الأقباط متحدون - فتاة النيل تمشي في جنازة طهرها
أخر تحديث ٢٠:٤٢ | السبت ٩ فبراير ٢٠١٣ | ٢ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٣١ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

فتاة النيل تمشي في جنازة طهرها


كتب : دكتور جمال سلسع

وبكت فتاةُ النيلِ مذبوحاً هديلُ عفافها
فبكى الصباحُ دماً
على وجعِ الهديلْ
تركتْ لبحةِ صوتها
قلقَ السماءِ
فنادتِ الميدانَ
ما طلَّ الصهيلْ
فأصيحُ دمعا راكضاً في دمعهِ:
فخذي جراحي ثوبَ آهٍ
دثِّري الطهرَ الذليلْ!
مصلوبةٌ فوقَ الرياحِ
وحلمُها قد مرَّ فوقَ غيابِها
لا شيءَ في كفَّيها يمسحُ دمعةً
فالوقتُ في العينينِ
أتعبهُ التوَّسلُ والغليلْ
وأتتْ فتاةُ النيل ملءُ بكائها ريحٌ
يا ويحها.....!
فهيَ العفافُ على حراسةِ عفها
من ساقها لجنازةٍ
تبكي على طهرٍ قتيلْ؟
سقطتْ تواريخُ التباهي في مذلةِ طهرها
شهقتْ مياهُ النيلِ مأساةً
فطارَ الشوقُ عن تاريخها
وتذلَّلتْ في علوها
وتكسَّرتْ ما بين آهات الشجرْ
والوقتُ يمضي في فراغٍ
لا يلامسُ دمعةً في الريحِ
والمأوى جريحٌ
أينَ يا ربي ستأوي دمعتي
والصمت يلبسهُ البشرْ؟
لا شيءَ في دمعِ السماءِ
سوى دخانِ الوقتِ
يحصدُ آهةَ العرضِ الذبيحِ
فأينَ ...أينَ سينتهي وجعي
ولونُ الأرضِ صبحٌ يُحتضَرْ؟
ما زالَ في نظراتها رغباتُ دمعٍ تستغيثُ بظلها
والظِّلُ في عطشِ الحنينِ
هروبُ روحٍ من مواجعِ ذبحِها
من يستظِّلُ بظلها
عطشُ النداءِ رجاؤها
ما زالَ ينتظرُ الشررْ؟
ودمٌ على شهواتِ ذئبٍ
وسَّعَ الأوجاع فوقَ مساحةِ الأحزانِ
فاشتدتْ بذبحِ عفافها كلُ الخطايا....
طالَ في الذبحِ السفرْ
وضعوا الضبابَ على نوافذِ قلبها
والبوحُ خيَّطَ صوتهُ في صوتِها
في الليلِ عاريةٌ
سراجُ ضيائها قلقٌ على قلقِ النوافذِ
من سيسمعُ صوتَها...؟
والوحشُ ينقشُ في مخالبهِ
وليمةَ جرمهِ
منسيةٌ ثكلى
على الطرقاتِ ينهشُها الغجرْ!
صرختْ وريحُ الدمعِ دقَ البابَ تلوَ البابِ
ما فتحتْ رؤى بضبابها
فذوتْ بريحِ الدمعِ أصواتُ القدرْ
يا درةً ذهبتْ لتربحَ صبحها
فتحلَّقتْ كلُ الوحوشِ تذيقُها طعمَ الدجى
فتراكضتْ في صمتها
والصمتُ أمطرَ وهمهُ اكليلَ شوقٍ
فوقَ دمعاتِ الدُررْ
النيلُ يذرفُ دمعهُ
والنايُ يشربُ حزنَهُ
ما ظلَ صوتٌ في حنايا الصمتِ
ما سمعَ استغاثةَ لحظةٍ
أغصانُها ما أورقتْ نخواتِ معتصمٍ
فلاحَ على دموعِ الصوتِ
أوجاعُ السهرْ
في حضرةِ النيلِ الجريحِ
أتيتُ أشكو غمامةً
ما ضاءَ فيها الحبُ...كيفَ؟
فهلْ تسلَّقَ برقُها صمتٌ
فينساها نداءُ كآبتي؟
وعلى مياهِ النيلِ
رعدُ الوقتِ ينتظرُ المطرْ!
ذَبحُ الهديلِ عويلُهُ
ما ردَّ في أذني صدى
ويحي...
وقد أبكى هديلُ الذبحِ ألوانَ الحجر
وبكتْ فتاةُ النيلِ تحملُ نعشها
من يغسلُ الوردَ الذبيح بشمسها؟
فندى الدماءِ ملاكُ صبحٍ
وحدهُ قد عبءَ البشرى على روحِ البكاءِ
وما انتهى من روحها ذل الصورْ
أرضُ الكنانةِ أنتِ مهدُ الشمسِ
فيكِ الأبجديةُ تكتبُ التاريخَ اشراقاً
فما للأبجديةِ دمعها ليلٌ
ودهشةُ أحرفي سقطتْ على حزنِ القمرْ؟
فهيَ السماءُ دموعها مذبوحةٌ
سقطتْ على جرِّ الفتاةِ كسخلةٍ تمشي
ضفائر حزنها تبكي جنازةَ طهرها
وعلى عواءُ الذئبِ أشلاءٌ
سراجُ ضيائها ينعى الطُهرّْ

الدكتور جمال سلسع هو طبيب شاعر وناقد فلسطيني، خريج كلية طب جامعة عين شمس عام 1969


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع