الأقباط متحدون - صراخ من أسفل خطوط الضغط العالي
أخر تحديث ٠٢:٠٩ | الجمعة ٨ مارس ٢٠١٣ | ٢٩ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٥٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

صراخ من أسفل خطوط الضغط العالي

بقلم: محمد حسين يونس 
أصبح الإنسان في مصر أرخص من التراب الذي يسير عليه ،وأصبحت إسالة دمه لا تهم الكثيرون، لقد زاد عدد سكان الوادي بصورة درامية، بحيث لم يعد فقد شخص أو شخصين أو عشرة أو مائة يمثل فارقا عند أغلب المصريين.
عندما طلب الشخص المختص بالأمن الصناعي نقل بوابة المنشأة التي يعمل بها بعيدًا عن خطوط كهرباء الضغط العالي بمسافة أمان خمسون مترا حفاظا علي صحة شاغليها وعدم تعرضهم لإشعاعاتها واحتمال الإصابة بالسرطان، كان رد المسئول ((مين! بتوع الأمن ! عندنا منهم كتير)). 
الرئيس لا يهمه أن يعمل مرؤوسيه في بيئة ملوثة أو يعيشون في خطر لأن من سيعجز منهم سيتم فصله وإحلاله بأخر من طوابير الانتظار. 
 
قياسات الأمن الصناعي المتعارف عليها في كل بلاد الدنيا تلقي استهانة واستهتار بها من أغلب مديري مصر المحروسة بعد أن أصبح لدينا نمط من متخذي القرار متخلفين عن زمانهم بألف سنة علي الأقل فالشخص منهم يهتم ويسرع بتقديم المعونات لإنشاء مصلية ولا يجد غرابة في اختبار خطوط مواسير جديدة بمياه ملوثة فيمرض أبناء قرية كاملة بعد أن تصيبهم الكوليرا أو الدوسينتريا، أو يتغاضي عن اختلاط مصادر مياه الشرب بمياه المجارى فيتسبب في وباء الالتهاب الكبدي أو الفشل الكلوي، عندما تناقشه تجد ضيق أفق لا يمتلكه إلا أصحاب اللحى والزبيبة يجعله يرجع هذه الأمراض لعدم كفاءة أطباء وزارة الصحة.
 
السكك الحديدية التي كانت مقياسا للانتظام والكفاءة عندما كان يديرها الانجليز تحولت الي مصدر دائم لتوريد الجثث للمستشفيات الحكومية .. كذلك الطرق، المزلقانات ،الكبارى، العبَّارات حتى الطائرات والمناطيد، غياب معايير الأمن الصناعي يجعل من استعمال المصعد، السيارة، المترو، الأدوات المنزلية مخاطرة ومصادر للخطر والإصابة والوفاة.
 
نحن نعيش بشكل دائم في خطر كمن بني عشه من القش تحت خطوط كهرباء الضغط العالي إن لم يصعق احترق وعشته، أو أثرت موجاتها علي عقله فخبل أو أصبح معرضا لشتي أنواع الأمراض المهلكة.
 لقد فقدنا كل القيم المتعارف عليها انها خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها منذ أن هبت الجماهير ترفض ذل المبارك فركب ظهرها من هو أكثر بدائية وقسوة وتخلفا من مبارك. 
 
ضباط وجنود الشرطة يطلقون الرصاص والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع علي المحتجين يسحلونهم، يحطمون ضلوعهم فيواجههم الآخرون باغتيالات وتكسير وحرق مقراتهم وعرباتهم .. المسئول يطلق فتواته وعربجيته الذين دربهم في معسكرات مليشياته العدوانية فيعرض البلاد لعصيان مدني ،خفض إنتاجية ،تدمير أدوات العمل ،سرقة الكهرباء والغاز ،الوصول الي فك شفرة محطات البث الخاصة ،بيع السولار والبنزين في السوق الموازية ،يعطل المرور ، يهاجم المصالح الحكومية ويشعل النار في أى مكان حتي لو حرق بلده بالكامل  فهو لم يعد ينتمي اليها بعد أن اغتصبها المفسدون. 
 
الحكومة والشعب أعداء تقليديين فالأولي ترفع الأسعار، تزيد الضرائب، تسرق المدخرات عن طريق تخفيض سعر العملة ، تطبع أوراق نقد ليس لها رصيد ..والناس تسرق المال العام،تتهرب من الضرائب ،تسرب البضائع دون المرور علي الجمرك .. المصري العادي أصبح عبئا علي الحكومة التي تتمني أن تستيقظ باكر لتجد 45 مليون مواطن قد اختفوا من الوجود والمصري يتمني أن يستيقظ باكر ليجد الحكومة تفترش مكانا خاصا في مكب القمامة. 
 
المواطن لا يثق في المياه التي تقدمها له الحكومة ويشترى فلاتر أو مياه معبأة في زجاجات ولا في الأخبار التي تروجها الحكومة فيذهب يتنصت علي وكالات الأنباء الأجنبية ويتسقط أخبار بلده من الآخرين  ويتقزز من اللحى النابتة التي تطل علينا من شاشات التلفزيون الحكومي تكذب ،ثم تكذب ،لتكذب دون خشية أو كسوف (( الجراد تم القضاء عليه )) وهو يتجول في غمامات فوق مدينة نصر والقاهرة الجديدة والتجمع الخامس، ((الإرهاب اختفى)) ثم يقتل مسجل خطر ضابط في قسم الشرطة ويهاجم ملثمون عربة البوليس يضربون من فيها ويدمرونها ،ويهاجم آخرون مقر أمن الدولة ويشعلون النيران فيه (( سيطرنا علي سيناء )) و الجماعات تغتال وتخطف وتسرق وتصدِّر للوادي المخدرات والأسلحة وتقيم مزادا علنيا لبيع أسلحة ترسانة ليبيا المنهوبة ،((الشارع هادئ ونظيف )) وتتحرك بين أكوام القمامة ومياه الطفح ونرى الحرائق ونعجز عن الوصول للمطار حتى لوزير خارجية الدولة التي تستعمرنا ولها فضل علي حكامنا، ((لا مساس باحتياجات الفقراء)) وطوابير العيش تنافس طوابير الحصول علي السولار أو أنابيب البوتاجاز تخرق الأعّيُن إلا أعّيُن أصحاب اللحى الكاذبين. 
 
لقد أصبح لنا قيادة بدأت يومها الأول بالكذب ولازالت تكذب وعلينا أن نجرع كأس اختياراتنا الغبية التي تصورت أن بإمكان مجموعة من كائنات عاشت عمرها في ظلام الاختباء أو السجون أن تأتي بالخير لنا ( البورصة خسرت خلال يومين 13.4 مليار جنيه لتصل إلي أدني مستوى لها )، كل ما حدث أن كابلات خطوط الضغط العالي امتدت لتظلنا جميعا وتكاد أن تسقط علينا لتحقق حلم الحكومة وتقضي علي 45 مليون مواطن.  

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter