إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تمنع محاكمة وتوقيف أردوغان، حالياً، ريثما يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض فيما يتعلق بمشاريعها «الغرّاقة» في الشرق الأوسط «الجديم» أي القديم-الجديد، والذي انقسم، كمؤشر على فشله، إلى قسمين قسم جديد يضم دول «الربيع العربي» إلى جانب تركيا ومعها «الربع» من الأعراب،
وقسم آخر ذاك الذي بقي خارج سرب التأثير والنفوذ الأميريكي المباشر، نقول إذا كانت تمنع ذلك، مرحلياً فإنها لا تستطيع حمايته، ومنع محاكمته، وجلبه إلى العدالة إلى ما لا نهاية، أو التستر على جرائمه الداخلية، والخارجية، مستقبلاً، والتعتيم على كافة موبقاته التي يصل بعضها حد الخيانة العظمى، ولاسيما ما يتعلق منها بقضية الانقلاب على قيم الجمهورية التركية العلمانية، ومحاولة تحويل تركيا إلى دولة دينية في انتهاك صريح ومباشر للدستور التركي التاريخي الذي أقره أتاتورك (وتعني أبو الأتراك)، كما بالنسبة للاعتقال التعسفي والجائر الذي طال عشرات الجنرالات الأتراك، الذين كان يتوقع مقاومتهم لمشاريع أردوغان الانقلابية والغادرة، وتوريطها في نزاعات إقليمية تنعكس سلباً على أمنها ومصالحها القومية العليا، وتقويض التقاليد العلمانية، والحياة السياسية التركية التي امتدت على نحو قرن كامل منذ انهيار سلالة بني عثمان في العام 1923.
وإذا استطاع أردوغان السيطرة، مؤقتاً، على الجيش، بتواطؤ من الولايات المتحدة، وحلفائها، وبالتعاون مع بعض الأعوان الإقليميين، عبر شراء ذمم، وتحييد، وتجنيد بعض جنرالات الجيش التركي، فإن هذه الأوضاع الشاذة لن تستمر إلى ما شاء الله، وسيأتي اليوم الذي يعاد فيه تصويبها، وإعادتها إلى مساراتها الطبيعية، ولاسيما في ظل تطلعات تركيا الأوروبية، نحو الاتحاد الذي لا يقبل في صفوفه، دولاً ذات هويات عرقية ومذهبية، وتطلعات توسعية، أو تلك التي تجاهر بإيديولوجيات وقيم سلطوية استبدادية تعسفية وقمعية نالت مئات الناشطين وبما لا تتفق وقيم وميثاق ودستور الاتحاد الأوروبي القائم كلياً على الاحترام، والوفاء، شكلياً، على الأقل، والالتزام بالميثاق الدولي لحقوق الإنسان الصادر في 12/12/ 1948.
وأردوغان الذي يعيش مأزقاً استراتيجياً، طبيعياً، أصلاً مع جيرانه، ومحاطاً بتنويعة غير محددة من الأعداء والخصوم الذين لا يكنون له أي قدر من الود، والاطمئنان، والركون لتطلعاته الإمبراطورية السلجوقية والعثمانية، بدءاً من سورية والعراق وإيران جنوباً، إلى أرمينيا وإيران شرقاً، أيضاً، وروسيا العظمى شمالاً، وليس انتهاء باليونان وقبرص غرباً، الذين يبادلونها ريبة، وهواجس تاريخية واستراتيجية مؤرقة، وتاريخاً أسود مظلماً وكئيباً. وزاد من محنة أردوغان تورطه بواحد من أحط وأشنع وأفظع المخططات في التاريخ السياسي للبشرية، وهو هذا العدوان الكوني-الأممي الشامل ضد سورية، عسكرياً، واقتصادياً، ودبلوماسياً. وبلغ إجرام أردوغان، وتماديه، حد سلب ونهب وقرصنة البنية الاقتصادية والإنتاجية والصناعية لمدينة حلب العاصمة الاقتصادية لسورية، وفخر تقدمها الصناعي. التي قدرت بـ 50 ملياراً من الدولارات، أي ما يعادل الخمسة تريليونات من الليرات السورية تقريباً بأسعار السوق السوداء اليوم للدولار، الأمر الذي أدى إلى إفقار وتجويع وتشريد مئات الألوف من مواطني حلب، هم عمال وأصحاب أملاّك وموظفو ومنتفعو ما يقارب الـ1500 معمل، ومصنع، ومختبر طبي، سرقها، ونهبها، وفككها، أردوغان، ونقلها إلى تركيا ليستفاد من بعضها، ويبيع الباقي، وبأقل، بكثير، من قيمتها الفعلية، كخردة معدنية بالية ومستهلكة في شوارع المدن التركية.
وبصرف النظر فيما إذا كانت هناك قوى تركية، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، قد حاولت اتخاذ خطوات قانونية ودستورية، لعزل أردوغان ومحاكمته، فإن جهات أخرى في المنطقة والإقليم، قد بدأت ذلك على نحو جدي، وفاعل بذلك، تجلـى أبرزه، في مباشرة إجراءات دعوى قضائية ضد أردوغان، وحكومة العدالة والتنمية، من قبل اتحاد غرف الصناعات السورية: «عبر توكيل إحدى أهم المنظمات الحقوقية الدولية المعتمدة في الأمم المتحدة والتي تتخذ من أوروبا مقراً لها. وهذه الدعوى هي لجميع المتضررين وغير مسيسة ولا علاقة للدولة بها ويشارك فيها اتحادات غرف التجارة والسياحة والزراعة وكذلك نقابات العمال وبعض الهيئات الحقوقية والمنظمات المدنية»، وذلك وفقاً لبيان صادر عن رئاسة الاتحاد المذكور أعلاه.
وأردوغان، هذا، في ورطة أكثر شناعة، على الصعيد الداخلي، وتعتبر بمثابة الخيانة العظمى في التراث والسلوك السياسي التركي، وهي تهمة التنكر، والانقلاب على المبادئ العلمانية للجمهورية التركية، وعقوبتها الإعدام، ولذا قام بالانقلاب على، وتدبير تهم باطلة ومفبركة شتى، لجنرالات أتراك كبار موالين وأوفياء لتلك المبادئ، وذلك بتسهيل ودعم وغض طرف أمريكي-أوروبي، لتمرير دوره في خزعبلة “الصقيع والتصحر العربي”، ولكن، كعادتهم، سرعان ما سينقلب عليه رعاته الغربيون، وليس ببعيد أن نراه على حبل المشنقة، للأسباب كلها آنفة الذكر، وهناك مثال صارخ، في التاريخ القريب، لرئيس وزراء أقل تهوراً وطيشاً من أردوغان، وهو عدنان مندريس، الذي شـُنق مع وزير خارجيته، فطين رشدي، في العام 1960، بنفس التهمة التي تواجه أردوغان، اليوم، زد عليها شقاء هذا الأخير، وجريمته الموصوفة، وإثمه الكبير، في مغامرة قرصنة وسرقة وتخريب حلب الشهباء.
وترجمة ذلك على الأرض، أن لا أحد فوق القانون الدولي، وإن وجد أردوغان من يحمي عدوانه، اليوم، واستطاع، حتى الآن، الإفلات من قبضة العدالة بسبب من معادلات وتوازنات جيوستراتيجية قائمة ومهمات أطلسية، فإنه سيفتقد كل هذا غداً، وستجد العدالة الدولية، ولا بد، مجراها، وطريقها إليه. وليس ببعيد ذاك اليوم الذي نجد فيه أردوغان، وزبانيته وأزلامه أمام المحاكم الدولية. وإن تلك المقولة السخيفة والتافهة التي كان يطلقها على أسماع المجتمع الدولي، بخصوص مصير زعامة هنا أو هناك، قد تنطبق عليه أولاً، وقد يكون، ولا غرابة، أو استغراب، أحد أولى ضحاياها الأشقياء.
إنها مفارقات القدر الساخرة، وحـِكـَمُ الزمان، التي لا توفر أحداً من أحكامها، حتى لو كان هذا الشقي الأرعن المدعو أردوغان.
نقلان عن http://thawra.alwehda.gov.sy