السبت ٩ مارس ٢٠١٣ -
٢٢:
٠٦ م +02:00 EET
بقلم: مدحت بشاي
medhatbe@gmail.com
إنها المعرفة ياهووووه .. المعرفة التي تدفع أمم إلى سبل التغيير والتطوير ومن ثم تحقيق التفدم والرقي ، وغيابها الذي يودي بأمم إلى دوائر الثبات المميت ومن ثم التراجع الحضاري والتخلف ، لكن يظل أمر من تحدثوا كوكلاء عقائد وأديان ليغيبوا معارف التنوير وثقافات الحداثة ونبذها وتشويهها وفي أحيان أخرىيرون أن أصحابها إخوان الشياطين هو الأمر الأغرب ، فأين هم من آية "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ .خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ.اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ .الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ.عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " ، وهل قرأوا في الكتاب المقدس " سُبِيَ شَعْبِي لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، وَتَصِيرُ شُرَفَاؤُهُ رِجَالَ جُوعٍ، وَعَامَّتُهُ يَابِسِينَ مِنَ الْعَطَشِ".. بين استهلال القرآن الكريم بآية تحمل أمر بالمعرفة ، وآية من الكتاب المقدس تُحذر الشعوب الطاردة للمعرفة بالسبي والجوع والعطش ( السبي والجوع والعطش المعنوي هو المقصود هنا ) أيات للمعرفة هل يدرون ويتدبرون ؟! ..
هناك كلام وعبارات باتت تتكرر وتشيع ويتم ترديدها وكأنها من المسلمات والبدهيات التي لا ينبغي الاقتراب منها أو مناقشة أسباب انتشارها في الشارع المصري ، بل وللأسف يساهم في تسويقها وترويجها باعة الكلام والتنظير أصحاب الكراسي الثابتة " التبتة " أحياناً أمام كاميرات الفضائيات ، أو ملاك الأعمدة الثابتة في الصحف والمجلات ..
في بابه الثابت الشهير" سماعي " يستهل الكاتب الصحفي الكبير مفيد فوزي بالعدد الأخير بمجلته "صباح الخير" بكتابة السطر التالي " يظل فضيلة شيخ الأزهر د.أحمد الطيب من رجال الإسلام الوسطى المستنير الذى يدين به أغلب بل كل المصريين المسلمين وهو من دعاة الاعتدال ونبذ العنف" .. وأتوقف عند حكاية " الإسلام الوسطي المستنير" ، وكأن للعقائد والأديان نوعيات ودرجات وعلى المواطن اختيار أي منها للانتماء إليها أو رفض بعضها وفق ماتبشر وتدعو كل منها ، وتصنيف أتباعها من حيث درجة التسامح والطيبة والمسالمة والاستنارة ، فما معنى رجال الإسلام الوسطي والمسيحية الوسطية إلا إذا كان هناك إسلام ومسيحية ويهودية متطرفة ووسطية وملائكية رومانسية مثالية ، ولكل منها رجالها والمدافعين عن رسالتها ؟!
وفي فقرة أخرى يقول فوزي "..و بالمناسبة، د.محمود عزب مستشار شيخ الأزهر، رجل مهذب وفصيح ويجيد استخدام اللغة ويبهر الجالسين المتابعين لأحاديثه. وقد رأيته مع خيرى رمضان فى إحدى حلقات ( ممكن ) يقول «كان فيه فى العالم العربى الإسلامى - ومنه مصر - ما يسمى بالحوار الإسلامى المسيحى.. تروح الفاتيكان وتروح كنائس أوروبا ونقعد ويصوروك وتقول إحنا أخوه ويقبلوا بعض. ده مش حوار إطلاقا. الحوار احنا عملناه فى الأزهر» انتهى كلام د.عزب الذى أعتقد أنه تنقصه الدقة والموضوعية وحسن اللفظ. فالدكتور على السمان الذى يتولى أمر هذا الحوار الإسلامى المسيحى لسنوات طويلة. قد بذل مجهودا كبيرا فى «تقارب» الأديان وحوارها حتى مع اليهودية وقد عشت بنفسى لقاءً فى السربون وكان أحد فرسانه العالم الإسلامى المصرى المتحضر د.محمود زقزوق.