ثلاثة أصدقاء من خلفية إسلامية اشتركوا لينشئوا دار نشر باسم «مدارات للأبحاث والنشر»، بدأت فى طرح كتب بالسوق المصرية من شهر نوفمبر الماضى. يقول أحمد عبدالفتاح، مدير النشر والتوزيع بالدار: «نحن جميعا كنا منشغلين بالثقافة بشكل عام، فقررنا أن ننشئ دار نشر تناقش الموضوعات التى نهتم بها».
إلى جانب أحمد عبدالفتاح يشترك فى الدار كل من أنس خالد، طبيب الامتياز، وأحمد وجيه، أستاذ مساعد بكلية دار العلوم- جامعة القاهرة، ولكن رغم التوجه الإسلامى لديهم جميعا، فأحمد عبدالفتاح يشير إلى أنهم لا ينتمون لأى كيان إسلامى قائم حاليا، قائلا: «يمكنك أن تقول عنا إننا إسلاميون مستقلون»، هذا الاستقلال جعلهم يختارون اسما محايدا مثل «مدارات»: «الاسم لا يدل على اتجاه فكرى بعينه».
اهتمامات الدار تدور فى عدة محاور، هى الدراسات الإسلامية بشكل عام، ودراسات التاريخ السياسى والاقتصادى والاجتماعى للإسلام، ودراسات الدولة القومية الحديثة، وقضايا النقد الثقافى والاستشراق، ودراسة الحركات الجهادية.
توجيه الموضوعات التى تدور حولها الكتب المنشورة بالدار يعبر عن وجهة نظر غير شائعة عن دور النشر فى مصر، كما يعلق أحمد عبدالفتاح: «من المفترض أن تكون لكل دار نشر توجهها الخاص، ولكن المفهوم عن الناشر فى مصر أنه مستعد لنشر أى شىء، أى أنه لا يختلف كثيرا عن المطبعجي».
يزداد الحديث مؤخرا عن النخب الثقافية والسياسية المؤثرة على الناس، ولا يستبعد أحمد عبدالفتاح سعى دار النشر المشترك فيها نحو نخب بديلة «أى دار نشر عندها توجه، فهى توجه الناس نحو أفكار محددة، وإن كان هذا سينتج نخبة جديدة فيما بعد فهذا سيكون جيدا، فأى اتجاه أفضل من الموجود حاليا». قائلاً إن أغلب المقبلين على الدار هم من الشباب، هذا الذى يجعل الدار قريبة من بلوغ هذا الهدف.
الكتب التى نشرتها «مدارات للأبحاث والنشر» هى ترجمة لكتاب «استعمار مصر» لعالم السياسة البريطانى تيموثى ميتشيل، وكتاب «الفكر السياسى للإمام حسن البنا» للدكتور إبراهيم البيومى غانم، ولكن الخلفية الإسلامية والإيمان قد يضعان بعض الحدود فيما يمكن أن ينشر من خلال الدار، هذا أصبح واقعا عمليا سريعا مع نشر كتاب «استعمار مصر»، يقول أحمد عبدالفتاح: «الكاتب ينتقد فى كتابه بعض التصورات عن فكرة السلف والسنة، ولكن هذا لا يمنع أن الكتاب سيفيد الناس، لذلك تم نشر الكتاب وأضيفت له مقدمة للتعليق على هذه الانتقادات». إضافة مقدمة للتعليق على مضمون الكتاب يراه أحمد عبدالفتاح حقا للناشرين، ولكن هذا لقى انتقادا من بعض المثقفين لأنه تم دون علم الكاتب والمترجمين، حتى إن بشير السباعى، أحد مترجمى الكتاب، ذكر فى مدونته أن المقدمة قد تقترب من كونها بيانا لملة جهادية. ولكن تعليقا على ذلك يقول أحمد عبدالفتاح: «إذا كانت هناك مفسدة فى الكتاب ويمكننى تحذير الناس منها فلمَ لا؟».
يؤكد أحمد عبدالفتاح أنه لا يوجد موقف سياسى منسوب إلى الدار إنما مواقف شخصية لأصحابها، وعن موقفه الشخصى فيقول: «هناك مشكلة فى طبيعة السلطة نفسها، لذلك فعندما يحصل عليها الإخوان أو غيرهم فسوف يسيرون فى طريق مجبرون عليه، وسيتنازلون عن العديد من الأشياء».
يصف د.على مبروك، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة، المحاور التى تتحرك فيها دار «مدارات»، بأنها: «لا بأس بها، فالتركيز مطلوب بالفعل على المناطق التى ينوون التركيز عليها». ولكن الأمل فى تغيير وعى الشباب أو حتى المساعدة فى خلق نخبة جديدة هو أمر يراه د.على مبروك ليس بهذا اليسر، يقول: «الواقع يحتاج إلى نخبة جديدة، ولكن الوعى الذى يسود الواقع قد لا يسمح سوى بإعادة إنتاج نفس الخطاب ولكن تحت يافطات أخرى». مضيفا: «ما يميز نخبة عن أخرى هو ما تقدر على بلورته من خطاب جديد، وليس من قدرتها على تقديم نفس الخطاب، ولكن فى أشكال جديدة فقط». ويشير د.مبروك إلى أن الخطاب الجديد الذى نحتاجه يجب أن يكون بالاشتغال بحسب مرجعية نقدية مفتوحة، قائلا: «مصر فى حاجة إلى نخبة متحررة من سلطان الوصاية الأبوية»، مؤكدا أنه لا فرق بين أن تكون الوصاية بالشكل القديم أو تتخذ شكلا حديثا بعض الشىء.