جاءت نتائج الدراسات الحديثة لتحذر من خطورة إهدار مياه النيل, وكشفت عن أن الفاقد اليومي من مياه الشرب النقية يبلغ7 ملايين متر مكعب, تمثل أكثر من30% من الإنتاج اليومي البالغ21 مليون متر مكعب,
وأن هذا الفاقد يكلف الدولة استثمارات تصل إلي7.5 مليار جنيه سنويا. واذا كانت التقارير العالمية تؤكد أنه بحلول عام2080 سيعاني3.2 مليار شخص من نقص خطير في المياه, وسيتعرض نحو600 مليون آخرين للمجاعة التي تهدد حياتهم بالفناء, وسينقرض أكثر من خمس الكائنات الحية, وفي ظل المخاطر التي تهدد مياه النيل بسبب مشروعات السدود واتفاقيات دول الحوض التي تختصم من حصة مصر, فإن علماء الدين يؤكدون أن الإسلام أرسي مبادئ المحافظة علي المياه وترشيد استهلاكها منذ أربعة عشر قرنا من الزمان.
ودعا علماء الدين الجميع الي المحافظة علي المياه وعلي مصادرها,وعدم التعرض لها بأي نوع من أنواع الأذي والتلوث او الاسراف او الهدر الذي يتحقق منه الضرر, باعتبار أن المحافظة علي المياه واجب شرعي,محذرين في الوقت نفسه من التهاون او الاستهتار مع هذه القضية التي تهم كل فرد يعيش علي الارض,كما طالبوا المسئولين بالبحث عن بدائل ومصادر مختلفة للمياه حتي لا نصل الي مرحلة التصحر المائي الذي حذرت منه بعض المنظمات الدولية.
الإسراف في المياه إفساد
ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر, إنه لا غرابة في أن تمثل قضية المياه هذه الأهمية الكبيرة علي المستوي الدولي, فالماء أساس كل حي, قال تعالي وجعلنا من الماء كل شيء حي,وقد نشأت الحياة منذ البداية وستبقي إلي يوم الساعة مرتبطة بالماء عصب الحياة, والماء يعني الزراعة, والغذاء والشراب والطاقة, ونظرا لهذه الأهمية القصوي للماء جعله الله سبحانه وتعالي- حقا شائعا بين البشر جميعا, فحق الانتفاع بالماء مكفول للجميع دون إسراف ولا إفساد ولا احتقار ولا تعطيل, وهذا يعني أن مصادر الماء لا يجوز لأحد أن يحتكرها أو يمنعها عن الآخرين.
وأشار إلي أن الإسلام قرر مجموعة من القيم والآداب والأسس والقواعد للمحافظة علي الماء وحمايته من التلوث, منها النهي عن الإفساد في الأرض, فقال الله تعالي كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين, وقال تعالي ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون,ومعلوم أن تلويث الماء بشتي الطرق هو إفساد في الأرض لما يترتب عليه من أضرار جسيمة لكل من يستخدم هذا الماء الملوث من البشر إلي جانب بقية الأحياء الحيوانية والنباتية والمائية, كما أقر الإسلام مبدأ:( لا ضرر ولا ضرار), فكل ما يضر المسلمين في رزقهم ومأكلهم ومشربهم ينهي الإسلام عنه, وتلوث الماء من أكبر أشكال الضرر, وأيضا حرم الإسلام كل ما يفسد حياة المسلمين, وفقا للقاعدة الفقهية التي تقول( ما أدي إلي الحرام فهو حرام), والتلوث المائي يتسبب في حالات كثيرة في إزهاق الأرواح وقتل الأحياء ونشر الأوبئة والأمراض, ودرء هذا التلوث واجب.
كما نهي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- عن التبول في الماء الراكد في قوله- صلي الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثم يغتسل فيه,ومن المعروف أن هناك أمراضا كثيرة تنتج عن الاستحمام في الماء الراكد الذي سبق التبول فيه مثل الكوليرا والبلهارسيا,وايضا نهي- صلي الله عليه وسلم عن التبول في الماء الجاري, فقال- صلي الله عليه وسلم اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الماء وفي الظل وفي طريق الناس, فالتبرز أو التبول في الماء من السلوكيات الخاطئة التي يجب البعد عنها, والمعروف أن تصريف مياه المجاري في المياه النقية لا يؤدي إلي تلويثها بالطفيليات والروائح الكريهة فحسب, بل يتسبب في استهلاك الأكسجين الذائب في المياه مما يؤثر علي حياة الكائنات التي تعيش فيه.
ثروة يمكن التصدق بها
ويوضح الدكتور أحمد عيسي المعصراوي أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر, أن الإسلام اعتبر الماء ثروة يمكن التصدق بها كالمال, وشجع الرسول- صلي الله عليه وسلم- علي ذلك في مناسبات كثيرة أشهرها قصة بئر رومة الذي كان تحت يد يهودي وكان يمنع المسلمين من مائه, فقال- صلي الله عليه وسلم من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين, فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه,وتيسير الماء في الإسلام ليس مقصورا علي الإنسان, بل يمتد للحيوان حتي لو كان كلبا ضالا, فقد أخبر الرسول- صلي الله عليه وسلم- عن الرجل الذي سقي كلبا في خفه فغفر الله له.
ترشيد الاستهلاك
وحول الضرورة الاقتصادية للمحافظة علي الماء وترشيد استهلاكه, أوضح الدكتور فياض عبد المنعم استاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر, أن الإسلام كان له السبق في إقرار مبادئ ترشيد الاستهلاك لكل ما في يد الإنسان من نعم وثروات, باعتبار أن الإسراف والتبذير من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها, مما يؤدي إلي إهلاك الحرث والنسل, وتدمير البيئة,وقد نهي القرآن الكريم عن الإسراف في أكثر من موضع, فقال- تعالي وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين, وقد وقفت الشريعة الإسلامية ضد الإسراف في استهلاك المياه, حتي في مجال العبادات, فقد نهي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- عن الإسراف في استعمال الماء حتي ولو كان من أجل الوضوء, فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله- صلي الله عليه وسلم- مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: ما هذا الإسراف؟, فقال: أفي الوضوء إسراف؟, قال نعم وان كنت علي نهر جار, والإسراف يتحقق باستعمال الماء لغير فائدة شرعية.