لذلك أوجه عتابا لمحمود عزب حين يقلل من جهد تطوعى يخدم الأديان السماوية فى زمن اختلطت فيه السياسة بالدين وصار الدين فى خدمة السياسة." انتهى كلام مفيد فوزي ونذهب أيضاً لمفهوم استقرعليه مروجوه وهو " حوارالأديان " وتوجيهه اللوم لمستشار شيخ الأزهر لسخريته من حوار الأديان ورأيه الذي اعتبره فوزي إهانة للسمان على طريقة إذا ثمنت إنحازات البابا الجديد فأنت حتما تكره البابا السابق ، وأنك مادمت تكره شفيق فأنت تناصر الإخوان وهكذا وهو أمر غريب ويشوبه القصور في الفهم يستكثر على الأخر أن يكون له رأي ثالث ، ولكن نعود لحدوتة " حوارالأديان " والحقيقة أنا لا أفهم ماهية هذا الحوار ، لقد قالت "المسيحية" تعاليمها منذ أكثر من 21 قرناً من الزمان وأتباعها بالملايين في العالم و"الإسلام " أيضاً أتى بتعاليمه منذ أكثر من 14 قرناً وأتباعه أيضاً بالملايين في كل الدنيا ، فهل الحواريتم بين تعاليم ثابتة ومستقرة للتوافق على تعاليم أي منها أو تعاليم جديدة يتم الموافقة عليها ، وهو أمر بالطبع غير مقبول بشأن ثوابت إيمانية ، وحتى لو صوبنا مصطلح "حوار الأديان" بمسمى "حوار أتباع الأديان" ، فكيف لهم أن يفعلوا بعقيدة ترفض بالأساس عقيدة ويؤكدون أن المسيح لم يأت بعد ، وعقيدة تقول أنها أخر الأديان فتأتي للدنيا ديانة وعقيدة جديدة تؤكد أنه تم التبشير بها في كتاب ما قبلها ، وثالثة تقول أنه لا صليب ولا صلب ولكنه شُبه له بينما الصلب والصليب ركيزة عقائدية لدى ديانة الأخر إلى حد يمكن أن نطلق على كل ماجاء من اختلاف جوهر العقائد أنه بمثابة " الازدراء المقدس " ، وحاشا لله أن تشي الكتب المقدسة بممارسة فعل الازدراء بالمعنى المتداول لتعريف الازدراء... عشرات الاختلافات في صلب العقائد ، فعلى ماذا إذن يتحاورون ، وأرى أن من الظلم معاقبة من يقول بصحيح دينه ومعتقده ، وهنا ننتقل لمصطلح أخر " إزدراء الأديان " وهو المصطلح الذي أطالب رجال القانون والتشريع بوضع تعريف دقيق ومحدد بصدده للتفرقة بين جريمة السب والقذف وجريمة إزدراء الأديان ، فعندما يردد المواطن ما يطابق تعاليم دينه في شأن عقيدي ثابت لا ينبغي محاسبته ، أما السخرية من الرموز الدينية ذات القداسة أو الطقس الديني للأخر للتقليل والتقزيم والإهانة فهو المرفوض والذي ينبغي تجريمه لإيقاف فكرة دعم الدعوة والتبشير إنطلاقاً من السخرية بثوابت إيمانية لدى معتقدات الأخر لبيان سمو عقائد صاحب الدعوة وفق فكرة أنه بضدها تتميز الاشياء ..
ازدراء الأديان جريمة واضحة.. «النيل من عقائد الآخرين بالشكل الذى يسىء إلى هذه العقائد وأتباعها ويحيطهم بالنقائص بشكل علنى يسبب جرح مشاعرهم وتحقيرهم بين المحيطين بهم»، هل هناك فارق بين مواطن مسلم يتم توجيه الاتهام له وأخر مسيحي يتهم ، أو بين إساءة للإسلام أو المسيحية أو أى معتقد آخر يؤمن به شخص بشكل يخصه ولا يفرضه على أحد، ولا يطلب سوى احترام حقه فى حرية العقيدة، وحقه فى ممارسة الشعائر، وحقه فى الحماية من الأذى والاضطهاد بسبب عقيدته.
في هذا الصدد ، نتذكر أنه وفور ظهور الجدل حول فيلم مسىء للإسلام ، أذاعت قناة فضائية دينية إسلامية اللقطات المتداولة على موقع «يوتيوب» باعتبارها الفيلم ومدتها 14 دقيقة تقريبا، وذلك عبر برنامج غزيرالمشاهدة ، يقدمه داعية إسلامى أو شيخ، مصحوبا بتعليقات لا يكتفي بإهانة صناع الفيلم ، بل وصل حد السخرية من كل المسيحيين واحتقار عقيدتهم علنا وعلى الهواء مباشرة.
وهنا يسأل المواطن المصرى «المسيحى» لماذا تم معاقبة شاب مسيحي دفعه فضوله للبحث عن الفيلم ، وعليه ضغط على زر «شير» على موقع «يوتيوب» فنشر الفيلم على صفحته الفسبوكية التى لا يراها سوى أصدقائه.ولم يتم معاقبة الأول ولا حتى الصحفي الداعية الذي قام بتمزيق الإنجيل المقدس لدى المسيحيين أمام الكاتدرائية وحرقه !!
الأمر يحتاج لضبط مثل تلك المصطلحات وتعريفات بعضها قانونياً بدقة درءاً وسداً لمنابع الفتن وأيضاً المساواة في تطبيق عدالة القانون ..