الأحد ٧ ابريل ٢٠١٣ -
٠٨:
١٠ ص +02:00 EET
بقلم: نبيل المقدس
ما زال الكثير منا يكرر بإستمرار أن طبيعة الشعب المصري هي التدين .. وبهذا الفكر تعتقد السلطة الحاكمة الحالية أنهم مقبولون من قبل الشعب المصري المتدين علي أساس أنهم يعتمدون في حكمهم علي مباديء الإسلام وأصبحوا ينادون بسياسة جديدة تحت عنوان "الإسلام السياسي" التي لم يتعود عليها المصري الأصيل أيا كان مسلما أومسيحيا .. لكن من حسن الحظ بل من فضل الله علي المصريين أنهم ليس متدينين كما يعتقدون , بل هم مؤمنين . وهناك فرق بين التدين والإيمان ..
التدين هي ممارسة الفرائض والوصايا التي أنزلها الله من باب الواجب والتخوف من الحياة ما بعد الموت .. المتدين يعمل من أجل وصوله إلي الجنة والتنعم بملذات الحياة الجسدية الموعودة .. التدين هو مظهر من مظاهر التباهي أمام الناس بأن الشخص متقربا إلي الله فتصبح له القدرة علي تحقيق أغراضه والإستلاء علي رأيه وإرادته الفكرية ... أما المؤمن الحقيقي هو الذي يسير في طريق الله لأنه أحب الله كما أحبه الله أولا ... كما أنه هو الشخص الذي يتعامل بطريقة روحية سامية بينه وبين خالقه , وأن يستخدم ضميره المتشبع بروح الله في تعاملاته مع الآخرين .
الشعب المصري لم يعرف التدين , ولم يعرف كيفية ممارستها .. بل هو شعب يعرف الله معرفة حقيقية من القلب .. الشعب المصري لديه إيمان برب الكون , ولا يستخدم التدين لكي يرضي عنه الله .. ولم يفكر في يوم من الأيام أن يتدين لكي يقنع أخيه في الوطن بما يريد هو أن يفعله .
عاش المصرييون حياتهم منذ آلاف السنين .. ولم نجده في أي عصر يلبس لباس الدين كزي رسمي وجب عليه أن يرتديه مثل زِي طلاب المدارس أو بلاطي الأطباء أو يونيفورم العمال الخاص به أو البدلة العسكرية المميزة . لم يسجل تاريخنا المصري القديم أن إحدي فراعنها حارب وقاتل من أجل نشر ديانته أو حكم بمظهر التدين ليقنع شعبه أن أوامره هي إلهية وعليهم السمع والطاعة . لم نسمع أو يسجل التاريخ المصري أن جميع أركان وأساسيات الدولة في يد المجموعة الواحدة والتي تنتمي إلي دين أو جنس أو فصيل يأتي منه الحاكم .
الشعب المصري علّم البشرية الإيمان , ولم يعلمهم التدين . لكن وما يؤسفني وأنه بعد الثورة اياها التي يُقال عنها "رائدة ثورات الربيع العربي" إنفصلت قلة لا تتجاوز رُبع تعداد الشعب المصري عن بقية الشعب , يُقال عنهم أنها خلايـــا كامنة سرطانية في جسد مصر الحبيبة وكانت لديهم مقدرة صمت القبور .. حتي جاء وقت تلذذ الشعب المصري بفرحة الإنتصار علي ما سموه الطاغية فإذ تخرج علينا هذه الجماعات الكامنة متسربلة لباس التدين وتوغلت بين فئات الشعب المصري المؤمن , لكن بساطة هذا الشعب الذي عاش طيلة حياته في صدق وإيمان وبر وطهارة وحب , صدقوا هذه الجماعات المتدينة .. وألقت جميع الحركات الشعبية ومنها حركة 6 ابريل برجال مصر الأمناء بعيدا عن المشهد السياسي .. وإنحازوا بل و أسرعوا إلي هذه القلة الطاغية وهم غير عالمين بسياستهم الفاشية ... والغريب أن النظام القديم "المخلوع" طبقا لتسميتهم له , قد نبه مرارا وحاول توصيل هذه المعلومة إلي المتظاهرين أصحاب هذه الحركات لكنهم سدوا أذانهم عن اصوات الحقيقة . حاولت بعض القوي المدنية ذات الخبرة والمعرفة أن تُعرفْ حركة 6 ابريل وإخواتها المراهقات أن يتداركن الأمر لكن بدون جدوي .
إنضمت حركة 6 ابريل مع هذه الجماعة الفاشية .. ولا نعلم حتي الآن ما هو المقابل الذي جعلهم ينضمون إليهم ضد الحقيقة . وعندما تمكنت هذه الجماعات والتي أطلقت علي نفسها " الإسلام السياسي" من مكاسبها طردتهم خارج ملعبهم ... واتمني أن يكون هذا هو الدرس الأخير لحركة 6 ابريل , وإلي كل القوي السياسية الأخري الشعبية والليبرالية .. وأن لا تسير وراء التدين .. بل عليهم أن يكونوا مؤمنين بربهم وبمبادئهم وبمصريتهم .
وبمناسبة مرور خمس سنوات علي بداية حركة 6 ابريل ... والذين كانوا أول من وقعوا في الفخ في لحظة ما وتوحدت مع القوي الأخري في إهدار الفرصة الأخيرة في الرئاسة وإنسحاب الكثير منهم من إنتخاب الفريق أحمد شفيق بحجة أنهم يرفضون الرجوع إلي النظام القديم متمثلا في أحمد شفيق .. أود أن أقول لهم :
عليكم أن تقروا أن ثورة 25 ابريل 2011 قد فشلت , ولا داعي القول بأن الثورة مازالت مستمرة . يجب أن توقفوا تماما هذا المعتقد بل تنسوا نهائيا بأنها كانت ثورة , ويبدأ الشعب نفسه بداية أخري بتكتيك آخر يتناسب مع التغيرات التي أحدثتها الفوضي والتهريج من بعد هذه الثورة المزيفة وعواقب هذه الفترة من الحكم الفاشي .. علينا كشعب مصري مؤمن أن نحتفظ بمقدسات أدياننا في قلوبنا .. علينا أن نحميها من العبث كما يحدث الآن .. علينا أن نرتدي زِي الإيمـــــان وأن نخلع فورا زِي التدين والتشبه الكاذب بالدين .
علينـــــــــــــا أن نسترد وطننـــــــــــــا مصر والذي غاب عننـــــــــــــا أكثر من سنتين بمعركة مدروسة وممنهجة بطريقة سياسية سلمية جيدة .... آخذين هذا الشعار سلاحا لنــــا :
" إعطني رغيف واحد في اليوم .. لكن حذار أن تسلب حريتي في كيفية أكله.. !!