الأقباط متحدون - رسائل قصيرة
أخر تحديث ١٥:٤٣ | الاربعاء ٢٠ مارس ٢٠١٣ | ١١برمهات ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٧١ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

رسائل قصيرة

بقلم: ماجد سمير
جاءته رساله على تليفونه المحمول الصوت الصادر عن استلام الرسالة جعل كل ركاب السيارة الأجرة المتجهة إلى القاهرة ينظرون له، لدرجة أن الرجل الجالس بجواره في الصف الأخير من السيارة كادت عينه أن تخترق جيبه لقراءتها ، ابدى الرجل فضولا كبيرا لم يحاول أن يخفيه، وعندما إلتقت عينيه معه ابتسم ابتسامة بلهاء وهز رأسه بطريقة مثيرة للضحك، لم يهتم بأي من الركاب، توقع أنها رسالة منها إستمرارا للغة الرسائل النصية القصيرة بينهما التي بدأت في فجر اليوم، مرعليها بمنزل جدها في مساء أمس كما طلبت منه جلسا معا بصحبة عائلتها، حميمية اللقاء معهم أسعدته فهو يحبهم جدا وتربطه بهم صداقة قديمة هو صديق إبنهم الذي هاجر منذ عدة سنوات ولم يتقابل معهم طوال الأعوام السابقة إلا مرات قليلة جدا معظمعها في المناسبات الرسمية التي تضطره للعودة إلى بلدته في وسط الصعيد.
 
مد يده في جيبه أخرج تليفونه المحمول لقراءة الرسالة وجد عيني الرجل الجالس بجوراه تتابعه بشغف شديد نظر له وسأله بهدوء :في حاجة حضرتك؟ رد الرجل بنفس الابتسامة: لا ابدا، ثم نظر أمامه، الرسالة كانت قصيرة جدا مجرد اربع كلمات  تحمل مامعناه انهما تقابلا في الوقت الخطأ، ألغى الرسالة وكتب  رقمها على الموبايل واتصل بها لم ترد فهى مستمرة في عدم الاجابة على اتصالاته، المرة الأخيرة هاتفته فجر اليوم حدثته عن اللقاء العائلي وانها تشعر بضيق شديد أخبرها أن  ابنة شقيقه تنام بجاوره بعد أصرارها على المبيت بجواره في بيت العائلة بعد تناوله العشاء مع شقيقه الاكبر الذي رفض الانتقال مع بقية العائلة إلى القاهرة وظل يقيم في الدور الأرضي في بيت العائلة المكون من ثلاثة طوابق.
 
توقفت السيارة في أحد الكمائن على طريق أسيوط الغربي/ القاهرة أخيرا ظهر رجال الشرطة  تصرفاتهم باتت شديدة الغرابة منذ ثورة 25 يناير احيانا يظهرون بقوة واحيانا يختفون تماما، الرجل الجالس بجوراه ابدى تضرره من توقف السيارة ووجود الكمين نظر له فابتسم الرجل نفس الابتسامة العجيبة التي تجعل شفته السفلى تتدلى بشكل غريب وقال : مش هايرحمونا بقا، مفهوم الرحمة الذي طلبته منه في اتصال الفجر بعد أن قال لها أنه لن يستطيع الكلام  بسبب الطفلة النائمة بجوراه كان يعني حينها عليها الانتظار ليخرج من الغرفة لاستكمال الحديث لكنها لم تنتظر صرخت فيه ارحمني بقا هو انا مش عارفة اتكلم معاك سواء هنا او في مصر واكملت الحديث بعصبية شديدة قائلة : لما تبقى عارف تتكلم اتصل بيا وانهت المكالمة، خرج إلى صالة الشقة الكائنة في الدور الثاني للمنزل اتصل بها لم ترد كرر الاتصال لأكثر من مرة احيانا كانت تغلق الخط واحيانا أخرى لاتجيب على الاتصال عاد للغرفة مرة أخرى وجلس على السرير تأمل وجه الطفلة وجدها نائمة كالملائكة وتبتسم ربما كانت تحلم سال نفسه عن نوع الحلم الذي تراه طفلة في التاسعة من عمرها،، بعدها نزل للشارع ووقف تحت منزل جدها لف حوله واتصل بها أكثر من مرة لم ترد عليه ارسل لها رسالتين متتاليتين أكد فيهما انها قاسية ولاتشعر به وتظلمه.
 
رن موبايل الرجل الجالس بجواره جاء دوره ليمارس عليه الفضول نظر له وابتسم محاولا تقليد طريقته في الابتسام ودلدل شفته السفلى  باقصى مايمكن لكنه لم يتمكن من تقليده رد الرجل بلهجة غير قاهرية " آني محمد محمود"، نفس اسم الشارع الشهير الذي جرت فيه الأحداث عقب الاعتداء على أهالي الشهداء، كان دوره في الأحداث توصيل الدواء للمستشفيات الميدانية المنتشرة في ميدان التحرير أو في كنيسة قصر الدوبارة ومسجد عمر مكرم، وذات مرة أثناء حمله الدواء للمستشفى الكائن أمام كنتاكي بالميدان وجدها أمامه تمسك في يدها فارغ قنبلة مسيلة للدموع وتقول أن محلول مكون من "الخميرة والمياه" أنسب طريقة للعلاج، كانت تقف وظهرها له لف حولها ووقف في مواجهتها ممسكا بيديه الأثنتين الحقيبة الضخمة المليئة بالأدوية وقال لها وهو يبتسم : الأدوية اللي انتو عايزينها يا دكتورة، نظرت اليه لأقل من ثانية وصرخت انت ...بعد السنين دي كلها ...وهنا مش معقول صاحب صوتها أصوات لانفجار قنايل مسيلة للدموع تلقى على المتظاهرين في شارع محمد محمود مع بعض طلقات الخرطوش وكذا صرخات المعتصمين بصوت متتابع كأن كل واحد منهم يحث من يقف بجواره على عدم التراجع قائلين: إثبت.
 
 أنهى الرجل الجالس بجواره الحديث في موبايله وابتسم نفس الابتسامة، تمنى بينه وبين نفسه أن يستطيع تقليدها، وقفت السيارة مرة أخرى في الطريق وسط زحام كبير قال السائق : قطار الواحات بيعدي فيها انتظار نصف ساعة على الأقل، أخرج موبايله و أرسل لها رسالة أكد فيها أنه يحبها ولا يستطيع العيش بدونها، ابتسم وقال لنفسه انه لم يشعر بها طوال  فترة الهدوء التي شهدتها مصر ، وأحبها بل وعشقها وسط الرصاص والقنابل والكر والفر هروبا من الداخلية أو الشرطة العسكرية. أخذت من يده حقيبة الأدوية وسلمتها لزميل لها واخذت من حقيبة أخرى موجودة على الأرض علبتي عصير وقالت أنا " بيريك" شوية ياجماعة، وأمسكت يده وسألته مبتسمة هاتقعدني فين، نظر حوله لم يجد سوى الحديقة الشهيرة وسط الميدان، الحديقة التي شهدت صراعاً بين المتظاهرين والأمن الذي حاصرها مرة بطريقة جلعت الثوار يطلقون عليهم "قوات حفظ النجيلة"، جلسا معا تأملها أصبحت أكثر جمالا وأكثر انوثة نظر في عينيها وقال لها : عنيكي حلوة قوي ..ازاي ما أخدتش بالي إلا دلوقتي، قالت : طول عمرك نظرك ضعيف...فاكر لما خالك صمم على انه يسوق العجلة وهو نظره على قده ..وخرجنا كلنا وراه ويدوب مشي كام متر خبط واحد ووقعوا على الأرض هما الأثنين بعدها قام خالك وفضل يضرب في الراجل ويقول له بلهجة أهل بلدنا اللي بنفتح فيها كل الحروف "آآآ" (ايه) اللي نزلك – مع فتح حرف الزين - من على الرصيف ...."آآآ" اللي نزلك من على الرصيف"، ضحكا من قلبيهما أمسك يدها نظر في عينيها مرة أخرى تمنى أن تفهم مشاعره دون أن يتكلم، منذ فترة كان قد قرر أن يصارحها بحبه لكنها كانت قد عقدت قرانها، الآن بعد ان رفضت اتمام الزواج لأسباب لايعلمها الوقت أصبح مناسبا للمصارحة.
 
 أخيرا تحركت السيارة مرة أخرى ولكن ببطء شديد بسبب زحام الانتظار الناتج عن مرور قطار البضاعة، نظر له الرجل الجالس بجواره وساله : هو الموبايل بتاعك صيني؟ رد مبتسما ليه هاتشتريه؟ فقال الرجل بفخر: أنا معايا عدة فيها أربع خطوط مكملا حديثه اصل أنا بشتغل ...لم يسمع أي حرف من الرجل فالحديث عن العمل كان سبب الخلاف بينهما، نظر للرجل وجد شفتيه ماتزالان تتحركان وتعبيرات وجهه توضح مدى انفعاله الشديد وهو يشرح طبيعة عمله.
 
 هى طبيبة ولها عيادة خاصة في بلدتهما وهو محامي قرر بعد أن أكمل فترة تدريبه عند أحد المحامين الكبار الانضمام لمنظمة" من حقك تعيش" تولى الدفاع عن الفلاحين والعمال والمهمشين في عدد من القضايا كسب العديد منها ضد الدولة والخصوم من علية القوم، وجد اتساقا شديدا بين مايقوم به ومبادئه وشخصيته، هو يشبه والده تماما في هذا الجانب والده الذي أخذ على عاتقه مجالا مختلفا من النضال عندما قرر تكوين فرقه مسرحية تقدم فن وثقافة وابداع لأهل الريف، كان يرى أن هؤلاء أحوج الناس للتنوير ومنهم يبدا الإصلاح الحقيقي لحال الوطن، أفاق على خبطة على كتفه من الرجل الجالس بجواره وهو يسأله عن رأيه فيما يؤدي من أعمال، أجاب –رغم عدم سمعه لأي كلمه منه-  رائع جدا، نظر من الشباك وجد أن السيارة تمر من أمام مدخل مدينة السادس من أكتوبر، هذا التاريخ الذي أعقبه بثلاثة ايام في عام 2011 حادثة ماسبيرو البشعة، أخبرته أنها ذهبت للمشاركة في الإعتصام والمطالبة بحق مينا دانيال ومايكل مسعد وبقية شهداء الوطن أخبرها انه كان متواجدا هناك كعادته في كل الاعتصامات، بعدها طالبته بفتح مكتب محاماه خاص واعتبار أن المشاركة في الاعتصامات والمطالبة بمدنية الدولة ورفض حكم العسكر وسيطرة التيار الديني نضالا وعليه أن ينظر أكثر لمصلحته، هو يرى أن راتبه من المؤسسة مع دخلها كطبيبة يكفي لبداية جيدة للحياة، هى ترفض ذلك وترى أن نجاح كل شخص على حده ماليا يعني ارتفاعا في مستوى المعيشة للوطن بأكمله.
 
صراع الرأسمالية والإشتراكية تحول إلى صراع أيديولوجي مابين عاشقين. قال السائق فجاة "حمد الله على السلامة يابهوات" وهو مامعناه على كل فرد سداد الأجرة فورا، أخرج حافظة نقوده التي تتصدرها صورتهما معا التقطها أحد المصورين الصحفيين أثناء جريهما هربا من غاز قنبلة مسيلة للدموع القيت بالقرب من المستشفى الميداني. دخلت السيارة شارع الهرم المزدحم دائما مثل عقله، تذكر سفرها منذ عشرة أيام إلى مؤتمر طبي عادت بعدها تتحدث عن مدير شركة السياحة المنظمة للمؤتمر واعجابه بها ومحاولاته المتتالية للتقرب اليها وطلبه الارتباط بها، أخبرته أنه لايعجبها كشخص بالمرة، لكنه يملك الكثير من المال وتفكير علمي وجرأة شديدة في التعامل مع النساء لفتت نظرها جدا.
 
قال الرجل الجالس بجواره للسائق : عايز أنزل عند كازينو الليل .. نفس محطة نزوله أعد حقبية ملابسه، ونزل معه الرجل سأله : انت ساكن هنا؟ رد عليه بالايجاب فقال مستمرا في الإبتسام: شايف الشوارع ...مافيش مقارنة بين هنا والبلد، هو يعتقد أنها تعيش في مقارنة هى تحبه لكنها منبهرة بمدير شركة السياحة ، تذكر انها قالت له عليه أن يحافظ عليها لأنه لو فقدها لايلومن إلا نفسه، نظر للموبايل متمنيا اتصالها أو على الاقل ارسالها رسالة تقول له انه اختيارها، نظر للرجل المستمر في الابتسام وجده يحاول عبور شارع الهرم بتردد أمسك يده وعبرا معا.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter