الأقباط متحدون - الأحداث الطائفية المصرية
أخر تحديث ٠١:٠٦ | الاربعاء ١٠ ابريل ٢٠١٣ | ٢برمودة ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٩٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الأحداث الطائفية المصرية

الدكتور عادل عامر
"أن الوضع السياسي المضطرب في البلاد أحد أسباب هذه الأحداث، فمع تشتت القوى السياسية وتخبط أداء الحكومة المصرية لمثير هنا، أن العقود الثلاثة الماضية دارت على المنوال نفسه، حدث يثير فتنة بين طرفي الأمة، مسلمين ومسيحيين، ثم يحدث احتواء أمني لها، وتثور ثائرة المثقفين وبعض رجال الدين، ويطالب الجميع بالحوار وتطوير الخطاب الديني، وبإفشال مخططات المتربصين بوحدة الوطن وسلامته، والساعين إلى إثارة فتنة وطنية - طائفية تُـطيح به وتضعفه، ثم تهدأ الأمور لتثور مرة أخرى بعد عدة أشهر، ويحدث المشهد ذاته، فيما يعني أن هناك أمرين: أن جذور الاحتقان الطائفي موجودة لم يستطع أن يقتلعها أحد، بل الأرجح أنها تزيد وتتعمق، وأن عمليات إعادة هيكلة حالة المواطنة الشاملة التي تحتوي داخلها التنويعات الفرعية الدينية والسياسية، فشلت فشلا ذريعا، ويقابلها أن حالة الارتداد المجتمعي إلى الهويات الفرعية، سواء الدينية أو المناطقية أو العائلية قد نجحت بامتياز. وبالنسبة لأقباط مصر، فقد كانت الكنيسة هنا هي البديل عن الدولة والمجتمع الأكبر، وبالتالي، صارت هي المؤسسة التي ترعى دينيا واجتماعيا وفنيا، بل وسياسيا أيضا. ومن هنا، باتت تشكّـل الحماية والملاذ في نظر جموع غالبية من الأقباط، وكأنها هي الدولة البديلة القابلة للتطور إلى ما هو أكبر لاحقا.

مثل هذا الارتداد إلى الهويات الفرعية، الذي يعكس فشلا سياسيا بالدرجة الأولى، يمثل في الآن نفسه وقودا لاحتقان طائفي ممتد. وإذا نظرنا إلى بعض تفاصيل حالات الفتنة الطائفية السابقة، سنجد دورتها قد مرّت بثلاث مراحل، الأولى كانت نتيجة استخدام الجماعات الإسلامية العنيفة في السبعينات والثمانينات في القرن الماضي ورقة الأقباط كهدف، وذلك كجزء من إستراتيجيتها آنذاك في تأليب المجتمع على بعضه، والضغط على نظام الحكم. أما المرحلة الثانية، فتعود إلى عشر سنوات مضت، وبدأتها قرية الكشح في صعيد مصر حين تطور خلاف عادي بين بائع ومشتر إلى فتنة بين مسلمي القرية ومسيحييها، وانتهت بمواجهة احتشد فيها كل فريق وبمقتل العديد من الطرفين.

أما المرحلة الراهنة، فتعد الأخطر لأنها ناتجة عن عمليات شحن طائفي وديني متعمد من قبل مؤسسات وجماعات، بعضها ظاهر والآخر في طى الكتمان. والعارفون بالأمور يرون هذه المرحلة الأخطر، لأنها تقبل الانفجار عند أقل سبب.إذا كانت ثمة حاجة إلى أن نثبت أهمية بحث المشكلة الطائفية في مصر على أوسع نطاق على الرأي العام، وما تركته هذه المسألة من آثار فكرية ونفسية لدى طلائع هذه الأمة من المثقفين، فقد يكفي أن نشير إلى عدد من الكتب والدراسات والندوات التي ظهرت، أو نُظِمت، حول هذا الموضوع في السنوات الأخيرة، وعدها لا يقاس بما صدر حول هذا الموضوع من قبل . قد ظهرت كردّ فعل للأحداث الطائفية التي جرت في السنوات العشر الأخيرة، التي استهدفت الإساءة إلى الوحدة الوطنية التي تجمع في إطارها الأقباط والمسلمين، فهي تعبير إذن عن قلق أوساط عديدة في الرأي العام من أن تتدهور أوضاع الوحدة الوطنية إلى ما هو أسوأ مما حدث ، خصوصاً أننا نعرف أن قوى خارجية كثيرة تتربص بهذه الوحدة ، وتتمنى الإجهاز عليها .

وفي مقدمة هذه القوى الخارجية بطبيعة الحال إسرائيل التي لم تخْفِ في وثائق منشورة عن استراتيجيتها للثمانينيات، طموحها إلى تكوّن دولة قبطية في الوجه القبلي ودولة إسلامية في الوجه البحري . كما تلعب الولايات المتحدة دوراً آخر في هذا الموضوع، ربما أكثر ذكاءً وحذراً من دور إسرائيل، لكننا نكون واهمين إذا لم ندرك أن إذكاء نار الصراع الطائفي في العالم الثالث هو أحد أدوات السياسة الامبريالية . وعلى هؤلاء الذين لا يوافقون على حقيقة وجود دور للقوى الخارجية في تلك المشكلة أن يتذكروا أن للولايات المتحدة أجهزة تعمل ليل نهار لبحث نقاط الضعف في مسيرة كل شعب من الشعوب وكيفية استغلالها في سعي الولايات المتحدة للسيطرة على مقدرات هذا الشعب وتوجيهه في إطار المشروع الإمبريالي الأميركي للسيطرة على العالم الثالث .

ولهؤلاء الذين يشكّون أو يشكّكون في هذا أن يتذكروا استقبال كارتر للبابا شنودة وحديثه عن الأقباط الثمانية ملايين في مصر، ولو راجعوا كتاب " لعبة الأمم " لضابط المخابرات الأمريكي مايلز كوبلاد لوجدوا حديثاً صريحاً عن الاجتماعات التي تمت في أجهزة المخابرات الأمريكية، في أواخر الأربعينيات ، بهدف تحديد أفضل السبل لإحلال النفوذ الأمريكي محل البريطاني أو الفرنسي في الوطن العربي . ومن الأفكار التي طرحت ونوقشت باستفاضة، فكرة البحث عن رجل دين مسلم يقوم بالدور الديماجوجي الذي قام به رجل الدين المسيحي " بيلي جراهام " في الولايات المتحدة بهدف تعبئة شعور الرأي العالم الديني العربي ضد " الشيوعية والإلحاد " ، وتمّ بالفعل اختيار رجل دين عراقي لا يذكر اسمه للطواف بالعالم العربي لهذا الغرض ، ثم ، وهذا هو الأخطر ، طرحت المخابرات المركزية فكرة إحياء الخلافة الإسلامية من جديد ، ورشح ملك العراق،فيصل ،لكي يكون خليفة المسلمين لولا أن ثورة عبد الكريم قاسم قد وضعت هذه المخطات على الرف بعد ذلك . إن فكرة إحياء الخلافة،التي تبدو،على السطح،مسألة دينية،هي أبعد ما تكون عن ذلك . وإذا كانت الولايات المتحدة تسعى الآن لإحيائها كحاجز ضد انتشار الفكر اليساري واتساع نفوذ المعسكر الاشتراكي ، فإن تاريخنا الحديث في مصر يوضح أن بريطانيا العظمى حاولت في مصر المحاولة نفسها ، إذ شجعت الملك فؤاد ،ـ في قمة انتصار الحركة الوطنية بقيادة الوفد خلال العشرينات ـ على تحريك قضية الخلافة. وقامت قيادة الأزهر ـ لمصالحها الخاصة ـ بالعمل بأوامر الملك والإعداد لمؤتمر الخلافة ، واستغلّت فكرة الجامعة الإسلامية لضرب الجامعة الوطنية ، التي كانت قد حققت أول انتصاراتها بثورة 1919 ودستور 1923 وبدء الحياة النيابية الحقيقية . إن كثيراً من الظواهر الاجتماعية الاقتصادية السياسية يمكن أن تغلّف بغلالة دينية لأسباب خاصة تتعلق بالظروف التي تنمو فيها هذه الظاهرة . والعميان فقط هم الذين لا يستطيعون أن يروا ما وراء هذه الغلالة الدينية من أسباب وجذور اجتماعية للظاهرة محل الدراسة .

ونحن من الذين يرون أن المسألة الطائفية في مصر هي قضية اجتماعية سياسية في الأساس ، وقد نضيف إلى ذلك بعض الجذور الثقافية التي تساهم فيها، لكننا نرى أن الوقائع الأساسية تناقض الادّعاء بأنها مشكلة دينية . فإذا قبلنا منطق من يدّعون أنها مسألة دينية ، لكان علينا أن نصدق أن الحروب الصليبية كانت حروباً دينية حقاً ، مع أننا نعرف أنها كانت أول هجمة أوروبية على المشرق العربي بدوافع اقتصادية في الأساس ، وأنها حملات موّلتها مراكز مالية محدودة في أوروبا بأمل نهب المشرق العربي ووضع قاعدة استيطانية دائمة فيه ، وأن الصليب لم يكن إلا تكئة ملائمة لتعبئة الجيوش الأوروبية ضد شعوب المشرق ، لا أكثر ولا أقل . وفي تاريخ مصر الحديث لم تشتعل المسألة الطائفية في مصر إلا وكان من السهل أن ترى القوى الاجتماعية السياسية الداخلية صاحبة المصلحة في إشعال التوتر الطائفي ، والقوى الاجتماعية السياسية صاحبة المصلحة في إطفاء هذه النار .

ومهما كانت الوقائع على طول تاريخ مصر الحديث ، فسوف نجد دائماً أن هذه القوى الاجتماعية والسياسية التي عملت على إشعال هذه النار هي القصر بشكل عام ، أي المؤسسة الملكية وبعض كبار ورجال الأزهر ، وأحزاب الأقلية ، خصوصاً حزب الأحرار الدستوريين وجماعات الإسلام السياسي ، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين . أليس هناك قانون يضع كل القواعد فى نصابها الطبيعى ويحول دون انفجار الأزمات؟شرعت القوانين لتحقيق العدالة واستقامة الحياة وعدم التهاون فى حقوق الناس. تذكر ما الموقف الذى يتخذه أى إنسان عندما يتحول القانون عن هدفه ويفقد هويته ويصبح سيفا مسلطا على الرقاب. بكل تأكيد نظرته ستتحول وتتجه صوب مكان يبحث فيه عن العدالة وعن حقوقه المسلوبة والاقباط الآن يبحثون عن قانون عادل ييسر عليهم ولا يعسر. يمنحهم فرصة للحياة دون اعباء أو ضغط نفسى يؤدى فى النهاية الى الانفجار.

ما يعبر عنه الاقباط حصيلة سنوات طويلة دأب فيها النظام على عدم الاهتمام بقضاياهم أليس من حق الاقباط إيجاد قانون يضمن العدالة ويوفر لهم حياة كريمة فى ممارسة شعائرهم الدينية. احترام القانون أمر لا جدال فيه ولكن ضع فى القانون ميزان عدل يتصدى للمشاكل، وانى أذكر فى ذلك المقام قول الشيخين الجليلين رحمهما الله الامام الاكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى وفضيلة الشيخ الشعراوى عندما قالا لو تكلمنا فيما نتفق عليه فلن نجد وقتا ان نتكلم فيما نختلف حوله. نفتقد الى روح القانون ونطبق منه ما يدفع نحو الخلاف واحداث الازمات وذلك أدى الى معاناة شديدة فى استخراج رخص بناء الكنائس وهناك الكثير منها أقيم فى كامل صورته ولا نستطيع ممارسة الشعائر الدينية فيه على خلفية عدم الحصول على رخصة. كثيرا ما نظل نبحث عن أوراق الرخصة دون جدوى وهذا أمر لا يليق بمواطن مصرى. يتعين عدم النظر اليه من منطلق ديانته. الواقع يقضى التعامل معه من منظور مصريته ووطنيته ولا شىء غير ذلك.

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter