الأقباط متحدون - قداسة البابا شنودة قديس عملاق أثمرته البيداء
أخر تحديث ٠٠:٣٨ | الأحد ١٧ مارس ٢٠١٣ | ٨برمهات ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٦٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

"قداسة البابا شنودة" قديس عملاق أثمرته البيداء


"قداسة البابا شنودة" قديس عملاق أثمرته البيداء

بقلم / حنان بديع ساويرس

الكتاب المقدس يقول " كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبى بين البنين" فدائماً تنبت الورود من بين الأشواك وهكذا أثمرت لنا الصحراء "قداسة البابا

شنودة" فكما لم تتأثر الورود بهذه الأشواك وتخرج لنا شامخة تتباهى بجمالها ونضارتها وتُمتعنا بها وكما لم تؤثر الأشواك فى رحيق وعبير الورود لنتنسمه فنتنفس الصعداء ، هكذا أيضاً لم يتأثر هذا الراهب الزاهد بالصحراء ويفقد روحه الحُلوة البسيطة كما لم تؤثر فيه البيداء ولم تستطع أن تفقده إبتسامته البريئة التى تخرج من قلبه الأبيض الذى غسله الرب فأصبح كالثلج كما قال المزمزر " أغسلنى فأبيض أكثر من الثلج" ولكن كثيراً ما كانت إبتسامته لإخفاء أحزانه

وأوجاعه ،فقد قال قداسته من قبل فى إحدى الحوارات التليفزيونية معه عندما سألوه عن إبتسامته فعلق قائلاً " ما إبتسامتى إلا لوناً من دموعى" فقد توقفت كثيراً عند هذه الجملة لأتأملها لأعرف ما المَقصِد منها ، فهل كان قداسته يبتسم ليخفى عنا هموم قلبه فيحملها على عاتقه دون شريك ، أم أنه كان يبتسم إبتسامة المجروح الذى يتمزق من داخله ليخفف عن أحبائه ، فرغم أن قداسته كان دائماً مُشرق الوجه ومبُتسماً فى وجوهنا إلا أنه كثيراً ما تغلبت دموعه على إبتسامته من فرط الآلام والضيقات التى كانت تصيب أبناؤه وكنيسته ، فكم من آلام مرت بهذا الرجل الذى وصفه الكثيرين بأنه "جبل شامخ لا يتزعزع"

فكانت هذه الآلام تثقله وتزيده قداسة "فالذهب يُنقى بالنار" فقد ولد البابا يتيم الأم وكان هذا له أكبر الاثر فى تكوين شخصيته والتى جعلته حساس ومُرهف المشاعر بل ربما يكون هذا الحدث هو العامل الأساسى الذى جعله يتجه لسلك الرهبنة ، فشعر أن الحياة لا تستحق أن يلهو بها الإنسان مُبتعداً عن الله وأن
حياة الإنسان كما ردد قداسته كثيراً فى عظاته ماهى إلا بخاراً يأتى قليلاً ثم يضمحل، ففعل كما صرح فى أحد أشعاره عندما قال

      * تركت مفاتن الدنيا *** ولم أحفل بناديها                *ورحت أجر ترحالى  ***  بعيداً
عن ملاهيها"   
ما فعل أيضاً الأنبا بولا عندما رأى والده الذى كان يملأ الدنيا "حياة" راقداً أمامه بلا حراك بعد أن فارقته الروح فذهب ليتوحد فى الصحراء إلى أن أصبح القديس العظيم الأنبا بولا أول السواح فقداسة البابا أيضاً عاش متوحداً بالصحراء نحو أكثر من خمس سنوات ليخرج لنا قديس عظيم من السواح

ليعده الرب لرعاية شعبه فهرب من الأبوة الجسدانية فأعطاه الرب أن يكون أباً روحياً لملايين فهرب من الكرامة والأبوة فتبعته ، فبكى عليه الملايين بالخارج والداخل ، أقباط ومُسلمين ،  فخرج لنا هذا العملاق من الصحراء وقد أعده الرب بصفات ومواهب عديدة فتسلم الكنيسة عام 1971 بعد نياحة

قداسة البابا كيرلس السادس والذى كان عصره عصر مُعجزات ، فقد إلتف الناس حول الكنيسة بعد الكثير من سنوات الفتور الروحى والإبتعاد عنها ،وكانت المرحلة التى يعد لها الرب بعد ذلك هى أن يتعلم الشعب المسيحى ويقرأ بالكتاب المُقدس حتى لا يكون إيمانه مُرتبط بالمُعجزات فقط وإعتماده الوحيد عليها حتى يُصبح إيمان ثابت وقويم ولاتزعزعه الرياح  لذلك جهز الله الراهب أنطونيوس السريانى ليكون أول أسقفاً للتعليم بإرشاد من الروح القدس لقداسة البابا كيرلس وبالفعل إمتلأت الدنيا من تعاليمه وكتبه وأشعاره وتفسيراته وإجاباته عن إستفسارات وأسئلة الناس لسنوات طويلة والذى قام

بتجميعها فى سلسلة من الكتب لتكون مرجع لنا تنتفع به كل الأجيال وقد أشتهر قداسته بجملة " أمحو الذنب بالتعليم" فقيل عنه أنه ذهبى الفم وهذا لروعة وعظمة تعاليمه وتأملاته كما كان القديس يوحنا الشهير "بفم الذهب" وقالوا عنه أيضاً أثناسيوس القرن العشرين ومعروف أن البابا أثناسيوس مُلقب

"بحامى الأيمان" نظراً لتصديه للبدع والهرطقات الأريوسية وقد تصدى قداسة البابا شنودة لكثير من البدع ولاسيما مايمس صُلب العقيدة ، كما تصدى لكل من أراد تغيير فى تعاليم السيد المسيح كأمر" شريعة الزوجة الواحدة والطلاق فى المسيحية" وكما تعرض البابا أثناسيوس للإضطهادات والنفى

وتلفيق التهم ضده لدرجة أنه قيل له " العالم ضدك يا أثناسيوس وكان يرد عليهم بإيمان وثقة مُتمسكاً بما سلمه الرب له من إيمان أقول كان يقول "وأنا ضد العالم" وأيضاً تحمل قداسة البابا شنودة كما تحمل البابا أثناسيوس الرسولى وكان العالم ضد قداسته وكان هو أيضاً ضد العالم فلم يرضخ لأى كائن

ماكان حاول تغيير العقيدة بل صمد وتحمل الإضطهادات من خارج وداخل الكنيسة فلا استطع أن أستعب كيف كانت تكمن هذه الصفات العدة فى قداسته وكيف جمعها الرب فى شخص واحد أى شخص قداسته ، فكان شاعراً عظيماً ، وأديباً مُميزاً وصحفى لبق وراهباً ناسكاً زاهداً فى الحياة كما أتعجب

لسرعة بديهته فعندما كان يحاول أحد الإعلاميين إحراج قداسته بسؤالاً ما إلا ونُفاجأ به يرد رداً تلقائياً  يعجز معه الإعلامى عن الصمود فى مراوغته ، كان وطنياً من طراز فريد فتعلمنا منه كيف نحب مصر.. لذلك أحبته مصر ، فلم أنسى عندما سألت الإعلامية أمينة أباظة فى حوار لى معها خاص بقداسته بعد إنتقاله مُباشرة وقلت لها ما هو شعورك بعد نياحة البابا فقالت لى بتلقائية عجيبة وبدون تفكير " البابا شنودة أجمل ما فى مصر ، اللى راح من مصر ، اللى راح مننا " فقد أحبه الصغير قبل الكبير ، سواء من تعاملوا أو تقابلوا معه أو من لم يرونه بشكل مُباشر !!                   
 
  فلم يكن حبه لمصر مُجرد  شعارات بل كان فعل وعمل ومواقف حقيقية ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر.. فهو من تدخل لحل مُشكلة مياه النيل بين مصر وأثيوبيا ولا سيما بعد الثورة فى يوليو من العام قبل المُنصرم عندما أرادوا بناء سدود بالنيل مما كان يُنذر مصر بمجاعة والذى بدون تدخله لجفت

الأفواه التى كانت مفتوحة كالقبور العَفِنة لتسب قداسته أمام الكاتدرائية من خائنى مصر وكم من مرة يرفض تدويل القضية القبطية من أجل عيون هذا البلد الذى عشقه بخلاف موقفه المعروف من منع زيارة الأقباط للقدس فقد رأينا فيه أبوة إبراهيم ، وطاعة إسحق ، ورئاسة يعقوب ، وملك يوسف ، وقيادة موسى ، ونصرة يشوع ، ومسحة وكهنوت صموئيل ، وشاعرية داود ، وحكمة سليمان وقوة إيليا ، ونعمة إليشع ونبوة إشعياء ، فهكذا أثمرت لنا البيداء قديس وعملاق عظيم.  
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter