الأقباط متحدون - الاستنارة..وأهرام مصر الشامخة
أخر تحديث ١٥:٣٩ | الثلاثاء ٢٦ فبراير ٢٠١٣ | ١٩ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٤٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الاستنارة..وأهرام مصر الشامخة

أسعدتنى الظروف بأن أحضر مؤتمراً دولياً التقيت فيه بمجموعة من الحاصلين على جائزة نوبل من أركان العالم المختلفة، وبطبيعة الحال أنصت أنا وسائر الحاضرين لكل ما كان يقال فى ذلك المؤتمر، فالذين يحضرون مثل هذه المؤتمرات يعرفون أدب الحوار، ومن أوائل بديهيات أدب الحوار أن تجيد الاستماع لمن يحدثك ثم تستوعب حديثه ثم تطلب الكلمة للرد إن كان عندك رد. هذه هى آداب الحوار كما تعرفها المجتمعات المتحضرة التى سارت خطوات فى عالم المعرفة والتقدم.
 
ومما سمعته واستوعبته جيداً ولا أستطيع أن أنساه ما قاله أحد هؤلاء الأعلام الكبار: «قد لا تكون الاستنارة العقلية والتعليم أهم شىء فى حياة الإنسان ولكن غيابهما يؤدى بالضرورة إلى فقدان كل شىء آخر».
 
هذه عبارة بالغة الدلالة شديدة الموعظة.
وقد قضيت الغالبية من حياتى بعد التخرج عاملاً فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة مدرساً فأستاذاً مساعداً ثم أستاذاً منذ عام ١٩٧٥ حتى الآن.. ورأيت فى هذه الحقبة الطويلة كيف كان أساتذة الجامعة الشامخون العظام، ورأيت أيضاً كيف كان الطلاب رجالاً واعين بواجبهم نحو درسهم ونحو وطنهم، ورأيت كيف يتعاملون مع أساتذتهم ومع بعضهم البعض.
 
ومرت السنون.. والذى أستطيع أن أذكره وأقرره أنه منذ العقد التاسع فى القرن الماضى - ١٩٩٠- وحتى الآن وكل شىء ينحدر، وكلما مرت بضع سنين زاد معدل الانحدار، حتى إذا جاء العقد الأول من هذا القرن- من عام ٢٠٠٠ حتى عام ٢٠١١- أدرك كثير منا، وأظن أنى كنت من بينهم، أننا نقترب من نهاية حقبة فى تاريخ مصر وبداية حقبة أخرى.. وقد كان.
وانبعثت ثورة ٢٥ يناير نتيجة مقدمات وضغوط وتراكمات كثيرة، وقاد الثورة مجموعة من أنبل شباب مصر.. وفى ذلك اليوم التاريخى كسر الشعب المصرى حاجز الخوف إلى الأبد.
 
ومنذ ذلك التاريخ جرت فى النهر مياه كثيرة إلى أن وصلنا إلى هذه الأيام التى ألتمس من القارئ الكريم العذر فى أن أسميها «الأيام العجاف».
ولست أحب الاستشهاد كثيراً بما تقوله الصحافة الأجنبية، فكثير منها له أغراض قد لا تكون موضوعية ومحايدة، ولكن هذه العبارة أستأذن فى أن أنقلها كما أوردتها وكالة «رويترز للأنباء العالمية».. تقول هذه العبارة الموجعة المؤلمة: «إنه بعد عامين من الثورة فإن مصر تشبه سيارة أتوبيس متهالكة تتدحرج باتجاه حافة الهاوية، وركابها مشغولون جداً حول من يتحمل مسؤولية تولّى عجلة القيادة إلى بر الأمان».
لقد اقتبست هذه العبارة وأنا أتحمل مسؤولية ذلك ومسؤولية الموافقة على ما جاء به من حقيقة مفزعة مخيفة.
 
أستطيع أن أجزم بأننى لم أقابل أحداً على مدى الشهرين الماضيين فى مصر كلها، رجالها ونسائها شيبها وشبابها أقباطها ومسلميها، إلا وهو مكتئب حزين على ما انتهت إليه مصر متسائلاً: ما المصير؟ ماذا ينتظرنا غداً؟ أليس هذا هو ما نحسه وندركه جميعاً إذا كنا صرحاء مع أنفسنا.
أكثر من مرة فى هذه الفترة المؤلمة- وبعض أصدقائى يشهد على ذلك- كنت أستغرق فى وحدتى مع هموم مصر وأحوالها وما وصلت إليه ثم- وبغير وعى منى- أنهمر فى البكاء.
 
وبكيت كالطفل الوليد، أنا الذى ما لان فى صعب الحوادث مِقْوَدى!!
ويزيد من الغم والحسرة على هذا البلد والخوف على مستقبله- على الأقل فى المدى القريب- أن بعض من يعيشون على أرض هذا البلد يريدون أن يهدموا أهرامه الشامخة، أهرامه التى علمت الإنسان قبل الزمان بزمان.
بماذا تفخر مصر الآن، أو بماذا تستطيع أن تفخر: بماضٍ انتهى من زمن بعيد. وبماضٍ قريب أفرزته ثورة ١٩١٩ الديمقراطية الليبرالية التى أنجبت لمصر عدداً من أبنائها العباقرة فى كل مجالات الحياة.
 
فى العلم مشرفة وموسى وآخرون كثيرون، وفى الأدب والفكر العقاد وطه حسين وسلامة موسى ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، وفى الشعر حافظ وشوقى ومحمود غنيم وصلاح عبدالصبور وكثيرون آخرون، وفى الفن سيدة الغناء العربى التى لم تُسبق ولم تُلحق، السيدة الرائعة أم كلثوم التى أصغى ويصغى لها كل ناطق بالعربية من المحيط إلى الخليج والتى لا تمر ساعة من ليل أو نهار على طول هذه المنطقة إلا وهناك من يسمعها وبعد أن ينتهى من سماع مقطوعة ما يقول: «الله... الله.... الله يرحمك يا ست».
 
وهناك من أبناء مصر فى هذه المرحلة القريبة العجيبة من تاريخها من يكسر رأس تمثال طه حسين ومن يلقى دهاناً يخفى تمثال أم كلثوم، بل هناك من يطالب بهدم الأهرام لأنها من الأوثان.
إلى هذا المدى وصل التخلف العقلى وعدم الاستنارة والظلام.
وقل حسبى الله ونعم الوكيل.. وقل عسى الله أن ينقذ مصر ولو بعد حين.
والله المستعان.

نقلا عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع