بقلم يوسف سيدهم
اليوم يمر عام علي رحيل طيب الذكر المتنيح البابا شنودة الثالث عن عالمنا...عام انصرم منذ وقفت مصر والكنيسة متألمة دامعة علي رحيل قداسة البابا وفقدان قيمة عظيمة للمحبة والحكمة والوطنية...
اليوم يمر عام علي رحيل طيب الذكر المتنيح البابا شنودة الثالث عن عالمنا...عام انصرم منذ وقفت مصر والكنيسة متألمة دامعة علي رحيل قداسة البابا وفقدان قيمة عظيمة للمحبة والحكمة والوطنية....وقتها تندرت كل أوساط المصريين علي رصيد إنجازات البابا شنودة عبر أربعين سنة من حبريته تماما مثلما تندرت علي رصيد المحبة العميقة الذي يحمله له الشعب المصري -بل والشعب العربي-والذي منحه عن حق وجدارة لقب البابا مصر وبابا العرب...بل الأكثر من هذا وذاك تندرت مصر علي الكنيسة نفسها مشفقة عليها من خسارة البابا شنودة وصعوبة تعويضه في شخص وسمات من يخلفه علي الكرسي المرقسي.
مررنا بكل ذلك وشاركنا الجميع مشاعر الألم والخسارة علاوة علي مشاعر الفخر تجاه التقدير الجم الممنوح للبابا الراحل,كما لم نخف نحن أيضا مشاعر القلق والترقب إزاء المسار الذي ستسلكه الكنيسة نحو اختيار البابا الجديد...ذلك المسار الذي امتد نحو ثمانية أشهر مرت طويلة عصيبة لم تخل من التحديات والعواصف,لكن كانت السماء قد رتبت الربان الماهر الحكيم الذي قاد سفينة الكنيسة بكل حنكة وحكمة وسط الأنواء حتي وصل بها إلي بر الأمان.وإذا كنت أقول الربان الماهر الحكيم فأنا أقصد نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس القائمقام البطريركي,فسوف يسطر تاريخ باباوات الكنيسة كيف أدار نيافة الأنبا باخوميوس دفة الأمور خلال فترة قيادته للكنيسة بين رحيل طيب الذكر البابا شنودة وارتقاء قداسة البابا تواضروس الثاني للسدة المرقسية.فترة اتسمت بمزيج نادر من الحكمة والمحبة والكرامة والحرص علي الشفافية والديموقراطية والاستماع إلي شتي الآراء واستيعاب سائر التيارات..تلك السمات شكلت توليفة رائعة لكيفية إدارة الأمور وأوصلت الكنيسة إلي بر الأمان لتختتم دورها الأرضي نحو اختيار البابا الجديد بانتخابات نموذجية أشادت بها مصر والعالم-ولايمكن ذكرها دون التعبير عن التقدير والعرفان لمهندسها القدير نيافة الأنبا بولا-قبل أن نترك الأمر برمته للسماء لتعلن مشيئتها في الطقس الروحي العظيم للقرعة الهيكلية التي أتت بقداسة البابا تواضروس الثاني إلي الكرسي المرقسي.
ولعل المناسبة جاءت ونحن نذكر البابا شنودة بعد عام علي رحيله أن نسجل أمرين:الأول أن الذكري تحل وقد تغلبت مشاعر العزاء والتقدير والفرح علي مشاعر الألم والخسارة,والثاني أن مشاعر القلق والتوجس ممن يكون البابا الجديد سرعان ما بددها البابا تواضروس بمحبته وبساطته وتلقائيته وعذوبة حديثه وإسراعه إلي احتضان واحتواء جميع الكنائس الأمر الذي أشاع جوا من الأمل والتفاؤل في وقت عز فيه الأمل والتفاؤل.
أين مصر من كل هذا الذي ميز المرحلة الانتقالية للكنيسة؟...هذا هو مربط الفرس في هذا المقال...إذ أنظر إلي أحوال مصر في مرحلتها الانتقالية بعد عامين ويزيد علي ثورتها تغمرني مشاعر الحسرة والأسي والمرارة علي ما وصلت إليه من ترد وانقسام,والمقارنة بين ما سجلته من معايير سادت في المرحلة الانتقالية التي مرت بها الكنيسة وتلك التي سادت-وتستمر تسود-في المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر,مقارنة قاسية تفضح كيف أن مصر تعوزها الحكمة والبصيرة لدي النخبة التي تقبض علي مقدرات الأمور وتستحوذ علي السلطة,الأمر الذي أوصلنا إلي الوضع الكارثي الذي نحن فيه سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
وإن أنسي لا أنسي قول نيافة الأنبا باخوميوس وهو يرسخ المبادئ التي سار عليها:يجب علي أن أقبل الجميع,والأكثر من هذا يجب علي أن أحرص علي عودة من لا يوفق إلي موقعه السابق بلا كرامة منقوصة...قالها الأنبا باخوميوس ولم يقف عند التشدق بالقول بل فعلها ونفذها...كم من كلام معسول سمعناه من الرئيس مرسي وحزبه وجماعته وعشيرته,ثم بحثنا عنه علي أرض الواقع فلم نجد له أثرا,بل صدمنا بتنفيذ نقيضه تماما...للأسف تبخرت الوعود بأن يكون رئيسا لكل المصريين وتحطمت الآمال بالعمل علي إعلاء الصالح الوطني وترسيخ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية,وتردت مصر نحو أدني مستويات الصراع والانقسام بسبب الشهية الجامحة نحو الهيمنة والاستحواذ والانفراد بالسلطة وتأمين البقاء فيها.
لك الله يا مصر...أين أنت في مرحلتك الانتقالية من كنيستك في مرحلتها الانتقالية؟!!