الأقباط متحدون - الخروج من بردة البدائي لمسئولية المعاصرة
أخر تحديث ٠٤:٠٣ | الجمعة ١ فبراير ٢٠١٣ | ٢٤ طوبة ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٢٣ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الخروج من بردة البدائي لمسئولية المعاصرة

بقلم: محمد حسين يونس 

حتى لا تصبح المفاهيم وأنماط السلوك التي تقبلها البشر منذ ثلاثة أو أربعة آلاف سنة - وزاولها البدائي- هي التي تشكل ركائز أرتام حياة المعاصر ،تطبع سلوكه واتجاهاته الفكرية وتجعل منه متعصبا عدوانيا يفرض رؤيته علي الآخر مع عدم استبعاد استخدام القوة،أصبحت دراسة الأديان المقارنة وحل رموز الحفريات السلوكية ،الطقسية والأفكار(المحورية)التي تقوم عليها العقائد المختلفة تمثل الهم الأساسي (منذ بدايات القرن التاسع عشر ) لعديد من الدارسين،العلماء ومراكز البحوث الاجتماعية والسياسية المتخصصة في الانثروبولجي،اللاهوت،الفلسفة ،الاجتماع والدوافع النفسية للإنسان. 
 
 هذه الدراسات الحديثة تدلنا علي أن تعرُّف البشر- بصورة غامضة يحوطها التذبذب بين الإنكار واليقين- علي بعض المفاهيم المنطقية الأولية (المفسرة لأسباب الظواهر المحيطة) يعتبر نقطة التحول التي أدت منذ عشرة آلاف سنة إلي إخراجه من مباشرة غرائز حيوانات الغابة والسلوك الذي لا يعرف إلا التحقق الفوري للاحتياجات إلي رحابة التجريد، اللغة، الفكر ،الفلسفة  وتهذيب الوحش الذي بداخله أو انسنته (بالمنطق الحديث ) ومشاركة الجماعة (القطيع )لانشطة منظمة دعمت فيما بعد  تطور أساليب العمل واستخدام الآلة وتراكم الخبرات المتوارثة.  
 
خطاب الإنسان في زمن البداية(كما نعرفه بدقة اليوم ) استند إلي تراث طويل من طلسمات السحر والرمز وتقبل حدوث المعجزات والخوارق التي روج لها من تركزت لديهم الخبرات من الأجداد لحل مشاكل القطيع البشرى واستمرت ارتامها مع كهان القبائل والقرى يتداولونها- حتى يومنا هذا- بالشرح والتأويل والتأثير بواسطتها علي معاصريهم من محدودي العلم والمعرفة . 
 
إن الجهل بأسباب الظواهر التي يشهدها البشر يوميا- من تعاقب الليل والنهار،النوم والاستيقاظ ، الفناء وإعادة الإنتاج ، فيضان الأنهار ثم انخفاضها في زمن معلوم- ،حولها إلي أسئلة لا تجد الإجابات إلا من خلال قصص وأساطير الكهان والعارفين بالسر وما يخفي من سلوكيات الآلهة والأرباب وإرادتهم التي أوكلت (لمن تصطفيهم) تحقيقها حتى لو كانت ذبح جميلة جميلات القرية من اجل أرضاء الإله الشرير القائم علي أذاهم وترويعهم والفتك بهم (بالإمراض ، الكوارث الطبيعية ،الصراعات العشوائية ،العدوان الخارجي ) أو عرفانا بالجميل للإله الطيب الراعي لمصالحهم والمتسبب في وجودهم ورزقهم وسعادتهم ،لقد تحول السحر وغموض طقوسه إلي  محور حياة الإنسان البدائي فمنه وصف السحرة العلاج من الأمراض و به قام الجدود بتعليل ظواهر التجدد بعد الفناء( في الزراعة وتربية الحيوانات والبشر) وبواسطته قام الكهان بأعمال  التأثير علي الأعداء والقصاص من البغاة بحيث حمل خطاب جميع الأديان ال22 المعروفة علي كوكب الأرض اليوم( بدون استثناء) مجموعات من  القصص ،الأساطير ، التعليمات ، الطقوس السحرية المخالفة للمنطق المعاصر -حتى لدى ابسط البسطاء- الذي يمكنه اكتشافها بسهولة- ولكن- في معتقدات الآخر إما إذا مست عقيدته فسيجد الأسباب لتبريرها وتفسيرها وشرحها. 
 
 الإنسان المؤمن يعتقد في قراره نفسه –يقينا- أن دينه هو الحق وهو الوحيد الصادق القادم من عند رب الأذل وان باقي الأديان زائفة ،باطلة ولديه ألف سبب منطقي لنقدها وتعرية نقاط ضعفها وهو في نفس اللحظة يؤكد علي قوة معتقداته ويبرهن بأنها الدين الصحيح القادم من عند الرب فاطر نفسه المهيمن علي الحياة الذي انعم به علي أمته فجعلها الارقي وجعل من شعبها الأكثر إيمانًا وتقوى وصلاحا .
 
لقد تطور البشر و عرفوا الأسباب الفعلية التي تؤدى إلي سقوط الأمطار بل يمكنهم التنبوء بمكانها وكمياتها وتوقيتها بدقة مذهلة،كما حدث مع الأعاصير التي ضربت أمريكا أو اليابان .. ومع ذلك لازال هناك من يؤدى نفس طقوس جلب المطر التي كان يقوم بها السحرة البدائيين بل لقد شاهدت في أفلام ناشيونال جيوجرافيك بعض القبائل في شرق أسيا التي تؤديها خلف ساحر القبيلة بنفس الأسلوب الذي كان متبعا منذ عشرة آلاف سنة . 
 
لقد عرف الإنسان أسباب النوم والاستيقاظ والأحلام .. ومع ذلك لازلنا نفسر الأحلام علي أساس إنها أرواح الأجداد تزورنا وتقدم لنا البشرى أو التحذير (خير اللهم اجعله خير ) رغم مرور قرن كامل علي تفسيرات سيجموند فرويد لمعني الحلم ووظيفته . 
 
لقد أيقن - حتى محدودي التعليم - أن الأرض تدور حول محورها محدثة ظاهرة الليل والنهار ويمكن التنبوء بلحظة الشروق ولحظة الغياب بالاطلاع علي أي روزنامة توقيتات ولكن ما زلنا نتصور كما تصور كهنة الفراعنة أن الشمس تتحرك ليلا في(التوات) وتولد كل صباح  جديدة فتية فنستقبلها بالدعاء والطقوس المرحبة ونودعها بطقوس مشابهه حزينة .
 
 لا أريد أن استرسل لأكثر من هذا فدراسات الانثروبولوجي اليوم أصبحت متوفرة بعد حل شفرات اللغات القديمة المسمارية والهيروغليفية .. ولكن ما يهمني أن ألفت إليه النظر هو عودة البعض إلي سلوك- مفاهيم البدائيين العدواني علي عقيدة الأخر والتنابذ بالألفاظ  والسباب- كالذي زاوله اثنين من المعلقين علي مقالي الأسبوع الماضي والذي وصل فيها خطابهما إلي مستوي رخيص من الهبوط بسبب تعصب كليهما الأعمى الذي قادهما بعيدا عن سلوك الشخص المعاصر المهذب الذي يراعي مشاعر الآخر ويحترمها  .
 
إن مسئولية أن نعيش في القرن الحادي والعشرين تحتم علينا- بغض النظر عن انتماءاتنا العقائدية- أن نعيد ترتيب أولوياتنا وأفكارنا وتنقيتها من رواسب ورثناها عن الجد البدائي حين كان يجهل ما نعرفه اليوم.
 
 الدين أو العقيدة مسألة شخصية من حق كل إنسان مزاولتها بحرية وهي في النهاية لن تتعدل بالقوة والسخرية أو الإرهاب وإنما بالمنطق الحديث (إذا كان هناك سببا لتعديلها)  فلنخرج من بردة الجد ونعيش حياة الأحفاد من أبناء زمننا بدلا من جرح المشاعر والأحاسيس بقول لا يضر مؤمن ولن ينفع إلا في إيغال النفوس وخلق عداوات لا مبرر لها.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter