بقلم : نجيب جبرائيل
عام قد مضى على رحيل شخصية عاشت وسوف تعيش فى قلوبنا جميعا بصرف النظر عن اختلاف معتقداتنا وثقافتنا وانتماءاتنا ومذاهبنا ومدارسنا الفكرية والسياسية وهى تلك الشخصية الكارزمية والتى ظهر واذهل العالم كله حين خرج ملايين المصريين يشيعونه الى مسواة الاخير .
لقد ولد البابا شنودة الثالث فى مارس 1923 فى قرية سلام وهى احدى قرى محافظة اسيوط . ومنذ ان اشرقت عينيه على ضوء شمس الحياة كان محروما من ام حيث فقدها اثناء ولادته فقد شبع من حنان الام بالحنان الروحى الذى اصبغة الله عليه فلم يعد محروما وانطلق الى الحياة مثابرا وعضاميا وكان منذ نعومة اظفاره مجتهدا وسابقا لعصره بين اقرانه وكان يقلب الكتب ويفتش فيها وهو غض صغير فانتظم الشعر وكان يجيده وينتظمه بكافة قوافيه كأهل الشعراء بل كان يذهب من شبرا الى باب الخلق حيث دار الوثائق لينهل من الشعر العربى وقوافيه حتى استطاع ان يؤلف عشرات القصائد من الشعر الروحى وكان الاول بين اقرانه فى كلية الاداب . ثم التحق واصبح عضوا فى نقابة الصحفيين ولا ننسى ان البابا شنودة كان ضابطا احتياطيا فى القوات المسلحة حتى انه لم ينسى الجنود والضباط فكان حريص على زيارتهم بين الحين والاخر على جبهة القتال على خط القناة .
وحينما شعر البابا شنودة الثالث بعد تخرجه من كلية الاداب وقضاء خدمته العسكرية والتحاقه كمدرس باحدى المدارس الثانونية استشعر ان هناك من دعوة من الله لان تكون حياته فى خدمة الله فذهب على الفور وترهبن باحدى اديرة وادى النطرون .
وحتى عندما اصبح البابا شنودة راهبا فى الدير لم يكتفى بزهد وتقشف الحياة الديرية بل اكثر من ذلك ذهب متوحدا فى قلاية على بعد 13 كيلو متر فى قلب الصحراء من الدير متوحدا يطوى ليللا ونهارا سوى لقمة يابسة وقليل من الماء لان الرهبنة تعرف فى جملة واحدة وهو الانحلال من الكل والاتحاد بالواحد , وظل هكذا البابا شنودة حتى اختاره البابا كيرلس السادس ليكون اسقفا للتعليم فكان يحج اليه الالاف ليسمعون عظته فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية واستمر معلما ومرشدا حتى اختاره الله ليجلس على كرسى القديس مرقس وليكون بابا الاسكندرية وبطريرك للكرازة المرقسية خلفا للقديس الراحل البابا كيرلس السادس فى نوفمبر عام 1971 ومنذ ان اعتلى البابا شنودة الثالث الكرسى المرقسى وانتشرت الكنائس المصرية القبطية الارثوذكسية فى سائر انحاء العام فامتدت من امريكا الشمالية الى البرازيل فى امريكا الجنوبية ومن غرب اروروبا فى فرنسا وهولندا الى شرقها فى المجر ورومانيا ومن شمال افريقا فى ليبيا حتى شرقها فى كنيا واثيوبيا والسودان وفى منطقة الخليج وقام بتعمير الاديرة واعادة بناء اديرة جديدة ووجد فى فترة اعتقاله والتحفظ عليه من قبل الرئيس الراحل انور السادات لمدة تزيد عن ثلاثة سنوات واربعة اشهر فرصة ذهبية للتأليف وتعمير الاديرة وكان الغائب الحاضر فى تلك الفترة فى قلوب كل المصريين فكان مع وجود السادات ومن بعده فى عصر مبارك كان كبار الساسة والوزراء يزرونه فى الدير ويتمتعون بلقاءاته وبحلو حديثه الى ان افرج عنه .
وكان للبابا شنودة مواقف وطنية ليس على مستوى الكنيسة فحسب وانما على مستوى القضايا القومية فكان مناصرا لقضية القدس والقضية الفلسطينية فهو الذى اصدر قرارا بحظر سفر الاقباط للقدس الا بعد جلاء الاحتلال الاسرائيلى منها الذى كان مناصرا للقضايا العربية والافريقية حتى عرف فى منطقة الخليج بلقب " بابا العرب " .
اما اهم ما يميز سيرة وحياة البابا شنودة الثالث انه كان على علاقة حميمة ووثيقة بمشيخة الازهر عبر ائمتها الافاضل فكان شيخ الازهر وبا با الاسكندرية هما صماما الامان لكل مشكلة تحاول ان تعصف بالوحدة الوطنية ولعلنا نختم تلك السيرة العطرة لقداسة البابا الراحل البابا شنودة الثالث بقوله المأثور والخالد " ان مصر ليس وطنا نعيش فيه وانما هى وطنا يعيش فينا .