونية أو الدستورية. عليه تأخرت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ضد الحزب الوطنى المنحل، بعدما فقد شرعيته قرابة ٣٠ عاماً انفرد خلالها بالحكم عبر استفتاءات وانتخابات مزيفة. أما «التظاهر» كمصطلح سياسى فهو حق مشروع للتعبير عن الاحتجاج ضد ممارسات النظام، حتى وإن لم يتجاوز بعد ٧ أشهر من مدة رئاسته الأولى. عليه فإن الفرق شاسع بين أن يتحدث المحتجون عن النزول فى الذكرى الثانية للثورة للتعبير عن مطالبهم، وبين اندفاعهم وراء مطالب بنزع الشرعية قسراً عن رئيس منتخب.
الثورة بطبيعتها تأتى فجأة، هى انتفاضة أو انفجار لكبت شعبى، الدساتير لا ترد على ذكرها، أما المظاهرات فحق تقره جميع القوانين والأعراف الدولية، لذلك يتطلب تنظيمها استصدار تصاريح حكومية بمواعيد وأماكن الاحتجاج، حتى تكون قوات الأمن التابعة للدولة مكلفة وملتزمة بحماية المتظاهرين – من الطرف الثالث - بكردون أمنى يكفل لهم حق التعبير، ورفع الشعارات المناهضة، بل الاعتصام السلمى فى المكان لحين تحقيق مطالبهم.
أليست هذه هى الصورة الطبيعية فى دولة الحقوق والواجبات التى ثرنا من أجلها؟! للإجابة عن هذا السؤال، كان ينبغى أولا على من خرجوا ظهر الجمعة الماضى أن يحددوا هدفاً واضحاً لنزولهم الميدان، ثورة أم مظاهرة.
بعضهم يجزم: «ثورة» ثانية. هؤلاء إذن لم يكونوا بحاجة لاستصدار تصاريح من حكومة اعتبروا أن شرعيتها مفقودة. البعض الآخر أكد: مجرد «مظاهرة». هؤلاء كان يتحتم عليهم سلك الطرق الطبيعية المعروفة حتى تكون الحكومة ممثلة فى وزارة الداخلية - وحدها - المسؤولة سياسياً وجنائياً عن حماية أرواحهم وتأمين الممتلكات والمنشآت حال اندلاع أعمال عنف ممن دأبنا على تسميتهم «طرف ثالث». بالنظر لأحداث «محمد محمود» و«مجلس الوزراء»، فإن الغباء بعينه، حسب تعريف «أينشتاين» هو أن نقوم بالعمل نفسه بالطريقة نفسها، ثم نتوقع نتائج مختلفة.
ما حدث ويحدث فى مصر لا يمكن أن أسميه إلا فوضى. الثوار فقدوا البوصلة، ضلوا طريقهم فى مطاردات الشوارع الخلفية لميدان التحرير، على وقع مشاجرات الباعة الجائلين وملاحقة المتحرشين. جماعة الإخوان الحاكمة، بسياساتها المختلة وهوسها بالاستئثار بكامل مفاصل البلاد، أفقدت الدولة هيبتها وقدرتها على بسط الأمن.
من مظاهر خلل دولة مرسى عدم إدراكه حالة الغليان التى تموج فى الشارع السياسى المعارض، وبقطاع كبير من المواطنين ممن يطحنهم الغلاء يوما بعد يوم. من مظاهر خلل دولة مرسى تكراره أخطاء سلفه وتجاهله احتجاجات دموية جرح فيها من جرح، وقتل من قتل دون خروج مسؤول واحد لحقن تلك الدماء. آفة دولة مرسى تتلخص فى اختزال مصالح مصر فى هضبة «المقطم».
كلما زاد المشهد تعقيداً، آثرت التأمل. أنظر للثوار وأستدعى عبارة مأثورة للشيخ الشعراوى تحدث فيها، قبل أكثر من عقدين، عن «الثائر الحق»، وكأنه يتحدث عن مصر ما بعد الثورة. قال بلكنته الريفية المميزة من وحى تفسيره لسورة «هود»: «آفة الثائر من البشر أن الثائر يظل ثائراً.. عايز كل يوم يعمل دوشه.. إنما الثائر الحق هو الذى يهدم الفساد، ثم يهدأ ليبنى الأمجاد»، رحمه الله وحمى مصر!
نقلاً عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع