للوهلة الأولى يتخيل أنصار المعارضة المدنية أن الصراع الظاهر بين جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين أمر «لا ناقة لهم فيه ولا جمل»، بل يذهب البعض لحد التصور بأن التيار السلفى بتنوعاته يمكن أن يهدد مشروع الإسلام السياسى فى الهيمنة على الدولة،
وهذا بتقديرى فهم قاصر لطبيعة تلك الحركات، فالإخوان عندما استشعروا خطر «المدّ السلفى» شعبيًا فهم يشكلون فى الشارع أضعاف عدد الإخوان، لكن تنقصهم أدوات يمتلكها الإخوان كالتنظيم الهرمى الصارم، والخبرات السياسية، بدأ رجل الجماعة القوى خيرت الشاطر دراسة سبل التعامل مع هذا الوضع، فخلص مع فريقه لوثيقة أقرها مكتب الإرشاد، استهدفت تحجيم دور السلفيين شعبيا بشتى السبل، خاصة الدور الخدمى والدعوى،
هذه الوثيقة التى سربت من مطبخ الإخوان أثارت حفيظة التيارات السلفية، وحدث انشقاق عماد عبدالغفور وأنصاره وبدأ السلفيون يستشعرون أن لدى الإخوان نوايا غير بريئة تجاه دورهم، وأدركوا أنهم استخدموا فى مرحلة حاسمة، ويجرى الآن تحجيمهم سياسيا وشعبيا كى يظلوا مجرد أداة بيد الجماعة وقادتها الماكرين. ومعلوم أن خريطة السلفيين فى مصر بالغة التعقيد، إذ تضم أطيافًا تصل الخلافات بينها أحيانًا لحد التكفير فمن قبل باللعبة السياسية فى نظر فصيل «السلفية الجهادية» الذى يحمل السلاح فى سيناء، يحتكم لنظام «وضعى» وهو مشرك، بما فى ذلك الرئيس مرسى الذى أقسم على احترام دستور يتضمن أن السلطة للشعب، وهذا برأيهم «حكم بغير ما أنزل الله». أخشى أن تعول القوى المدنية على الخلافات داخل بيت الإسلام السياسى، فباستثناء «السلفية الجهادية» يمكن للمرء القول بأنها ليست أكثر من لعبة «توزيع أدوار» سواء بقصد وترتيب، أو حتى عفوية،
فالعلاقة بين هذه الجماعات قد تمر ببعض الأزمات، لكنها فى اللحظات الحاسمة ستنحى كل الخلافات جانبا ليتشكل المشهد السياسى فى النهاية لنمط يكون فيه الحكم والمعارضة من تيار الإسلام السياسى، ولا يتبقى للقوى المدنية إلا أحد دورين: «الكومبارس» أو «المحلل» خاصة فى ظل تشرذم «جبهة الإنقاذ» التى تعانى حزمة أمراض كتضخم الذات، وشيخوخة القيادات، وهشاشة التنظيم، وضعف التمويل والخطاب النخبوى وغيره، مما جعلها تراهن على الصراع الذى بلغ ذروته بإقالة مستشار الرئيس السلفى، بدلا من الرهان على الشارع، وتنمية قدراتها التنظيمية والالتحام بالبسطاء.. سيكون واهمًا من يتصور أن الشرخ الراهن بين الإخوان والسلفيين سيمس العلاقة بينهما، لكن الخطر الحقيقى على مشروع الإخوان لن يأتى إلا من جهتين: إما شباب الثوار الراديكاليين، أو «السلفية الجهادية» وفى الحالتين للأسف لن تقتصر المعارضة على الوسائل السلمية، بل ستصل لمواجهات دامية، وهو ما أثق حينها بأن الجيش سيقول كلمته، حتى لا تنزلق البلاد لمستنقع الدم.
نقلان عن اليوم السابع