الأقباط متحدون - الحِلم بين الكتاب والشعراء والساسة
أخر تحديث ٠٤:٤٠ | الأحد ١٧ مارس ٢٠١٣ | ٨برمهات ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٦٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الحِلم بين الكتاب والشعراء والساسة

بقلم : فاروق عطية
أتذكر أننى حين عرّفتكم بنفسى لأول مرة أننى قلت: أنا عمكم أبو العربى, كاتب عجوز قد تعدى عمرى السبعين, ولكنى لن أبح لكم بكم من السنين حتى لا يظن البعض أننى قد بلغت من العمر أرزله, وما أقوله مجرد تخاريف رجل هك او بعض توهان رجل مسن لا يقدر لما يقول معنى. ومع ذلك فانا لست بهذا الكبر فلم أعاصر الخديوى عبد الشكور ولا الخديوى عبد السميع, ولم أعى فحت القنال أو هوجة عرابى ولا أدبيات عبدالله النديم. وما اتذكره أننى عاصرت جلالة الملك المعظم فاروق الاول ملك مصر والسودان فى الصغر, وأننى سرت فى المظاهرات هاتفا الاستقلال التام أوالموت الزؤام, ولوانى لا أدرى ما هوالموت الزؤام فى الصبا, وعاصرت سلاطين المماليك الجديدة فى الشباب وحتى الكبر ـ أقصد الجمهوريات ـ فأحيانا يختلط علىّ الأمر بين الجمهوريات وعصر المماليك لما بينهما من تشابه من حيث عبرة التاريخ. فقد اتسم عصر المماليك ببقاء السلطان جاثما على عرش السلطانية حتى يقوم عليه مملوك آخر أكثر قوة ويعلقه على باب زويلة ويتسلطن بدلا منه إلى أن يُفعل به كما فَعل هو بسابقه,  وهذا أيضا ما لاحظته على عصر الجملوكيات. فقد ظل نجيب فى السلطة حتى اعتقله ناصر وحدد إقامته بقصر زينب الوكيل, وظل حبيسا إلى أن  توفاه الله. وتسلطن ناصر على العرش حتى مات متأثرا بنكسة يونيو التى قضت عليه, أو كما تقول أم العربى فى خبث أنه مات مسموما بنفس السم الذى دسه للمشير عامر. بعده تسلم السلطان أنور السادات السلطانية وظل متسلطنا حتى اغتيل فى يوم المنصة الشهير. كما ظل المخلوع ينهش فى لحمنا وعظامنا حتى انخلع بفعل الفورة الشبابية التى ركبها ألأخوان المسممين كما يُركب الحمار, ولا أدرى ما تخبئه الأيام والليالى للسلطان الحالى الموكوس الذى أحال أحلامنا إلى كابوس, الستم معى أنه عصر مملوكى جديد لم نخطط لبدايته ولا ندرى ما هى نهايته..!! قلت أيضا أننى رجل حالم أى كثير الأحلام أحلم بالطبع دائما وانا نائم واحلم كثيرا وانا متيقظ وأحيانا أحلم وأنا أحلم فيختلط على الأمر فلا أدرى إذا كان ما يحدث أمامى وما أراه حقيقى أو أضغاث أحلام..! وفى هذه الأيام التى يكتنفها الغموض لا أدرى إذا ما كان ما أراه أحلاما أم كوابيس.

رحت أفكر فى الأمر مليا, لماذا أنا هكذا؟ أهو مرض وراثى أم السحلية مرت على رأسى أثناء الطفولة؟ وهل أنا الكاتب الحالم الوحيد أم هناك مثلى الكثير؟ وبعد الفحص والمحص واللتفكير إكتشفت أن معظم الكتاب إن لم يكن كلهم حالمون. فعلى سبيل المثال لا الحصر: الكاتب المعروف حمدى قنديل الذى يكتب تحت عنوان قلم رصاص هو أيضا رجل حالم فهو يتصور أن كلماته التى يخطها تنطلق من قلمه كالرصاص فتصيب معارضيه فى مقتل, لدرجة أننى حين أقرأ مقالاته أضع الصفحة بعيدا عن رأسى وقلبى توقيا لرصاصاته التى اكتشفت فى النهاية أنها رصاصات فشنك لا تضر ولا تؤذى, مجرد سبوبة يتعايش من طلقاتها.  أيضا زميلنا الكاتب المهجرى أكرم سليم الذى يكتب تحت عنوان رصاصة حبر هوأيضا كاتب حالم يتصور أنه لا يحمل قلما إنما يحمل مسدسا يرش على القراء طلقات من الحبر ليصدمهم فى أفكارهم علهم يستيقظون, وعندما تعييه الحيل فى ذلك يلجأ إلى الهمز والرمز فى حمورياته فيجعل الحمار يتكلم بدلا من النهيق ولكن لا حياة لمن يتادى وفى النهاية اكتشفت أن رصاصاته من الحبر الأبيض كالحليب الذى لا يؤذى ولا يضر.

أما الشعراء فهم أيضا حالمون فعلى سبيل المثال لا الحصر, نرى عنترة بن شداد يتقمص دور الطبيب الحاصل على زمالة الجراحين البريطانية فيقول:" وسيفى كان فى الهيجا طبيبا ... يداوى رأس من يشكوالصداعَ". وشاعرنا العكروت أبونواس يتقمص دور فرويد فى تفسير الأحلام فيقول:"رأيتك فى المنام تشُد حلّى... وتفسير المنام فيك أفش غلّى", ولم يكتف بتقمص شخصية فرويد فقط بل يعارض نظرية الجاذبية لنيوتن حين يأمره هارون الرشيد بالنوم بعيدا عن غلامه أبى طوق ويُضبط متلبثا بمضاجعةغلامه فيقول:"هزنى الشوق إلى إبى طوق ... فتدحرجت من تحت إلى فوق". أما شاعرنا الحالم أبوالطيب المتنبى فقد جعل منهل الماء ذو مشاعر وأحاسيس إنسانية حيث قال:"إذا اشتاقت الخيل المناهل أعرضت ..   عن الماء فاشتاقت إليها المناهل".

 أما الساسة فكلهم حالمون طامحون بل طامعون, كل يرغب فى السلطة والجاه والصولجان, حتى السيئ الرقيص الدكتور الشيخ الحاج الباشمهندزمرسى العياط ذلك الاستبن الأبله الذى جاء للسلطة بالصدفة البحتة وبدون سابق إنذار, نراه رغم جلوسه على أعظم العروش منذ فجر التاريح ـ عرش مصر ـ الذى جلس عليه مينا وسنوسرت وزوسر وأحمس وتحتمس وأمنحوتب وإخناتون وحتشبسوت وخوفو وخفرع ومن كاو رع وكليوباترا وصلاح الدين وشجرة الدر وأيبك ومحمد على وعائلته العلوية من الخديوى عبد الصبور حتى مليكنا المعظم فاروق( لم أذكر الملك أحمد فؤاد الثانى لأنه تملك طفلا قبل الخلع ولم تطأ مؤخرته عرش مصر), كما جلس عليه بعد حركةالضباط ناصر والسادات ومبارك ـ فهولا يحس بعظمة وقيمة هذا العرش ويحلم بالجلوس على عرش الخلافة ليكون أميرا للمؤمنين ويبحث لنفسه عن لقب للخلافة يلقب به كعادة الخلفاء ويسرنى أن أهديه اللقب المناسب لشخصيته ألا وهو  أمير المؤمنين أعوذ بالله مرسى العياط. هو يحلم بعودة الخلافة منتظرا تعثر بغلة فى العراق ليقيل عثرتها أومجاهدة نكاح تونسية ذهبت لسوريا للجهاد نكاحا بين صناديد الجيش الحر وبعد جهادها المقدس مع فريق منهم لم يدفعوا لها أجرها فتصيح وا مرساه فيهب لنجدتها, ويحلم بدوام فتح الأنفاق بين مصر وغزة لتهريب التموين المدعّم المسروق من أفواه المصريين والسولار المهرب رغم تقاتل المصريين للحصول على قطرات منه, والسيارات التى دفع فيها مالكيها دم قلوبهم وسرقت وتهرب جهارا نهارا خلال تلك الأنفاق, غير والسلاح والمخدرات والإرهابيين الذين يعبرون منها إلى مصر لتخريبها, ولا يرى فى ذلك غضاضة لأنها ذو فائدة  تعود على أهله وعشيرته.

ورغم ذلك فسأظل أحلم, أحلم بشعوب تهب من الخليج إلى المحيط تطرح عنها ثياب الذل والخنوع وتطالب بالديموقراطية المستحقة والحقيقية، ننتزعها بأيدينا من مماليكنا بدلا من فرضها علينا ممن يطمع فى ثرواتنا. إننى أحلم وسأظل أحلم إلى أن تدب الروح فى الجثة الهامدة وتعود الديموقراطية من جديد.
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter