الأحد ٣١ مارس ٢٠١٣ -
٥٦:
٠٩ ص +02:00 EET
كتب : كمال زاخر موسى
أخشى أن تستغرقنا حالة الاحتراب السياسي إلى حد أن تترجم إلى احتراب أهلي تصمت فيه لغة الكلام ليتكلم العنف والسلاح، فماذا نحن فاعلون آنئذ، وهل يمكن ان يغفر لنا التاريخ ما اقترفته أيدينا بحق هذا الوطن؟، وهل تقوى حجج كل طرف على درأ اتهاماته أو التنصل من المسئولية، وهل يمكن أن تقوى مياه الدهر على إزالة دماء الوطن عن أيدينا، حكماً ومعارضة؟.
ظني أن اللحظة تحتاج إلى عمل جسور يقدر على كسر حالة التربص والعناد والصمم قبل أن تجرفنا لجج طوفان الاحتراب المدمر الذي يتهدد سد الاندماج التاريخي الذي يبدو أن الوهن والهرم قد نالا منه، وخضع لضغوطات تفاعيل النحر من خارج وغفلة أهله من داخل.
وهو بعيداً عن موروثات الأساطير وأبطال الحكايات التى تجسدها الشاشة الفضية "مُصَالِح" يضع يديه على المتخاصمين فيجمعهما ويردهما إلى سيرتهما الأولى، حين كان الكل فى واحد، وكانت مصر فوق الأمم وحضارتها تعلم العالم وتقوده.
لكن بين الطوباوية والواقع مساحة ومسافة تقذفان بنا بعيداً عن النهايات التقليدية لأفلام العصر الذهبى للسينما الرومانسية، خاصة فى وجود صراع المصالح وارتباكات تشابكاتها بين الداخل والخارج وغياب الشفافية والمكاشفة لدرجة أن الجزء الظاهر من اللغم العائم في مياه الوطن لا يقاس بالمختفي منه.
نحن أمام تطورات مباغتة كشفت عن عمق الأزمة لعل أبرزها صدمة ردود الفعل الرسمية لما حدث بالمقطم الجمعة 22 مارس 2013 حين أعلنت العديد من القوى السياسية المدنية مشاركتها في تظاهرات اليوم أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم تحت اسم "جمعة رد الكرامة" وذلك احتجاجا على الإعتداءات تعرض لها ناشطون شباب، والتا قام بها منتسبون لجماعة الإخوان بحسب ما سجلته فيديوهات الفضائيات وعيونها، والتى حفزت استهداف الإعلام عقبها، فى انفعال غير مسبوق ترجم إلى قرارات ضبط وإحضار لأسماء بعينها واشتعلت بورصة التكهنات ورسائل التهديد من رموز إخوانية ومن لف لفها، بل وطالت لغة الخطاب الرئاسي المتسارعة ـ على غير المتبع فى جمعات سابقة أكثر عنفاً ـ ويمكن للمراقب والمحلل ان يكتشف بغير عناء أن أمن الجماعة ـ جماعة الإخوان المسلمون ـ يأتى فى مرتبة متقدمة عن أمن الوطن، ومقاراتها قدس أقداس بما يتجاوز قيمة وثقل مؤسسات سيادية وإعلامية وربما رئاسية أيضاً، بمجرد مقارنة التفاعل الرئاسي السريع والحاد عقب تظاهرات المقطم أمام مقر مكتب الإرشاد وشبه الصمت التام إزاء حصار المحكمة الدستورية ـ الأحد 30 / 12 / 2012 ـ حيث احتشد ما يقرب من خمسة آلاف شخص أمام مقر المحكمة الدستورية بالمعادي، بحسب المصادر الرسمية، ورددوا هتافات مناوئة للمحكمة، كما اتهموا قضاتها بالسعي لـ"هدم مؤسسات الدولة المنتخبة"، إلى درجة أن مستشاري المحكمة الدستورية العليا لم يتمكنوا من الحضور إلى مقر المحكمة، بسبب الحصار المفروض عليها، ورغم فداحة ما ترتب على ذلك من تفويت ومنع صدور أحكام مصيرية بشأن بطلان مجلس الشورى وحل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ـ آنذاك ـ لم يحرك أحد من قصر الرئاسة ساكناً. وظني أن جل ما نحن فيه من أزمات جاء ترتيباً على هذا.
ويتكرر الأمر مع حصار مدينة الإنتاج الإعلامي مرتين الأولى ـ ديسمبر2012ـ فى مواجهة اعتصام الاتحادية والثانية ـ مارس2013ـ كرد فعل لتظاهرات المقطم، ومحاولات اقتحام المدينة والاعتداء على الإعلاميين والمشاركين فى البرامج، ويتكرر الصمت واللامبالاة الى درجة تثير الريبة وتحمل رسائل محملة بالدلالات.
وقس على ذلك تفاعلات السلطة الرتيبة والمفارقة للمسئولية تجاه أحداث بورسعيد الدامية والتعامل الأمني العنفى الفادح مع اعتصامات الاتحادية فى دوراتها المختلفة.
على أن المُصالح المنتظر ليس بالضرورة شخصاً بل قد يكون تحركاً أو منظومة قرارات أو إعلان رئاسي ينقذ ما يمكن إنقاذه أو يقطع الطريق على عناد التصعيد وما يحمله من تداعيات كارثية.
هل يمكن أن يبادر الرئيس درءاً لشبح التفتيت والانقسام والاحتراب الدموي بالتسامي على خصوصية الجماعة إلى آفاق الفعل الوطني فيصدر قرارا رئاسياً ثورياً بتشكيل مجلس رئاسي ثلاثي يضم الى جواره ممثلاً عن القوات المسلحة وأخر عن تجمع الكتل والأحزاب المدنية ـ جبهة الإنقاذ ـ مع وقف العمل بالدستور الحالي والعودة لدستور 71 بعد تقليص صلاحيات الرئيس، وتكون مدته عام على الأكثر يقوم خلالها بوضع دستور جديد يحقق توافقاً وطنياً حقيقياً، تنتهي بطرح أسماء مرشحي الرئاسة يكون من بينها الرئيس الحالي، وانتخاب البرلمان بغرفتيه، وبهذا ينزع فتيل الانفجار من لغم تحت مياه واقع مفخخ.