الأقباط متحدون - نفتقدك .. مجدي مهنا
أخر تحديث ٠١:٣٤ | الأحد ٢٧ يناير ٢٠١٣ | ١٩ طوبة ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠١٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

نفتقدك .. مجدي مهنا


بقلم: مدحت بشاي

 
رحل عنا في مثل تلك الأيام الكاتب الصحفي الوطني والإعلامي النبيل مجدي مهنا .. لم تكن لي بالراحل علاقة مباشرة ، ولكنني أتذكر تبنيه وجهة نظر لكاتب ، وكان لي وجهة نظر أخرى ، وكانت المفاجأة أن يخصص عموده كاملاً لعرض رسالتي ، وتكرر الأمر 4 مرات وهو يعلم أن قارئ المصري اليوم كان في تلك الفترة ينتظر مقالاته بكل شغف ، والجريدة تعتمد في تسويقها على عمود " في الممنوع " .. 
 
لم يخن مجدي قارئه ، وأحب مهنته بقدر حبه لوطنه ودافع عن قضايا الغلابة دون متاجرة بألامهم ، ولم يلجأ يوماً للتجريح أو الإهانة  عند تناول رموز السلطان وحاشيته ليكسب تهليل مزيف .. دائماً يذهب لعمق القضية بتحليل مخلص ومتفرد ، ولأنه الطيب النقي فقد كان يحترمه حتى أغبياء زمن مبارك وحراس قصره ..
 
ولا أجد في هذا المقام أفضل من عرض نماذج من مقالاته ، والتي أراها تناسب وتشخص أحوالنا الآن مع تغيير الأسماء وحالة وشكل الاستبداد ..
يقول مهنا :
أينما ذهب المهندس أحمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطنى، أكبر منتج لصناعة الحديد فى مصر، تطارده الاتهامات.. وأينما ذهب هو مشغول بالدفاع عن نفسه من هذه الاتهامات.وحسب قول المهندس عز نفسه، فى ندوة عقدت بـ«الأهرام»، بأن الاتهامات جعلت منه المسؤول عن كل مشاكل مصر، ابتداء من ارتفاع أسعار الحديد، حتى نسبة العنوسة.
 
ومشكلة أحمد عز الحقيقية هى أن الناس لا تصدقه مهما تحدث، ومهما استخدم من حجج ومبررات وأسانيد.
وهناك فرق بين أن يعتقد الناس فى صحة كلامه من عدمه، وبين قدرته على التخاطب والتواصل مع الناس.
 
المهندس أحمد عز يرى فى نفسه أنه لا يحظى بالقبول، ولا يجيد مخاطبة الناس، وهى نقطة ضعف عنده، لكنها ليست هى الأساس فى عدم تصديق الناس له.. فالصدق له مواصفات أخرى غير القبول.. فقد أكون مقبولاً لدى الناس، لكننى غير صادق فى مخاطبتهم.
وفي مقال اخر ايضا نشر عام 2007
هذه رسالة خاصة أتوجه بها إلى قارئى الكريم.. وهى تختلف عن كل الرسائل اليومية التى أكتبها له.. ليس فى موضوعها.. وإنما فى درجة الإحساس الذى أكتب به.فلم أشعر بالإهانة والخوف على بلادى.. كما أشعر عليها اليوم، وأنا فى الغربة، ويتملكنى إحساس بأن مصر اليوم بلا حكومة .. وبلا دولة .. وبلا نظام .
 
والسبب فى هذا الشعور الذى يتملكنى ويكاد يعتصرنى هو الأحداث التى تمر بها بلادى هذه الأيام من فوضى الشائعات التى لا أول لها من آخر، والتى تكشف عن ضعف الإحساس بالمسؤولية لدى رجال نظام الحكم ومؤسساته، واستهتارهم بأمن الوطن والمواطن
 
لقد ملأت الشائعات البلاد طولاً وعرضاً فى الأيام العشرة الماضية عن صحة الرئيس مبارك، قبل زيارته القرية الذكية يوم الخميس قبل الماضى.. ولم تتوقف الشائعات حتى بعد زيارة الرئيس لها، فالرأى العام يريد أن يرى الرئيس مبارك أمامه على شاشة التليفزيون على مدى الـ٢٤ ساعة فى اليوم، لكى يصدق أن الرئيس بصحة جيدة ويريد أن يتحدث الرئيس معه، حتى يطمئن إلى أن الصوت الذى يصاحب الصورة هو صوت الرئيس.
إلى هذه الدرجة بلغت درجة انعدام الثقة فيما تقوله الحكومة، وما تقوله السلطة ورجالها حول صحة الرئيس، أو حول ملف التوريث، أو حول إنجازات الحكومة أو حول أى شىء يجرى فى مصر.
 
من قبل كانت الشائعات تنطلق، ثم تموت بمجرد ظهور الرئيس مبارك، أو نشر خبر صغير عن قيام سيادته بافتتاح بعض المشروعات هنا أو هناك.
فى هذه الأيام تنتشر الشائعات والدولة بكل أجهزتها ورجالها عاجزة عن وقف شلال الشائعات.
الشائعات أقوى من تصريحات المسؤولين التى تحاول طمأنة الرأى العام دون جدوى، وأقوى من ظهور الرئيس مبارك بنفسه على شاشة التليفزيون، ومن إعلان اجتماعه برئيس الوزراء فى القرية الذكية.
 
الشائعات أقوى من الدولة، والدولة بلغت درجة من الضعف لم نعرفه من قبل.لا أتحدث عن الضعف فى مواجهة الخصوم السياسيين، فهى فى ذلك قوية وباطشة ومستعدة لاعتقال عشرات الآلاف خلال أيام قليلة، فى سبيل أن يبقى النظام.
 
لكن الدولة ضعيفة ومهزوزة وغير قادرة على مواجهة الشائعات، لأن الناس فقدوا الثقة تماماً فى نظام الحكم، ومستعدون لتصديق أى شىء يقال لهم، لأن نظام الحكم لم يعمل حساباً للشعب فى أى وقت، والنظام عندما يتحدث اليوم عن الشعب ويتحدث باسمه، فالشعب لا يصدقه.
ما أتخوف منه هو المستقبل الغامض لبلادى، الذى أظهرت الشائعات أنه فى مهب الريح، ويفتح أبواب المجهول.
 
أعرف أن الشعب المصرى العظيم سوف يتجاوز كل ذلك، وسوف «يبلع» ـ كما هى عادته ـ هذه الفوضى فى جوفه، فالنظام سوف يختفى والشعب هو الذى سيبقى، وقلقى نابع من أن الشعب هو الذى يدفع الثمن دائماً.. وكل ذلك بسبب أن الرئيس مبارك لا يريد - وهو قادر - أن يرسم صورة واضحة لمستقبل الحكم فى مصر.
 
نجح نظام الحكم الحالى فى تحطيم إرادة المصريين وفى جعل الشعب يفقد الثقة تماماً فيما يقوله رجاله.. وهذا هو السبب فى فشل نظام الحكم فى السيطرة على تلك الشائعات وعجزه عن التصدى لها وإيقافها، فالناس وصلت بها درجة انعدام الثقة إلى أنها تتشكك فيما إذا كان الذى يظهر فى الصورة أمامهم هو الرئيس مبارك أم لا، وهل هذه الصورة حديثة وحية أم قديمة!   وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد، فليس أمام نظام الحكم سوى انتظار لحظة النهاية، وهى اقتربت، بينما الشعب باق.. باق.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter