الأقباط متحدون - أين عيـونك يا منيرة ؟
أخر تحديث ٢٢:٢٨ | الأحد ١٠ مارس ٢٠١٣ | ١ برمهات ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٦١ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

أين عيـونك يا منيرة ؟

ينبغي أن نتعرف علي سيرة منيرة ثابت ونحن نستمع إلي أغنية عبد الوهاب القديمة‏..‏ فين عيونك يا نوال التي غناها لنجاة علي إحدي بطلات أفلامه‏.‏

ورغم أن نجاة علي نفسها لم تحقق شهرة كبيرة بين المطربات لتستمر سيرتها من جيل إلي جيل, الا أن أغنية عبد الوهاب الشهيرة تقربنا من بطلتنا منيرة ثابت عميدة الصحفيات و من أوائل من نادوا بتأسيس نقابة الصحفيين المصرية.
وتبدأ القصة في عام1906 الذي شهد مولدها, لتنشأ منيرة كأبنة لمصر الجديدة وإن كنت لا أعني الحي ولكن الزمن الذي كانت فيه مصر تتقدم بخطوات ثابتة للأمام.
فبعد سنوات طفولة هادئة تنجح منيرة عام1924 عندما تصل إلي عامها الثامن عشر أن تحصل علي شهادة الثانوية وهي واقعة تبدو كفيلة بأن تجعلها تشعر بشيئ من التميز أو علي الاقل بالاختلاف بينها وبين أخريات.
وإن كنت أؤكد أن هذا الإختلاف كان طفيفا. فالناس في بر مصر المحروسة لم يكونوا يتعاملون مع الأنثي في ذلك الزمن علي أنها مجرد كيان خلف النافذة والابواب المغلقة فهذا ما حققته ثورة1919 التي كانت أول شهدائها شفيقة محمد أبنة حي الخليفة الشعبي التي كانت قد حصلت علي الشهادة الابتدائية وهبت تدافع عن استقلال بلدها فتلقت بصدرها الرصاص في أول مظاهرات الثورة.

أما ما يجعل منيرة تختلف فهو تصميمها علي الكتابة لسعد زغلول زعيم الأمة المصرية في نفس عام حصولها علي الثانوية العامة لتبلغه بكل جسارة بأن البرلمان قد أخطأ حين غابت المرأة المصرية عن المشهد السياسي كناخبة وكمرشحة.
وتكتب منيرة هذا الرأي في رسالة مفتوحة تقرأ أمام أعضاءالبرلمان ليتضح أمام كبار السياسيين أنها لفتاة في مقتبل العمر كل أحلامها كان الالتحاق بمدرسة الحقوق الفرنسية. وإن كان الطموح هذه المرة لا يمكن أن يحسب ضمن الطموحات المتواضعة أو المعتادة.
فما تريده منيرة أن تحصل علي ليسانس الحقوق لتكون أول فتاة مصرية تحصل علي ليسانس الحقوق الفرنسية وتقف أمام المحاكم المختلطة لتثبت حقوقا للمصريين حتي ولو كانت لغة الدفاع هي لغة مدرستها الفرنسية.

وهي بذلك تكون قد حققت نوعا من الاشباع الشخصي لطموحها وهو ما كان يكفيها لتلتفت إلي حياتها الخاصة والإجتماعية, الا أن الغضب الذي استشعرته سلطات الاحتلال من المحامية الشابة التي تبحث عن حقوق المصريين قد جعل أحلامها تتوهج لتبحث عن إضافة أخري ورحلة جديدة مع القلم.
فالصحافة كانت الخطوة التالية وربما كانت هي قدرها الذي ينتظرها وتنتظره, والصحافة لم تكن وقتها مجرد مهنة تقليدية, فهي من منطقها الخاص خواطر ثائرة ولهذا أختارتها عنوان لمقالاتها التي كانت أهم ما يميز جريدة الأمل التي أصدرتها بجهودها الذاتية بالفرنسية ثم بالعربية.
وتنجح منيرة في إثبات هويتها الجديدة وتنافس كبار الصحفيين في زمنها, ومنهم فكري أباظة وعبد القادر حمزة الذي أرتبطت به كقارئة وزميلة وزوج يقدر أحلام زوجته والتي كان ضمنها إنشاء نقابة للصحفيين المصريين. فهذه النقابة كانت مجرد فكرة لجمع أبناء المهنة التي وجدت في بر مصر أرضا خصبة ووجدت في كتابات الجورنالجية مجالا أخرا للمعرفة والتنوير و متابعة الأخبار وتأكيد الهوية الوطنية بشكل لا يقل أهمية عن كبار الكتاب الذين كانوا يتقنون فن الكتابات الأدبية التي عرفتها مصر منذ تأسيس مطبعة بولاق,

وخطوة خطوة وبالتدريج وجدت منيرة صدي لصوتها في المجتمع عقب عدة حملات صحفية رأت فيها تصحيحا لمسار الأسرة المصرية وتنبأت فيها بنجاح المجتمع. وأصبحت منيرة كاتبة لافتتاحيات الأهرام بتفويض وتدعيم من الصحفي الكبير أنطون الجميل رئيس تحرير الاهرام الذي جعل من جريدته حديث كل بيت مصري في الأربعينات بتوجهاته الإجتماعية والسياسية المتوازنة والتي صاغت عقدا فريدا بين القارئ المصري والاهرام قبل زمن تولي الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل رئاسة التحرير.

والواقع أنه صعب جدا أن نحصر ما قدمته منيرة ثابت من انفرادات صحفية وإجتماعية وإن كانت النهاية حزينة للغاية. ففي نهاية المشوار الذي ينتظر فيه كل إنسان أن يجني ثمار العمر كانت جريدة الامل قد واجهت منافسة كبيرة جعلها تتقهقر في حدود المجلة بعد أن فشلت في المنافسة. وكانت الديون تثقل كاهل منيرة ووسط هذا التقهقر أصيبت بالعمي وهي صاحبة أجمل عيون فلم تجد مع تغير الحياة من يريد أن يتذكرها أو أن يمنحها بدافع الشفقة مقعدا في شارع الصحافة.
صحيح أن النهاية صعبة فمن كان يتصور أن تبتلي منيرة كل هذه الابتلاءات التي تقبلتها في صمت ومن كان يظن أنه في يوم من الأيام تسأل إحدي المذيعات عن صاحبة جريدة الأمل فلا يتعرف أحد علي صورتها أو تاريخها.

الا أن الأمل لا يموت.... فقد تخفت سيرة منيرة وقد تلمع الا أن جيلا طويلا من الصحفيات والنقابيات المصريات مدينات لصاحبة العيون الواثقة التي ذهب بصرها ولم تذهب ذكراها ونعيد حكي سيرتها اليوم ونحن علي أبواب إنتخابات نقابة الصحفيين التي كانت لها الفضل بعد الله تعالي في تأسيسها.

نقلان عن الاهرام


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع