بقلم : نبيل المقدس
في الحقيقة تحمستُ وتعاطفتُ مع ثورة 25 يناير 2011 لسبب واحد لاغير .. وهي هوجة وحدة طوائف مصر التي طفت علي مجري الأحداث بين مسلميها ومسيحييها .. وخصوصا بعد عدة حوادث جرت ضد شعب الكنيسة عموما وضد رئاستها ورموزها وقتها والتي تحملت الكثير من الإهانات واللعنات علنا وعلي مرأي العالم كله , لكن بحكمة البابا شنودة جعلنا نتحلي بالصبر و بتعاليم كتابنا المقدس وشريعتنا التي لا تزيد بأي حال من الأحوال عن شريعة واحدة وهي شريعة الحب للآخر حتي درجة التسامح والغفران, فكان علينا أن نتريث علي هذه الفئة القليلة لكنها الخطيرة والتي خرجت فجأة في نهايات عهد السادات , فقد كان متعشما أنهم سوف يصبحون ندا للتكوينات الشيوعية والناصرية .. إلاّ أنها تأسدت وإزدادت قوة غير ظاهرة في منتصف المرحلة الأخيرة لعهد مبارك , فتعامل معهم بالعنف تارة وبالتودد تارة مع هذه الفئة المتأسلمة , والمتعصبين كنوع من المساومات لقبولهم فكرة التوريث التي شغلت باله وقلبت موازين القوانين والدساتير من أجل خاطر عيون تسليم السلطة لخليفته بطريقة آمنة. ثم تحمستُ لها أكثر " أي للثورة " عندما رأيت في تظاهرات التحرير أن المسيحيين يحيطون بِإخوتهم المسلمين عندما حان وقت الصلاة لحراستهم .. "لم أعرف حتي الآن مِنْ مَنْ يحرسونهم ؟" لكن واضح أنها حركة تمثيلية ليست لها اي دلالة واقعية إلا كنوع رمزي بالوحدة .. وهذا شجع المسيحيين بعمل قداس في ميدان التحرير تحت حراسة الإخوة المسلمين كرد الجميل .. وهذا جيد جدا.... ونشجعه.!!! لكن سألت نفسي في حينها : ما دخل كل هذه المظاهر الدينية في تظاهرات المفترض فيها أنها نابعة من ثورة مصرية خالصــة يساندها الجيش الذي أعطاني الآمان . ؟؟ إلا أن جاء الوقت وبدأ الفأر يلعب في عبئي بأن هناك أيد خفية بدأت فعلا تخطط وترسم في توجيه هذه الثورة إلي ثورة خومانية وإنتقامية في نفس الوقت من شعب يحب حياة الحرية وتعّود علي علي المعايشة مع الآخر بكل حب ومودة..!
لكن ببساطة شديدة تنفسنا نحن المسيحيين الصعداء , وأوهمنا أنفسنا أن عهد التعصب وليّ وإنتهي , وفينا مَنْ توقع أن سنوات الستينات والسبيعينات ربما بدأت تطل علي الشعب المصري من جديد بحلاوتها وحرياتها الشخصية بغض النظر عن المستوي الإقتصادي الذي سيلحق بالبلاد كأمر طبيعي يحدث بعد كل ثورة " هذا لو إعتبرناها ثورة " .. و لأن الشعب المصري الأصيل متدين فهو يعرف الحق لأنه يعلم تماما منذ آلاف السنين بأن معرفة الحق يحرره من أعمال الشر ويجعله شعب مُبتهج دائما و مُقبل علي حياة افضل , ولِما لا ؟ فهو صاحب اقدم حضارة في تاريخ العالم , وأول شعب تَعرّف علي مَنْ هو الحق الواحد . وإزداد حماسي أكثر وأكثر لهذه الثورة بعد قيام هذه الفئة المتأسلمة بهدم وحرق كنيسة أطفيح لجس ومعرفة رد فعل الشارع المصري وخصوصا بعد تسليم البلاد للمجلس الأعلي العسكري .. لكنها كانت صدمة كبيرة واجهت هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة ,فخرجت الجموع المصرية الأصيلة بأكملها .. المسلم قبل المسيحي بتظاهرات عظيمة متواصلة لمدة حوالي 15 يوما حول مبني ماسبيرو حتي فوجئنا بأن الرئاسة العسكرية وقتها أصدرت أوامرها بسرعة باعادة بناء الكنيسة .. لكن واضح أن إعادة الحق لأصحابه من قبل المجلس الأعلي العسكري بإعطاء الأمر لقواتنا المسلحة ببناء الكنيسة مرة أخري في غصون شهرين , أغاظت هذه الجماعات وكشفت عن وجهها القبيح فكان لا بد بأن تزيح من أمامها هذا العائق الذي يتمثل في جيشنا العظيم .. وبيني وبينكم أنا عن نفسي إزددتُ إقتناعا بأن يتولي قائد المجلس العسكري زمام امور مصر لفترة إنتقالية طويلة لحين ظهور احزاب مدنية قوية تستطيع أن تنافس هذا الفصيل الذي خرج من تحت الأرض بتنظيماته الجاهزة .
إزددتُ إيمانا وثقة في المشير وخصوصا بعد وعوده هو واركان حربه بأن ليس لديهما الإستعداد بإعادة تجربة الخوميني مرة أخري وأن مصر ستظل بلدة مدنية غير دينية ديموقراطية بحتة , وان فكرة الأحزاب التي تتخذ الدين مظلة أو خلفية لها غير مباحة . وأعْترفُ وأقرُ أنني كنت مع تولي العسكر الحكم .. وهذا ليس بجديد علينا .. فقد مرت مصر طيلة عمرها وعلي مر حياتها تحت حكم العسكر .. وبغض النظر عن السنوات ما قبل عصر النهضة , فقد كانت البلاد تحت حكام بالوراثة لكنهم كانت تعاليمهم عسكرية ومتخرجين من كليات عسكرية أجنبية .. ثم تحول الحكام من خريجي كليات عسكرية من الخارج إلي خريجي كليات عسكرية مصرية .. وكان منهم محمد نجيب , ثم جمال عبد الناصر , ثم السادات , ثم مبارك .. وكل واحد فيهم كان له بصمة واضحة وسياسة لها طعم ومذاق المصري .. لكن الأمر الوحيد الذي فاتهم وكانت سببا في هذه الكراهية الوقتية التي نمت بين الشعب والحكم العسكري كما يدعوها هو طول فترة رئاستهم .. فمنهم من تم تحديد إقامته حتي جاءته المنية والثاني مات بعد فترة نتيجة أسباب صحية وآخر تم قتله علي ايادي متأسلمين يحتلون الآن مراكز مرموقة وآخرهم عن طريق الخلع بثورة مشكوك فيها ليس لها اية هدف تم تحقيقه حتي الآن إلاّ الفوضي وعدم الإستقرار .
كنت من مناصري ترشيح الفريق أحمد شفيق للرئاسة .. ليس من منطلق أنني مسيحي ولا أريد حاكما من الإخوان , لكن من منطلق إيماني أن أغلبية رجال الدولة الناجحين كانت من المؤسسة العسكرية .. فهم كانوا علي دراية عظيمة في كيفية إختيار رجال الحكومة لإدارة شئون البلاد , وأحب أن أكرر أنني لا أتدخل في سلبياتهم , لأن السلبيات الموجودة الآن فاقت بكثير سلبيات رجال الدولة من عهد القدماء المصريين حتي هذه الحكومة والتي نعاني منها الآن .
وسبب فشل احمد شفيق هو جهود الجماعات الإسلامية في زرع الكراهية بين الجيش والشعب , عندما إكتشفوا ميول الشعب لتولي العسكر المهام .. فكانت أسهل طريقة لزرع هذه الكراهية هو توريط الجيش في مذبحة منطقتي محمد محمود ومجلس الشعب وما جري من إقتحام مفاجيء في محيط مبني ماسبيرو .. وانا من شدة ثقتي في الجيش المصري أعلنها صراحة أنه لا يُوجد عسكري جيش واحد يقبل علي نفسه أن يوجه فوهة مدفعه إلي ابن بلده المصري .. هذه هي أخلاقيات جيشنا العظيم .. لكن تورط الجيش في الأحداث السابقة هو نتيجة ضغط شديد علي رئاستها .. تورط المشير وأركان حربه .. ولم يكن أمامه إلا أن يسلم مصر إلي هؤلاء المجموعات لكي يخرجا سالمين وفي نفس الوقت يحافظا علي عدم خراب مصر بعدما ما إكشفا وجود قوة تسليح لهذه الجماعات عن طريق تكوين ميليشيات لهم لتنفيذ مآرب رؤساء جماعاتهم , فلم يريدا أن تسقط مصر في حفرة دموية ليست لها نهاية .
أخيرا كنت اشاهد مقطع فيديو من المنصورة وإذ اسمع فجأة أصوات رصاص وتكبير من الجمهور وصيحات تقول " الجيش والشعب ايد واحدة " .. تذكرت الأحداث السابقة وأنهمرت الدموع من عيناي .. بعد ما علمت من مقدم البرنامج أن الجيش وقف يصد ويدافع عن شعبه ضد حراس السلطة .
لكن بقدر ثقتي في آمانة الجيش .. إلاّ أن ثورات الجيش أصبحت اسلوب قديم لا يتماشي مع فكر شبابنا .. كل ما نرجوه هو بزوغ شباب متحضر شجاع من جيل جديد لكي يصبح آخر حلقة لمسلسل الثورة مستمرة ...!!
أخيرا .. : أعطيني " ودنك" : من فينا لا يريد تدخل الجيش لإنتشالنا من هذه المصيبة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