الأقباط متحدون - وفاة الدكتور رشدى سعيد
أخر تحديث ٠٥:٠٥ | الثلاثاء ١٢ فبراير ٢٠١٣ | ٥ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٣٥ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

وفاة الدكتور رشدى سعيد

كتب :نسيم مجلى 

 توفى العالم الكبير الدكتور رشدى سعيد يوم الخميس 7فبراير 2013  عن عمر يناهز الثالثة والتسعين .  والدكتور رشدى سعيد عالم مرموق احتل مكانة رفيعة بين أنداده من علماء الجيولوجيا فى أوربا وأمريكا أستاذا جامعيا وخبيرا ومستشارا لكبرى المؤسسات الدولية علاوة على ذلك فهو مفكر عميق الثقافة ، ثاقب النظرة مهموما بهموم مصر حاضرها ومستقبلها0 ومن أجل هذه الغاية كرس حياته وعلمه للعمل فى مجال التعليم والبحث العلمى والكتابة على مدى عشرات السنين أملاً فى حدوث تنمية حقيقية ، وتقدما اجتماعيا وسياسيا فى مصر. لكن فساد الحكم فى مصر وفى عصر السادات بصفة خاصة دمر أسس التنمية وفتح المجال واسعاً للانتهازيين والنهابين وقضى على كثير من الآمال والطموحات .
 
        وقد سجل رشدى سعيد سيرة حياته وكفاحه فى كتاب بعنوان" رحلة عمر ... ثروات مصر بين عبدالناصر والسادات.."  يحتوى على مقدمة وستة فصول هى: الجذور، سنوات التكوين ، بين الجامعة ومؤسسة التعدين، ذكريات سياسية، سنوات الأمل والاحباط ،ثم سنوات الغربة0
        ولد رشدى سعيد سنة 1920، وتفتحت عيناه على النهضة الكبرى التى أحدثتها ثورة سنة 1919 التى قادها الزعيم الفذ سعد زغلول0وكان من أهم مآثر هذه الثورة العظيمة أنها أعادت للمصريين الثقة بالنفس والاعتزاز بهويتهم القومية  بعد أن كاد الاستعمار العثمانى البغيض الذى جثم على الصدور أكثر من أربعة قرون  أن يطمسها ويئد ظهورها حتى لو استدعاه الأمر الى الاستعانة بالانجليز لاحتلال بلادنا 0 
         كان عقد العشرينيات عقد نهضة شاملة ففيه تأصل الفكر السياسى الليبرالى الذى عبرت عنه النخبة المصرية فى دستور 1923و تضمن كثيرا من المبادىء المتقدمة التى أقرت حقوق الانسان وساوت بين المواطنين أمام القانون بغض النظر عن أصولهم أو دياناتهم، وكفلت لهم حرية العقيدة والتعبير،وضمنت لهم المشاركة فى الحكم وأقرت مبدأ الانتخاب و مبدأ أن الأمة هى مصدر السلطات0
       وفى هذا العقد، تسارع احلال التعليم المدنى الحديث محل الكتاتيب  العتيقةالتى كانت تعتمد على الحفظ والتلقين0وتم تطوير التعليم العالى وأصبحت لمصر جامعة حديثة أضيفت الى مدارسها العليا  القائمة والتى كانت تخرج المهندسين والزراعيين والأطباء، ككليتى العلوم والآداب  اللتين افتتحتا سنة 1925. 
 
     ولحقت هذه النهضة الشاملة عائلته بطريق مباشرعندما قررت أول حكومة وطنية تشكلت بارادة الشعب وعن طريق الانتخابات الحرة المباشرة  فى سنة  1951 إيفاد بعثة من فتيات مصر لتحصيل العلوم والفنون الحديثة لكى ينقلنها الى وطنهن عند عودتهن0وكانت شقيقته الكبرى إنعام واحدة ممن وقع عليهن الاختيار للسفرالى انجلترا، حيث التحقت بأحد معاهد الفن التشكيلى لتعلم فن الرسم0 
 
     " كانت شقيقتى إنعام فى سن السادسة عشرة من عمرهاعندما ذهبت فى هذه البعثة التى وافق عليها والداها دون تردد، مما يعكس مدى التقبل االذى كانت تحظى به حركة تحريرالمرأة التى نشطت فى أعقاب ثورة سنة 1919، بل ومدى الثقة بين الحكومة والناس0فلم يخامر الأباءأى شك فى أن الحكومة ستقوم بواجب رعايةبناتهم فى الغربة على أحسن ماتكون الرعاية0 ولا بد أن أذكر القارىء هنا أن مثل هذه الموافقة ماكان يمكن الحصول عليها فى أوربا وأمريكا: فقد سبقت مصر هذه البلاد فى إيفاد بناتها فى هذه السن المبكرة للدراسة فى الخارج0 "
بشيرة التحضر والتنويرالعائلى :
     يحكى رشدى سعيد أن عودة إنعام بعد سبعة سنين كاملة فى الغربة، قد أحدثت تغييرا هائلا فى نظام حياتهم0 فقد قامت بتنظيم غرف البيت وأضافت عليها لمسة جمالية واضحة وملأتها بالرسوم واللوحات التى كانت قد رسمتها بنفسها أو اقتنتها0 كما قامت بتغيير الطريقة التى يتناولون بها طعامهم فجعلت له ساعات محددة كذلك علمتهم طريقة ترتيب المائدة واستعمال الشوكة والسكينةثم حددت للصغار ميعادا مبكرا للنوم  وجعلت للكبار ميعادا للقاء الأصدقاء فى فترة مابعد الظهر، والذى كان بمثابة صالون أدبى خصوصا وأن أكثر الزوار كانوا من زميلات إنعام فى البعثة0
     وبعد سنة من عودة إنعام الى مصر ، ألحقت شقيقيها رشدى وكمال بقسم الصبيان بجمعية الشبان المسيحية بالقاهرة ، تحت رعاية المربى الكبير االأستاذ يعقوب فام الذى كان قد عاد لتوه من بعثة بجامعة ييل بالولايات المتحدة بعد حصوله على الماجستير فى التربية0 وكان يعقوب فام مربيا ممتازا وصاحب نظريات رائدة فى علمه0 ضمنها فى كتبه وطبقها فى قسم الصبيان الذى كلف برعايته فأضاف الى النشاط الرياضى الذى كان الغرض الأساسى من مثل هذه الأندية بعدا تربويا جديدا، حيث كان الصبيان بين العاشرة والسادسة عشرة من العمرينتظمون فى فرق يدير كل منها أموره بنفسه ، ينتخب من بين أعضائه رئيسا وأمينا عاما ويقرر برامجه الرياضية والثقافية والترفيهية بالإضافة الى الرياضة ،و كانت  البرامج اتشتمل علىمسابقات للقراءة والمناظرات العامة والرحلات والتمثيل والهوايات والاستماع الى الموسيقى الكلاسيكية0 وهكذا اتسعت الأفاق أمام رشدى سعيد وهو لم يتعدى الثانية عشرة من عمره. 
 
      ينتمى  رشدى سعيد  إلى عائلة قاهرية خالصة 0ولد أبوه فى سنة 1882 ، وسمى سعيدا تيمننا باسم الخديوى سعيد الذى حفظ له المصريون الجميل نتيجة للإصلاحات الكبيرة التى ادخلها فى مصر ، مما سمح للمصريين ولأول مرة بتملك الأراضى الزراعية والترقى فى صفوف الجيش إلى الرتب العليا التى كانت مقصورة على الشراكسة والأتراك 0 كما أنه سوى بين المصريين بغض النظر عن ديانتهم والغى الجزية التى كانت مفروضة على الأقباط وسمح لهم بدخول الجيش .
      لقد ولد أبوه وأمه فى القاهرة لكن جذوره الحقيقية تمتد فى صعيد مصر فى قرية السراقندة بمحافظة أسيوط . وقد اضطر جده لترك هذه القرية فى سبعينيات القرن التاسع عشر ، أيام الخديوى إسماعيل وهاجر إلى القاهرة ، حيث عمل مع بعض أقاربه فى تجارة الأقمشة حتى وفاته فى سنة 1930 .
      وقبل هجرته من القرية كان جده بالأضافة إلى عمله بالفلاحة ، يعمل كاتبا وقياساً للأراضى، وهذه المهنة كانت تتحدد على أساسها الضرائب المستحقة على الأراضى والتى كان كثير من الأقباط يتوارثها عن آبائهم ، الذين استطاعوا أن يحفظوها لأنفسهم ولأبنائهم من بعدهم بالمحافظة على سرية الطريقة التى كانوا يسجلون بها قياساتهم للأطيان واستحقاقاتهم من الضرائب .وقد ساهمت المحافظة على هذه المهنة فى أيادي الأقباط على بقائهم وعلى الحفاظ على ديانتهم من الاندثار كما حدث فى كل  بلاد الشمال الأفريقى وفى سهول الشام . فقد أصبح لهم بفضلها مكان لا يستطيع أى حاكم أن يهمله .
      وقد وجد كثير من الحكام فى هذا النظام طريقا سهلاً مأمونا لجمع الضرائب دون الإخلال بحال الزراعة أو الدخول فى مجابهات مع فلاحى الأراضى ، كما وجد فيه الفلاحون حائلا يقف بينهم وبين بطش الحكام .فقد كان كاتب القرية وقياسها واحداً     بينهم يحس بمتاعبهم ويعمل على حمايتهم من تجاوز الحكومات الظالمة ، والتخفيف من ضرائبهم بإخفاء المعلومات الخاصة بزراعتهم أو تعديلها لصالحهم ، وقد كان لهذا الدور أكبر الأثر فى بناء جذور المودة والفهم المتبادل بين فلاحى مصر من الأقباط والمسلمين . 
     لم تكن عائلة والده كبيرة أو ذات عصبية فقد كان والده ( جد رشدى ) وحيد أبويه . كما كان أخاه الأوحد والذى كفله فى صباه لم ينجب إلا بنتا واحدة خلفت ولدين من زوجها الذى فقدته . وهى فى سن مبكرة ، أما أبوه فقد أنجب ستة : ثلاثا من الإناث وثلاثة من الذكور وكان الدكتور رشدى هو الرابع فى الترتيب . ولد سنة 1920 عندما كان أبوه فى الثامنة والثلاثين من عمره وقد سبقه فى الميلاد شقيقان فى سنة 1909 وسنة 1911 وشقيق ولد فى 1913 ، وكان ميلاد بنتين فى مبدأ حياة أمه الزوجية سببا فى أن تتلقى التأنيب والتحقير من حماتها التى كانت قد انتقلت للعيش معها تحت سقف واحد بعد زواج أبيه من أمه فى سنة 1904 ، ولم تكف عن تنغيص حياتها حتى انتقلت إلى العالم الأخر .
 
     أما عن نشأة أبيه فقد كان أول من عرف القراءة  والكتابة فى عائلته وأول من ذهب إلى مدرسة نظامية ، فقد كان أخوه الذى رباه أميا ، يدير متجره ويقوم بالشراء والبيع دون أوراق مكتوبة رغم اتساع أعماله وكثرة اتصالاته0 ورغم ذلك فقد كان يعرف قيمة التعليم ومن ثم حرص على أن يتيحه لأخيه الأصغر فدفعه للالتحاق بمدرسة الفرير بالقاهرة حيث حصل على البكالوريا والتحق بعدها بالسكة الحديد . وكما يقول رشدى سعيد: 
     " أتقن أبى اللغة الفرنسية وتعلم على كبر اللغة الإنجليزية التى كان يرطن بها بلكنة فرنسية ، وقد حمل أبى التقليد نفسه لأولاده الذين أرسلهم جميعاً للتعليم ، وحتى أخر مراحله الجامعية على الرغم من المشقة البالغة التى حملها هو وأمى من أجل تيسير التعليم للذكور والإناث" (ص22)
وهكذا أحدث أبوه قفزة كبرى فى حياة العائلة . فعن طريق التعليم الذى ناله حدث الانتقال من جد  لا يعرف القراءة أو الكتابة إلى حفيد يحمل درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد فى غضون جيلين اثنين. 
     أنهى دراسته الثانوية بمدرسة التوفيقية ، والتحق بكلية العلوم واختار قسم الجيولوجيا بناء على نصيحة من الكاتب الكبير سلامة موسى الذى كان مفتوناً بنظرية التطور وكان يريد منه أن يتخصص فى علم الأحياء القديمة التى كان سجل حفرياتها عبر العصور أحد أهم دلائل صحة نظرية التطور . وقد توطدت العلاقة بينه وبين سلامة موسى وما زال يذكر تشجيعه له ونشره لأولى مقالاته فى الأربعينيات فى مجلته الجديدة ، وذهابه لتوديعه بمحطة القطار الذى حمله إلى بور سعيد ليستقل الباخرة إلى أوربا 
     تخرج رشدى فى كلية العلوم 1941 بمرتبة الشرف الأولى التى تؤهله للتعين معيداً بالكلية إلا أن الانكماش المالى حال دون ذلك فأشتغل بشركة القصير للفوسفات ثم عين بالكلية فى 1943 وقد تم إيفاد بعثته إلى سويسرا سنة 1945 بعد ستة أسابيع من انتهاء والحرب العالمية الثانية فى أوربا 
      وبدأ يتلقى دروس اللغة الألمانية مع زملائه اللذين رافقوه فى البعثة ، إلا أنه لم يجد بجامعة زيورخ أستاذا يمكن أن يعينه فى دراسته لعلم جيولوجيا البترول الذى وقع عليه اختياره . فقد كان هذا العلم جديداً على أوربا التى لم يدخل استخدام البترول فيها إلا بعد سنوات من انتهاء الحرب ، فتقدم بطلب إلى كلية العلوم لنقل بعثته إلى جامعة هارفارد بالولايات المتحدة والتى أبدت استعدادها لقبوله ، إلا أن موافقة كلية العلوم أخذت منه عامين أوشك خلالها على الانتهاء من رسالته التى بدأها بجامعة زيورخ فى علم الحفريات الفقارية .
     حصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد وقضى سنة فى التدريس بالجامعة الأمريكية بالولايات المتحدة كانت من أخصب سنى حياته العلمية ، ثم عاد إلى كلية العلوم بالقاهرة سنة 1951 فوجد أن الخريطة الاجتماعية قد تغيرت ، وظهرت طبقة جديدة من أغنياء الحرب اللذين جمعوا ثرواتهم من التهريب والأتجار فى السوق السوداء والبضائع المسروقة من مخازن الجيش أو بتقديم الخدمات إلى الآلاف من عساكر الحلفاء فى مصر 
وفى السنوات التى تلت الحرب ، استمر بقاء قوات الاحتلال الإنجليزى فى مصر ، وتأسست دولة إسرائيل وهزمت الجيوش العربية فى حرب 1948 مما اثار أكبر موجات الغضب فى الشارع العربى المصرى والصبغة الخاصة 
     وعندما بدأ التدريس بالجامعة وجد الطلاب غاضبين وفى شبه اضراب مستمر ، وهكذا انكمش العام الدراسى إلى بضعة اسابيع وقام حريق القاهرة الكبير فى 26 يوليو سنة 1952 والذى احرقت فيه كثير من الممتلكات والمحلات الاجنبية وفندق شبرد ذو الشهرة التاريخية وفى اعقابه سقطت وزارة الوفد برياسة مصطفى النحاس وأعلنت الأحكام العرفية وبعد أقل من ستة شهور من حريق القاهرة قامت ثورة يوليو فى 1952 .
وقوبلت الثورة فى بداية الأمر بارتياح كبير، وقام مجلس قيادة الثورة بإيقاف دستور 1923 وحل جميع الأحزاب السياسية ما عادا جماعة الأخوان المسلمين ثم قام  بحركة تطهير فى الجامعة للتخلص من الشيوعيين وانصار النظام الملكى المخلوع .
 
صعود التيار الدينى فى مصر 
     
       قبل سفره لم يكن لهذا التيار أى دور يذكر فى حياة المصريين السياسية أو فى تشكيل الرأى العام فيها . ولم يكن له مكان وسط تيار القومية العربية والوطنية الصاعد الكاسح بقيادة حزب الوفد الذى تبنى قضايا الاستقلال والدستور والحريات المدنية والوحدة الوطنية. وحد التيار الدينى أنصاراً له بين فقراء المدن الذين زادت أعدادهم زيادة كبيرة نتيجة الهجرة الضخمة التى حدثت خلال الحرب العالمية الثانية موجة البطالة التى أعقبت الحرب . وقد كان فقراء المدن وعلى طول التاريخ وقود حركات التطرف فى مصر .
     ولهذه الحركات تاريخ طويل يمتد إلى العصر الوسيط عندما برز من منظريها ابن تيمية (1263-1328 ) صاحب الفتاوى الشهير التى ما زال صداها يتردد حتى اليوم . وتشترك كل هذه الحركات فى أنها لجلب لباس الدين ، وتأخذ شكل التنظيمات السرية ذات الطقوس الصارمة ومعظم هذه الحركات كان يبدؤها الحاكم نفسه ، والذى كان يتبناها ليستخدمها فى دفع الأذى وتحويل الغضب بعيداً عنه .
     
     وقد أحكمت جماعة الأخوان ، ومنذ أربعينيات القرن العشرين التخطيط للاستيلاء على ولاء الشباب عامة وشباب الجامعة خاصة ، ونجحت فى هذا المجال نجاحاً باهراً واصبح لها وجود ظاهر فى الجامعة أهل أعضاءها للنجاح فى انتخابات اتحادات الطلاب وتوجيه أموال هذه الاتحادات لتدعيم أهدافها والإنفاق على معسكرات تنظيماتها السرية التى كان يتم فيها تدريب كوادرها وشحنها بالأفكار . وتسارع تغلغل أفكار اليمين الدينى بين مختلف الطبقات فى الفترة التى تلت الحرب العالمية الثانية ووقوع نكبة فلسطين . وكان معظم ضباط الثورة متأثرين بفكر جماعة الأخوان ومنهم من كان عضوا منظما فيها وقد ثبتوا كثيرا من أفكار هذه الجماعة وأحلوها محل الأفكار الليبرالية والزمنية التى سادت مصر حتى 1952 .
     أما الأقباط ، فقد كانت معرفة رجال الثورة بهم قليلة جداً . فقد تخرجوا فى مدارس ومارسوا أعمالا لم يكن بها وجود قبطى يذكر وكانوا فى الأغلب ينظرون إليهم بحذر وريبة 
     صحيح أن الأقباط شغلوا المناصب الحكومية فقد كان ذلك نتيجة لسبقهم فى إنشاء المدارس التى تهتم بتعليم اللغات فى عهد البابا  كيرلس الرابع ( 1854 – 1861 ) وكان معظم حاملى الشهادتين الابتدائية والثانوية بين أوائل القرن العشرين من خريجيها . أما العلاقة بين الأقباط والإنجليز فقد اتسمت بالعداء الشديد . وليس أدل على ذلك من موقفهم فى ثورة 1919 والدور الكبير الذى لعبوه فيها ألى جوار الزعيم العظيم سعد زغلول . . 
     وقد تأثرت حياة رشدى سعيد بهذا المناخ الجديد فى مصر فمنذ 1952 أصبح إبعاد الأقباط عن بعض المراكز الحساسة فى الدولة سياسة 
وبالنسبة  لتعلمه أصول الكتابة العلمية الصحيحة ، فيرجع الفضل فيه إلى أستاذه بجامعة هارفارد ، هنرى سنتسون ، الذى أعاد معه قراءة رسالة الدكتوراه وعلمه طريقة الكتابة العلمية وكيف يفرق بين الملاحظة والتفسير وأن يزن كل كلمة يكتبها. وقد أدرك الفائدة الكبيرة لتعرفه على قواعد ومنطق الكتابة بالإنجليزية عندما اضطر لوضع كتاب علمى باللغة العربية ففى صيف 1955بعد صدور قرار من مجلس الجامعة تحت الحاح كمال الدين حسين وزير التعليم آنذاك بتعريب التدريس بكلية العلوم فقضى الصيف فى إعداد محاضراته باللغة العربية وجاء هذا الكتاب مطبقا أسلوب العلم.
      وبعد سنوات من هذه التجربة فى ميدان التعليم باللغة العربية ، أتيحت له الفرصة للمشاركة فى ترجمة قاموس علمى إصدرته دائرة المعارف البريطانية بالإنجليزية مع كبار الأساتذة مثل رياض ترك ، ومحمود حافظ ومحمد عبد الفتاح القصاص ومحمد النادى ، حيث كانوا يجتمعون لمدة ساعتين لأسبوعيا ليقرأ كل واحد منهم مصطلحاته لتصفها اللجنة مجتمعة فى محاولة لتوحيد ترجمة الكلمات . وكان نجم هذه اللجنة المرحوم الدكتور احمد عمار طبيب أمراض النساء المشهور . وكان عاشقا للشعر العربى وحافظا لبحوره ومحبا للغة العربية . يقول الدكتور رشدى : 
     " وقد فتح الحديث معه والاستماع إليه أفاقى على ثراء هذه اللغة ومكانتها الكبيرة للتطويع للاستخدام الحديث ونحث مصطلحات العلم "
     إذ وجد أن قسم الجيولوجيا قد تأثر بخروج الأساتذة الأجانب من مصر خلال سنوات الحرب . وزاد الطينه بله إنشاء جامعتى الإسكندرية وعين شمس فتضاعفت الحاجة إلى مدرسين وأستاذه فانتهز الكثير من الخرجين هذه الأزمة وتركوا وظائفهم والتحقوا بالجامعات الجديدة ورغم أنهم أقل منه خبرة وعلما فقد أصبحوا بحكم الأقدمية الوظيفية فى مركز يحكمون فيه على أعماله ويقررون ترقياته . 
      إن أحد أساتذة القسم ممن لم تتح له فرصة التعليم الجيد كان من جماعة الأخوان المسلمين وكان فى غضب شديد وشكوى مستمرة من تخلفه فى الترقيات التى كان يعزوها إلى المؤامرات التى يديرها له الأقباط وأنصارهم     
" وكانت الدعوة إلى الكراهية والتميز اهم ما شغل هذا الأستاذ بالإضافة إلى انشغاله بالتخطيط لشغل وظائف المعيدين وهيئة التدريس بالقسم من بين مجنديه من أعضاء تنظيمات التيارات المتشددة وقد نجح فى تحقيق ما سعى إليه بفضل التعضيد الضخم الذى ناله هذا التيار المتشدد من جانب الحكومة ، وعلى الأخص من حكومة إسماعيل صدقى التى جاء بها الحكم فى سنة 1946 لاقتلاع موجة اليسار المتصاعدة . 
      لقد قضى رشدى سعيد بعد عودته عامين يحاول أن يجد له طريقا وسط هذا المناخ الردئ  ووسط أساتذة لم يكن لهم هم سوى عرقلة قيامه بالبحث العلمى ، وصرف طلاب البحث عن العمل معه ، وحجب الأموال والأجهزة عن معمله بل وتنحيته عن التدريس حتى لا يقوم بالتأثير على الطلاب . مما دفعه للابتعاد عن هذا الجو بأن أقام لنفسه وحدة خاصة للبحث العلمى ودبر لها مكانا صغيراً فى القسم ودبر لها التمويل والإمكانات من خارج الجامعة .
مدرسة جديدة للبحث العلمى :
      قنع الدكتور رشدى سعيد بالانكفاء على مكانه الصغير محاولاً أن يبنى مدرسة من الشباب الجديدً يأمل أن يكون أوسع أفقا وأكثر دراية بالعالم الواسع خارج محيطه والذى أراد أن يفتحه أمامهم وينقله لهم . كذلك سعى جاهداً لمد الجسور مع الهيئات العلمية والعالمية وشركات البترول وهيئة الأبحاث الجيولوجية لتسهيل رحلاتهم بالصحراء ولتزويد الطلاب بالعينات  والبيانات .
     المهم أنه نجح فى بناء وحدة نشيطه للبحث العلمى استطاع، كما يقول، أن يجعلها على مستوى مثيلاتها فى  أعظم الجامعات الأجنبية .وفى نفس الوقت ظل محافظا على استقلال معمله ومستوى طلابه بفضل تصميمه على الابتعاد عن الدخول فى تربيطات الأساتذة التى أفسدت مستوى الدرجات العلمية وجعلت الترقيات لغير من يستحق .
     ومن الأعمال الكبيرة التى خرجت من هذا المعمل كتاب " جيولوجية مصر " الذى صدر عن واحدة من أعرق مؤسسات النشر العلمى فى أوربا وأمريكا فى وقت واحد عام 1962 وسرعان ما أصبح مرجعا ذائع الصيت وترجم إلى عدة لغات .ويضيف رشدى سعيد هنا أن برامج الأبحاث العلمية المشتركة التى قام بها مع بعض أساتذة الجامعات الأجنبية كانت من أهم العوامل التى ساهمت فىاستقلال معمله،وكان من أوائل هذه البرامج وانجحها0لأنها قامت على أساس الندية، فعندما يتساوى قادة البحث من كلا الطرفين فى القامة العلمية ينشأ الحوار ويصبح امكان توجيه البحث الى مافيه فائدة مشتركة0
      وهذا ما حققه الدكتور رشدى سعيد فى العمل المشترك الذى قام به مع زميله فى هارفارد فريد وندورف الذى وصل الى مصر سنة 1962 بدعوة  من الحكومة المصرية وهيئة اليونيسكوللمساهمة فى انقاذ آثار النوبة0 وطلب منه مشاركته فى دراسة العصر الأخير من تاريخ الأرض حيث يقوم هو بدراسة الانسان وما تركه من أدوات ويقوم رشدى سعيد بدراسة جيولوجية المنطقة وبيئتها0 واستطاع أن يقنع  الدكتور جلال الدين حافظ  وكيل وزارة الصناعة والمسئول عن شئون الثروة المعدنية أن تسمح له هيئة الأبحاث الجيولوجية باستخدام سيارتين لزيارة النوبة، ثم انتدب معه أحد الباحثين وهو  البهى العيسوى0
      كذلك حصل وندورف على تصريح من هيئة الأثار بالبحث عن أثار ما قبل التاريخ للمنطقة الصحراوية التى تحيط  بمنطقة النوبة0وكان موسم العمل الحقلى يمتد مابين عشرة واثنى عشر أسبوعا فى الصحراء فى معسكرات اسبرطية لم تكن بها ثلاجات أو مياه كافية للاستحمام المتكرر0لكنه كان يشعر بأن الذهاب اليها متعة0
     أما الترقية فى الجامعة فلم يهتم بالتقدم لها سنوات طويلة تجنبا للصراعات مع من هم أقل منه علما وكفاءة0لكنه تقدم لمنصب الأستاذية بناء على طلب من الدكتور عبد العزيز السيد الذى دهش عندما عرف أنه لم يزل أستاذا مساعدا فدبرله كرسيا للأستاذية فى جامعة الاسكندرية0وبعدأعوام من ترقيته أصبح عضوا فى اللجنة الدائمة لترقية الأساتذة وحاول لعدد من الأعوام أن يعيد لها بعضا من الاحترام والسمعة الطيبة وأن ينقل مناقشاتها الى الموضوعية،إلا أن ذلك كان يكلفه كثيرا من الجهد والمناهدة مما دفعه للاستقالةمنها بعد عامين0كانت الجامعة بالنسبة له قد انتهت كمكان يمكن أن تتم فيه أية أبحاث علمية على المستوى الذى يمكن أن يعتد به إلا أنه تلقى مكالمة هاتفية من الدكتور عزيزصدقى الذى رشح لوزارة الصناعة سنة 1968 ،يطلب منه أن يقبل رئاسة مؤسسة التعدين والأبحاث الجيولوجية0فألغى سفره  وبقى فى مصر0
 
     
  2- رسدى سعيد  وحديث 
 
                       عن مؤسسة التعدين ومنجم أبو طرطور 
 
 
          كانت المؤسسة عندما وصل اليها فى مايو  1968 تديرهيئة للأبحاث الجيولوجيةوتشرف على تسع شركات للتعدين لكل منها مجلس لادارتها0وكانت شركات التعدين من مخلفات القطاع الخاص الذى تم تأميمه قبل وصول الدكتور رشدى سعيد بسنوات0 وكانت المؤسسة فى حالة يرثى لها فى أعقاب هزيمة 1967واحتلال اسرائيل لسيناء ، مما أدى الى أن تفقد الجزء الأكبرمن مناجمها وتجبرأكثر من ثلاثين ألف عامل ممن كانوا يعملون فى مناجم المنجنيز  والكاولين والجبس على العودة الى مصربعد أن فروا أمام القوات الاسرائيلية 0إضافة الىأرامل  المفقودين فى الحرب واللواتى قطعت عنهن المرتبات ولم تحل مشكلة معاشاتهن0
     ابتدا عمله بتقييم شركات التعدين القائمة ووجد أن أحدا لم يتنبه الىأن خسائر شركات التعدين عامة والفوسفات خاصة، هو نتيجة لاستمرارها فى العمل بالطرق القديمة وعدم تبنيها للطرق الحديثة فى الاستخراج، وحتى حين أصبح الكلام عن ضرورة الميكنة واردا فإن هؤلاء المسئولين قاموا بطبيق طرقها على خامات لاتقبلها0
     وبعد بحث ودراسة لاحتياطيات الخامات بساحل البحر الأحمر ووادى النيل  وجد أنها لاتبرر ادراج مشروعات جديدة فى هذه المناطق 0وفى ضوء هذه الدراسات قام مجلس الادارة باعادة تخطيط أهداف المشروعات  المدرجة بالخطة الى أرقام أكثر واقعية وأوضح لمجلس الادارة أن هذه المشروعات ليست إلا حلا مؤقتا، وأن الحل الطويل الآجل هو فى نقل نشاط  هذه الشركات الى مواقع جديدة ذات احتياطيات كبيرة وقابلة للاستخراج بطرق الميكنة0 ولحين ايجاد هذه المواقع فليس أمامهمإإلا العمل على تحسين انتاجية العامل  وزيادة كفاءة الادارة0 ولم تكن شركات التعدين بأحسن حالا 0 و بعد دراسة لاوضاع شركة استخراج الرمال السوداء عند مصب النيل فى دمياط  قرر اغلاق هذه الشركة و تصفية مشروعاتها نتيجة لتكرار خسائرها، وقد وافق الدكتور عزيز صدقىعلى هذا القرارمباشرة لأنه عاصر المشروع لسنوات طويلة وتأكد من عدم جدواه0
 
     وبعد سنتين من العمل المتصل لاصلاح حال شركات التعدين القائمة، تأكد له أنها لاتملك الأسس أو العناصر اللازمة التى تجعلها قادرة علىالمنافسة أو تجعل لها مستقبلا، فقرر بناء هيئة عالية المستوى للبحث العلمى لدراسةأرض مصر والكشف عن ثرواتها المعدنية واختيار الصالح منها للاستخراج الاقتصادى ليكون أساسا لهذه الشركات الجديدة  حيث يقول:0 
 
 
     "وفى ضوء هذا القرار ، قمت بإعداد مشروع قانون يعيد تشكيل مؤسسة التعدين التى كنت ارأسها ، نقلت فيه تبعية شركات التعدين القائمة والتى كانت تتبع المؤسسة إلى مختلف المؤسسات الصناعية الأخرى التى كانت تستخدم خاماتها ، وحددت من بين أهداف هفه الهيئة الجديدة الدراسة العلمية للأرض المصرية وتقييم رواسبها المعدنية وجدوى استخراجها وتصميم مناجمها ومشروعات استغلالها وأسميت الهيئة الجديدة بهيئة المساحة الجيولوجية والمشروعات المعدنية . وحملت مشروع القانون إلى الدكتور عزيز صدقى وزير الصناعة الذى رحب به. وأبلغته أن لدى بعض المشروعات التعدينية الجاهزة بالفعل والتى كان فى مقدمتها مشروع فوسفات أبو طرطور الذى كنت قد بدأت دراسة إمكان استغلال احتياطاته الهائلة والذى أملت أن يحل محل شركات الفوسفات القائمة ، وصدر القرار الجمهورى بإنشاء هذه الهيئة الجديدة فى سنة 1971 0"
 
 
 
     يحكى رشدى سعيد أنه منذ خروجه من الجامعة والأمل يحدوه فى أن يحول هيئة الأبحاث الجيولوجية الملحقة بمؤسسة التعدين الى  مركز مميز للبحث العلمى 0وقد شجعه على المضى فى هذه المحاولة تاريخها العريق فى هذا الميدان منذ تأسيسها فى سنة1896 كهيئة للمساحة الجيولوجية0 "وكانت أعمال هذه الهيئة قد توسعت  قبل مقدمى لمجابهة متطلبات برنامج التصنيع الكبير من الخامات،إلا أن هذا التوسع لم يواكبه تحسين فى ادارتها أو فى تدريب كوادرها  ولذا فقد كانت فى غاية السوء عندما تسلمتها"
تنظيم المبنى:
     ابتدأ الدكتور رشدى بتنظيم المبنى الذى كان يخلو من أى نظام0وما إن بدأ هذا العمل حتى أخذ المبنى يتشقق  ثم يميد ، لأنه كان قائما على كوم من القمامة التى وصل سمكها الى أكثر من ثمانية عشر مترا حسب ماعرفوه من جسات البئر التى دقت لاختبارارضية المبنى والتى كشفت أنه مقام فوق مقلب من القمامة منذ العصر الفاطمى وحتى أصبح مقرا لأحد معسكرات الجيش البريطانى خلال الحرب العالمية الثانية0 وبعد سند المبنى واصلاحه،كان عليهم إعادة تنظيم حجراته واصلاح مداخله حتى تفصل مكاتب الفنيين عن مخازن الهيئة0
     قام بتنظيم الهيئة التى كانت حتى وصوله بلا هيكل تنظيمى أو توصيف لوظائفها0 وبعد أن أصبح للهيئة شكل وانتظمت حركة السيارات فيها ، قام الدكتور رشدى بزيارة مواقع العمل بالصحراء والذى كان يتم فى معسكرات مؤقتة من الخيام0 وتركزت شكوى العاملين فيها على تخلف الترقيات وتوقفها منذ سنوات، وكذلك من عدم انتظام البريد وعدم تنظيم الاجازات وغير ذلك من الأمور التى اتخذ فيها قرارات فوريةوأصدر حركة ترقيات شملت  جميع العاملين ،وأتبعها فى السنتين التاليتين بحركتين مماثلتين عوض بهما الكثيرين عما فاتهم من ترقيات مما اراحهم وشجعهم على البقاء فى الهيئة 0
تدريب العاملين:
 
     وهى الجزء الأهم فى عملية بناء مراكزالأبحاث العلمية، والتى تحتاج لكادرات فنية مدربة قادرة على القيام بمهام البحث 0ولم يكن لدى الهيئة سوى القليل منها ،ومن جهة   أخرى، لم يكن لدى الهيئة قيادات علمية تستطيع تسيير العمل العلمى المنظم وكانت القلة القليلة من حملة الماجستير والدكتوراه تتطلع للخروج من الهيئة والالتحاق بالجامعة  ذات الكادر المتميز والمرتبات الأفضل وقد حاول الدكتور رشدى سعيد اغراءهم بالبقاء معه لانجاز عملية تطوير الهيئة0 لكن لم يبق منهم إلا قلة  من الذين اقتنعوا بكلامه أو الذين لم يجدوا مكانا فى الجامعات0   
 
الخبرة السوفيتية:
 
     بالإضافة الى هذا ، كان لدى الهيئة طاقم كبير من الخبراء الروس الذين كانوا يعملون طبقا لأحد العقود القائمة وقت قدومه فى تقييم الخامات اللازمة للصناعات المقترح اقامتها لاستخدام كهرباء السد العالى0 وقد أتاح العقد مع الجانب الروسى والذى مد لخمس سنوات فى سنة 1971 ،حصول الهيئة وبأسعار زهيدة على عدد كبير من السياارات والمعدات وماكينات الحفرمما جعل إمكان الاستفادة منها صعبا 0 وعلى الرغم من أن الاستفادة من البعثات الروسية لم تكن كاملة بسبب سوء النظام وقلة القيادات الفاعلة التى كان يمكن أن تعظم الاستفادة منها0 إلا أن هذه البعثات فتحت أمامنا طريقا لم نكن نعرفه وهو طريق تقييم الخامات ومعرفة طريقة تقديركميتها وأخذ العينات0 
     وقد اتجه فكر الدكتور رشدى سعيد الى الاستعانة ببعض كبار الأساتذة من الجامعات الغربية أو مراكز البحوث المميرة للعمل فى مصر والقيام ببحوث مشتركة يمكن أن يتم عن طريقها تدريب أبنائنا واكمال معاملنا التى لم تكن الخبرة الروسية قادرة علىاستيفائها إلا أن هذا الأمر كان صعب التحقيق بسبب توتر العلاقات السياسية مع العالم الغربى 0 ونتيجة لذلك لم يستطع أن يضم الى الهيئة إلا المشروع البحثى الذى كان يقوم به البرنامج الانمائى للأمم المتحدة فى جنوب الصحراء الشرقية كجزء من التنمية الاقليمية لمحافظة أسوان0
     
       
     استقدام الخبرة ا لأمريكية :     
     
        ظل الحال على ماهو عليه حتى ذهب  رشدى سعيد ضمن وفد برلمانى 1975، لتعزيز العلاقة مع الكونجرس الأمريكى ، وأعدت  لهم مقابلة مع الرئيس الأمريكى جيرارد فورد وعدد من كبار المسئولين، و  فى أثناء ذلك فاتح هنرى كيسنجر فى موضوع التعاون العلمى، فأومأ براسه دون أى تعليق0 لكن بمجرد عود ته الى الفندق وجد  رسالة من مكتب رئيس هيئة المساحة الجيو لوجية يطلب فيها لقائه0 وتم اللقاء وواافق على تنفيذ الاقتراح المقدم منه قبل ذلك بعام فى إ قامة وحدة متكاملة لإعداد  وعرض الرسوم والخرائط بل وطبعها وتدريب مايزمها من الموظفين0
 
     وبعد ذلك قام رشدى سعيد بزيارة  لمدينة دالاس لكى يحث أساتذة جامعتها على الإسراع فى استكمال ما يلزم من خطوات للموافقة على المشروع الذى كان قد تقدم به للقيام بعمل مشترك فى علم الجيوفيزيقا  وهو العلم الذى كان يتقدم بسرعة مذهلة ولم للروس فيه باع طويل0 وما انقضت ساعات حتى جاءت الموافقة على تمويل المشروع0وتم ترتيب تفاصيل برتامج المشروع الذى تركزعلى موضوع الدراسات السيزمية ودرجات حرارة الأرض وكان التفدم فى كلا الميدانين كبيرا بدرجة لم تعرفها مصر
وجاءت بعثة الجامعة فى خريف ذلك العام حاملة بعضا من أكثر الأجهزة تقدما فى هذه الميادين، وقامت بندريب فنيينا وباجراء بحوث مشتركة على مستوى عال0
 
     بعد هذا العمل التنظيمى أصبح لهيئة المساحة الجيولوجية القدرة على البدء فى تنفيذ برنامج طموح للبحث عن المعادن فى مصر0 وأصبحت الصحراء تعج بالعمل الذى يقوم به مايزيد على مائتى من الجيولوجيين والمهندسين يخدمهم ضعف هذا العدد من العمال والفنيين والاداريين ، وكانوا ينتظمون فى بعثات توزعت فى أنحاء الصحارى وفى أعماقها0وأعطيت للبعثات فرصة عرض نتائج أعمالها فى محاضرات فى قاعة أعدت بالهيئة خصيصا لهذا الغرض0وكانت أحسن التقاريرتشجع بالمكافآت المالية 
 
                فوسفات أبو طرطور:
     
       شجعه نجاح بناء منجم كاولين كلابشة على أسس علمية سليمة،وبواسطة الخبرة المصرية الخالصة على المضى قدما فى مشروعه لاقامة صناعة تعدين جديدة فى مصر يخدمها بيت الخبرة المصرية0 وفكر فى دراسة راسب الفوسفات الكبير الذى تم تسجيله خلال بعثة جيولوجية أوفدت الى المنطة الواقعة بين الواحتين  الخارجة والداخلة0 وهكذا تم اختيار منطقة "أبو طرطور"  لبناء منجم هائل  ينقل صناعة التعدين الى مستوى العصر، وينقل العمران الى قلب الصحراء0وفىسنة 1971أعلن عن المشروع فىمقال علمىنشره فى واحدة من أمهات المجلات اعلمية العاملة فىحقل التعدين، ثم فىكتيب صغير بالعربية بعنوان "فوسفات أبو طرطور- أحد الكشوف الكبرى لهيئة المصرية للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية" سجل فى تقديمه قصة هذا الاكتشاف وأثره     المنتظر على الاقتصاد المصرى عند تنفيذه0 
 
 سنوات الانحسار:
      ظل العمل جاريا بهمة فى الهيئة حتى مبدء السبعينات ، عندما بدأ يتراجع قليلا بعد أن تولى أمور مصر الرئيس السادات الذى تغيرت تحت قيادته أولويات العمل الوطنى.
تقارير الأجهزة
وتزامن بدء السبعينات مع بدء صراع سياسى بين أجنحة الحكم أدخلت فيه، وعندما ترك الدكتور عزيز الوزارة ، أحال التقارير التى كانت تصله عنى إلى المهندس "على والى " الذى تولى وزارة البترول التى أضيفت إلى أعمالها شئون الثروة المعدنية وطلب الدكتور عزيز من المهندس على والى أن يبحث عن هذه التقارير ويسترشد بها فلما قرأها تولد لديه انطباع بأننى أحد المتعصبين الدينين والفاشلين ، وناله منى ارتياب كبير . وقرر المهندس على والى أن يواجهنى بالاتهامات ، التى قرأها فى التقارير أخذها على أنها صحيحة ، فى اجتماع عام دعا اليه موظفى المؤسسة التى كنت أرأسها ، ورتب له من وراء ظهرى مع المدير العام ، ودعانى أليه فى اللحظة الأخيرة ، وذهبت بالفعل وبعد تردد إلى الاجتماع ، ووقف الوزير ليلخص التقارير التى وصلته والتى كان يتكلم عنها وكأنها صحيحة .
وبعد أن عددت للوزير الاكتشافات والانجازات التى قامت بها المؤسسة والتى كنت اذكر أسماء منفذيها أو المشرفين عليها أشير إليهم من بين الجالسين فى القاعة ، وطلبت من الوزير أن يزور المؤسسة قبل أن يلقى احكامه عليها . 
وقام الوزير بالفعل بزيارة المؤسسة بعد أيام ، ومررت معه على مختلف أقسامها ، واعجب الوزير بشكل خاص بالطريقة التى نظمنا بها الوثائق والتقارير العلمية .
وبعد أن أنتهت جولتنا ، عدنا إلى مكتبى وسرعان ما أغرقت عيناه بالدموع واحتضنى وشكرنى على الجولة ، واعترف لى انه خدع بالتقارير التى وصلته وما كان يحق له أن يفعل ذلك وهو الذى اكتوى منها من قبل ، ووعدنى بان يرسل لى ملفا كاملا بهذه التقارير فى الغد لكى أطلع عليها.
وقد أفلحت بالفعل فى مسعاى ، واستطعت أن أعيد تبعية المؤسسة إلى وزارة الصناعة فى أول تعديل وزارى جرى فى يناير سنة 1972 بتولى الدكتور عزيز صدقى رئاسة الوزارة والدكتور يحى الملا وزارة الصناعة 
مأزق فوسفات " أبو طرطور"
وتوافد على وزارة الصناعة فى هذه الفترة وزراء كانوا يتخذون القرارات الخاصة بشئون الثروة المعدنية دون الرجوع إلينا أو إلى أى شخص من المختصين بشئونها . ومن الوزراء من كان لا يعرف شيئا من شئ فى شئونها ، ألا أنهم كانوا يعملون وفقا لجدول أعمال خاص أملى عليهم من الأجهزة ومن أصحاب المصالح الخاصة لمجمع الحديد والصلب الذى لم يكن فيه واحد يعرف شيئا عن التعدين .
وتسبب نقل المشروع من إشرافنا إلى مجموعة الهواة التى أدارته منذ ذلك الوقت ، إلى خسائر كبرى تحملتها البلاد على مدى أكثر من اثنين وعشرين سنة ، عندما اثير الموضوع وفتح ملفه فى سنة 1996 وأصبح حديث الصحافة وموضوع لجان تقضى الحقائق فى المجالس القومية المتخصصة وفى مجلس الشعب . وفى خلال هذه السنوات الاثنين والعشرين ، أنفق ما يزيد على سبعة مليارات من الجنيهات بعثرت على المقاولين وبيوت الخبرة الأجنبية التى جيئ بها من كل أركان الأرض . وانتهت بإغلاقه وإخراج المدير من عمله لحين البحث عن مخرج من البلاء الذى سببه قرار وزير خائب فى سبعينات القرن العشرين !
 
 
 
 
         
 
 
   فكرة البحث عن الجذور:
 
        لقد اختمرت فى ذهنه فكرة البحث عن الجذور نتيجة ملاحظة أبدتها سيدة إنجليزية فى المتحف البريطانى ، إذ رأت أن سحنة رشدى سعيد لا زالت تحافظ على ملامح ذلك المصرى القديم الذى رأت تمثاله معروضا فى المتحف ، فأثارت فضوله للبحث عن هذا السر الذى أبقى على هذا التشابه بعد ما يزيد عن مائة وخمسين جيلاً وهى رحلة هامة تكشفت خلالها أشياء وأشياء كانت غائبة عن أذهان عامة المثقفين 
لأن الدكتور رشدى لا يسرد تاريخ حياته كوقائع أو أحداث متعاقبة صماء إنما يفحصها بحيث العالم ويكشف ما ينطوى عليه معانى ودلالات فى حياة المصريين ومأساتهم مع العثمانيين وخلفائهم حتى الآن 
فقد قاده البحث إلى الحقائق آلاتية .
1- لم يكن للمصريين سجللا مدنيا يمكن الرجوع إليه وحتى بداية القرن العشرين لم تكن شهادات الميلاد شيئا شائع بل لعلها لم تكن معروفة أصلاً للعدد الأكبر من المصريين وظلت كذلك حتى منتصف القرن العشريين .
2- وكذلك كانت شهادات الوفاة التى لم يبدأ حفظها إلا فى وقت متأخر . بالإضافة إلى ذلك فالعائلات فى مصر ، وباستثناءات قليلة جدا ، بلا تاريخ فعلى الرغم من العصبيات العائلية أو البلدية التى تحكم الكثير من العلاقات الإجتماعية فى مصر فإن هذه العصبية لا تظهر إلا بين أبناء الجيل الواحد الذين قلما يربطون أنفسهم بمن سبقهم من أجيال . وهذا واضح فى عدم الاهتمام بحفظ الأوراق القديمة أو حتى باسم العائلة وقد دفعه اليأس من إمكان البحث عن الجذورفى السجلات والوثائق الى البحث فى إمكان استخدام المادة الوراثية فى رفات الأجداد لمعرفة قدر الأثر الذى  تركه الأقدمون فيهم ثم يقول:
 
     "لقد حاولت أن أقنع أحد زملائى المشتغلين بعلوم الوراثة وممن يحاولون تطبيق أبحاثهم فى علم الآثارأن يتقدم بمشروع بحثى لدراسة المادة الوراثية المحفوظة فى رفات الموتى من المصريين المحدثين لمقارنتها بالمادة الوراثية التى استخرجت من رفات الفراعنة لمعرفة تطابق المادتين0 وقد تحمس الزميل للاقتراح، وطلب منى استكمالا  لأركان البحث أن أجد له جبانة بمصر تحفظ فى جنباتها رفات سلسلة من الأشخاص المعروفين الأنساب لرابع أو لخامس جيل على الأقل ليجرى عليها أبحاثه فلم أجد0وتبين لى من زيارتى للجبانات حالتها المزرية0"
 
وفى رأى أن البحث عن الجذور هو من أهم مواضيع هذا الكتاب وأكثرها طرافة0 فهذا الحنين الدافق لمعرفة الذات بين ركام الأطلال البالية والأحداث المتلاحقة على مدى أجيال  قد أضفى على هذا الكتاب مسحة عاطفية قوية  جعلت منه عملا أدبيا رفيع المستوى، وكشف عن امتلاك المؤلف لموهبة الحكى والسخرية  إن بحث رشدى سعيد اللاهث عن جذووره  هنا له غاية نبيلة هى الامساك بماهو مشترك فى حياة المصريين ، هذا الخيط الرفيع الذى كان يربط أفراد المجتمع جميعا فى  كيان واحد ويجعل منهم أسرة واحدة قوية تجاهد فىالحياة من أجل أهداف مشتركة وغايات واحدة عظيمة تتمثل فى العدل والأمن والتقدم0   
       إن بحث رشدى سعيد يندفع بقوة الحنين نحو جذوره العائلية العريقة فيسعى الىمسقط رأس أجداده فى قريته ،وعبر تلك الرحلة المثيرة تتفجر المواقف الغريبة والعجيبة الحافلة بالمفارقات الساخرة والحزينة كما نرى فى الحكاية التالية:ا 
 
 
"وكان عمدة السراقنة فى ذلك الوقت هو جد صديقى الدكتور حلمى غالى عبد المسيح طبيب الأمراض النفسية المشهور، والذى رتب لى مقابلة معه فى خطاب أرسله اليه0 وكنت قد عرفت بطريق المصادفة ، وأثناء حديث عابر مع الدكتور حلمى ، أنه من ذات البلدة التى جاء منها جدى وأن جده يشغل منصب العمدة ، ولما عرف برغبتى فى زيارتها أبلغ جده بذلك وطلب منه استضافتى وتسهيل زيارتى0 وقد وجدت العمدة بالفعل فى انتظارى عند اطراف البلدة ووراءه أربعة من الغفر ، وكان متجهم الوجه وحاملا للسلاح وغير مبد أى ترحيب بمقدمى!
       وبادرنى بالحديث  سائلا عن سبب مجيئى ولما أخبرته أن غرضى هو زيارة البلدة التى عاش فيها أجدادى زاد وجهه تجهما ورد قائلا بأن هذا التاريخ قديم فلم يعد للجد أو لمن أخلفه شئ يمكن أن يزوره 0أما إذا كان مقصدى هو الأخذ بالثأر فهو على أتم استعداد ، وشد على سلاحه0 وقد فاجأنى كلامه الذى لم أعرف له سببا أو أصلا ، فلم يحك لى أحد من قبل عن أن جدى قد ترك القرية ووراءه شئ  أو حاملا ثأرا لأحد، فلما طمأنته أنى جئت لرؤية القرية التى جاء منها وأنى لم أت للمطالبة بشىء أو للثأر من أحد وأنى لا أحمل سلاحا، قبل أن يستضيفنى وأن يحكى لىأن أباه قد حل محل جدى عندما ترك وظيفته مما أهله لأن يحتل منصب العمدية عندما أدخل نظامها فى ريف مصر فى السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر0 واعترف لى بأنه ومنذ أن وصله خطاب حفيده من مصر يبلغه فيه عن زيارتى وهو فى توجس من أنى قادم للمطالبة بأملاك أو للأخذ بالثأر .
       ومن اللافت للنظر هنا أن القصة التى أثارت هذا الغضب والتوجس حدثت منذ أكثر من ثمانين عاما ولكنها بقيت مع الابن طوال هذا الوقت بعد أن نقلها إليه الأب ولابد أن العداء لعائلة جدى كان كبيرا مما تسبب فى نزوحها من البلدة بكاملها حتى اننى لم أجد فيها عند زيارتى فردا واحدا منها ، كما أنى لم أجد واحدا فيها عرف شيئا عن جدى أو عائلة الأعمش بأكمالها ، وكان العمدة والذى كان فى ذلك الوقت فى منتصف السبعينيات من العمر أخر من سمع شيئا عنها ."
 ولعله من المفيد أن نعرف أن هذه القرية تقع فى حضن الدير المحرق وحماه، وهو الدير الوحيد الذى يقع داخل وادى النيل وقد بنى هذا الدير فى المكان الذى استقرت فيه العائلة المقسة لثلاث سنوات ونصف عند هروبها الى مصر0 وقد  جاء ذكره  فى كتابات صالح الأرمنى.
سنوات الانحسار:
      ظل العمل جاريا بهمة فى الهيئة حتى مبدء السبعينات ، عندما بدأ يتراجع قليلا بعد أن تولى أمور مصر الرئيس السادات الذى تغيرت تحت قيادته أولويات العمل الوطنى.
تقارير الأجهزة
وتزامن بدء السبعينات مع بدء صراع سياسى بين أجنحة الحكم أدخلت فيه، وعندما ترك الدكتور عزيز الوزارة ، أحال التقارير التى كانت تصله عنى إلى المهندس "على والى " الذى تولى وزارة البترول التى أضيفت إلى أعمالها شئون الثروة المعدنية وطلب الدكتور عزيز من المهندس على والى أن يبحث عن هذه التقارير ويسترشد بها فلما قرأها تولد لديه انطباع بأننى أحد المتعصبين الدينين والفاشلين ، وناله منى ارتياب كبير . وقرر المهندس على والى أن يواجهنى بالاتهامات ، التى قرأها فى التقارير أخذها على أنها صحيحة ، فى اجتماع عام دعا اليه موظفى المؤسسة التى كنت أرأسها ، ورتب له من وراء ظهرى مع المدير العام ، ودعانى أليه فى اللحظة الأخيرة ، وذهبت بالفعل وبعد تردد إلى الاجتماع ، ووقف الوزير ليلخص التقارير التى وصلته والتى كان يتكلم عنها وكأنها صحيحة .
وبعد أن عددت للوزير الاكتشافات والأنجازات التى قامت بها المؤسسة والتى كنت اذكر أسماء منفذيها أو المشرفين عليها أشير إليهم من بين الجالسين فى القاعة ، وطلبت من الوزير أن يزور المؤسسة قبل أن يلقى احكامه عليها . 
وقام الوزير بالفعل بزيارة المؤسسة بعد أيام ، ومررت معه على مختلف أقسامها ، واعجب الوزير بشكل خاص بالطريقة التى نظمنا بها الوثائق والتقارير العلمية .
وبعد أن أنتهت جولتنا ، عدنا إلى مكتبى وسرعان ما أغرقت عيناه بالدموع واحتضنى وشكرنى على الجولة ، واعترف لى انه خدع بالتقارير التى وصلته وما كان يحق له أن يفعل ذلك وهو الذى اكتوى منها من قبل ، ووعدنى بان يرسل لى ملفا كاملا بهذه التقارير فى الغد لكى أطلع عليها.
وقد أفلحت بالفعل فى مسعاى ، واستطعت أن أعيد تبعية المؤسسة إلى وزارة الصناعة فى أول تعديل وزارى جرى فى يناير سنة 1972 بتولى الدكتور عزيز صدقى رئاسة الوزارة والدكتور يحى الملا وزارة الصناعة 
مأزق فوسفات " أبو طرطور"
وتوافد على وزارة الصناعة فى هذه الفترة وزراء كانوا يتخذون القرارات الخاصة بشئون الثروة المعدنية دون الرجوع إلينا أو إلى أى شخص من المختصين بشئونها . ومن الوزراء من كان لا يعرف شيئا من شئ فى شئونها ، ألا أنهم كانوا يعملون وفقا لجدول أعمال خاص أملى عليهم من الأجهزة ومن أصحاب المصالح الخاصة لمجمع الحديد والصلب الذى لم يكن فيه واحد يعرف شيئا عن التعدين .
وتسبب نقل المشروع من إشرافنا إلى مجموعة الهواة التى أدارته منذ ذلك الوقت ، إلى خسائر كبرى تحملتها البلاد على مدى أكثر من اثنين وعشرين سنة ، عندما اثير الموضوع وفتح ملفه فى سنة 1996 وأصبح حديث الصحافة وموضوع لجان تقضى الحقائق فى المجالس القومية المتخصصة وفى مجلس الشعب . وفى خلال هذه السنوات الاثنين والعشرين ، أنفق ما يزيد على سبعة مليارات من الجنيهات بعثرت على المقاولين وبيوت الخبرة الأجنبية التى جيئ بها من كل أركان الأرض . وانتهت بإغلاقه وإخراج المدير من عمله لحين البحث عن مخرج من البلاء الذى سببه قرار وزير خائب فى سبعينات القرن العشرين !

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter