الدكتور عادل عامر
صفقات التسليح والمعونات العسكرية: تبلغ المعونة العسكرية لمصر نحو 1، 5 مليار دولار، وهو رقم أكبر بكثير من المعونة الاقتصادية، إلا أن العجب يزول حين تعلم أن مصر تستخدم هذه المعونة العسكرية لشراء المعدات الأمريكية التي هي أغلى بكثير من مثيلاتها!، فيشير المكتب الأمريكي العام للمحاسبات إلى أن مصر تستخدم المعونة العسكرية التي تمنح على هيئة قروض بسعر الفائدة المقرر من قبل وزارة الخزانة الأمريكية لشراء العديد من أنواع المعدات العسكرية، وتدفع مصر لهذه المعدات أسعار تدهش المراقبين الأمريكيين أنفسهم، وقد أشار بعض هؤلاء إلى أن: "المصريون يبدون دهشتهم من أسعار المعدات العسكرية الأمريكية الغالية بالنسبة للأسعار السوفيتية وقد اشتكوا مراراً من السياسات والممارسات التسعيرية للولايات المتحدة ففي أحدى الحالات مثلاً، اشترت مصر قاذفة TOWمن بائعين تجاريين ب 67 ألف دولار فقط بينما كان الجيش (الأمريكي) قد قدم سعر 103 ألف دولار..وفي حالة أخري ارتفع سعر جهاز رادار 70 مليون دولار في ظرف بضعة أشهر فقط بعد أمضاء خطاب العرض والموافقة، وقد أشار الرسميون المصريون أيضاً إلى حالة حملت فيها الولايات المتحدة مصر مصاريف تدريب المستخدمين الأمريكيين الذين يتولون بدورهم تدريب المصريين وقالوا أن مصر توافق على دفع مصاريف تدريب المصريين ولكن لماذا تكون ملزمة بتدريب الأمريكيين؟ ". وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية المورد الرئيسي للسلاح للمملكة العربية السعودية. وخلال الفترة من 1950 إلي 2006، اشترت السعودية سلاحا ومعدات من الولايات المتحدة بما قيمته 79.8 مليار دولار، بما يساوي تقريبا خمس ما تصدره الولايات المتحدة لباقي دول العالم. ويتبين من ذلك أهمية السعودية لصناعة الدفاع الأمريكية. وبالمقارنة، حصلت إسرائيل علي معونات عسكرية أمريكية بمقدار 53.6 مليار دولار خلال الفترة من 1949 إلي 7002. ويعني ذلك أن إسرائيل تحصل علي معونات عسكرية من الولايات المتحدة تصل إلي خمس ميزانية الدفاع الإسرائيلية. ومن المتوقع أن ترتفع المعونة الأمريكية لإسرائيل من 2.4 مليار دولار في 2008 إلي 3.1 مليار دولار في 8102. (احتلت إسرائيل في 2006 موقع الدولة رقم 9 في قائمة الدول المصدرة للسلاح علي مستوي العالم). وعلي المدي البعيد، تخطط المملكة العربية السعودية إنفاق ما قيمته 50-60 مليار دولار لرفع كفاءة نظم السلاح الموجودة في الخدمة، وتحسين نظم القيادة والسيطرة، وزيادة حجم وقدرات وتدريب القوات المسلحة السعودية لرفع قدراتها العسكرية في مواجهة الإرهاب، وحماية الداخل والخارج السعودي. وبداية من يناير 2010، ركزت الإدارة الأمريكية مع كل من المملكة العربية السعودية ودول الخليج علي تقوية دفاعات هذه المنطقة الحساسة عالميا، وتحديث قدراتها الدفاعية من خلال إمدادها بنظم أسلحة حديثة، ومراجعة التخطيط الدفاعي بما يؤدي إلي إعطاء أولوية خاصة لحماية حقول النفط من أي هجوم خارجي، خاصة من إيران. ومن أجل الوفاء بأهمية التخطيط الدفاعي القوي والفعال لتلك المنطقة الحساسة، تقرر زيادة قوة الدفاع البشرية إلي 30 ألف جندي، وتسليحها وحمايتها بنظم دفاع جوي مضاد للصواريخ، متصلة بمنظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي داخل المنطقة وخارجها، والاهتمام بالتدريب المشترك بين القوات السعودية والخليجية، مع التركيز علي وسائل التعامل مع القدرات الهجومية الإيرانية. ذكر موقع وكالة "يو بي آي" الأمريكي إن الولايات المتحدة أعدت برنامجاً ضخماً لإعادة تسليح الجيش المصري، خاصة القوات الجوية والتخلص من جميع الأسلحة الروسية التي تمتلكها مصر ليكون الاعتماد الأول على أسلحة أمريكية فقط. وأشار موقع إن تسليم مصر 4 طائرات من طراز إف-16 من إنتاج شركة لوكهيد مارتن، ضمن صفقة تضم 20 طائرة تعد استكمالاً لهذا البرنامج، حيث أصبحت مصر الآن تمتلك 240 طائرة من إنتاج شركة لوكهيد مارتن، ومازالت عملية الإحلال مستمرة. وكشفت "يو بي آي" أن الولايات المتحدة بدأت تنفيذ البرنامج في إطار ما يسمى "برنامج الولايات المتحدة للمبيعات العسكرية الخارجية" المعروف باسم "بيس فيكتور 7" والذي تم توقيعه في ديسمبر 2009،
تساهم المساعدات الاقتصادية الأمريكية بنسبة ضئيلة في الاقتصاد المصري، فقد كانت تشكل في عام 1979، وهو عام بداية المساعدات الأمريكية للقاهرة، 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وتمثل حالياً أقل من ربع واحد في المائة لتوفير عمليات الخصخصة الكثير من المال لخزينة الدولة ونمو الاقتصاد المصري، وتشير أحد مقاييس مذكرة التفاهم أن خصخصة بنك الإسكندرية مقابل 1.6 مليار دولار، إضافة إلى 2.6 مليار دولار للخزانة المصرية مقابل ترخيص شبكة المحمول الثالثة لشركة "اتصالات".

وبالنسبة للمصريين تُعد المساعدات الأمريكية ذي طبيعية رمزية، ومرتبطة إلى الأبد باتفاقيات كامب ديفيد. ومع انكماش المساعدات وتزايد المشروطية المرتبطة بها قلت جاذبية المساعدات بصورة ملحوظة. ولذلك نادي الكثيرون بضرورة إلغاء المساعدات الاقتصادية من أجل علاقات أكثر سلاسة، وأن المفاوضات حول هذا القدر الضئيل من المال يٌولد مشاعر مريرة على الجانبين. فالمساعدات تمنح الكونجرس الفرصة لفرض المزيد من المشروطية التي ترتبط بالمساعدات وقيود إضافية على العلاقات. وهذا ما يثير تساؤلين رئيسيين مفادهما لماذا تكافح القاهرة كل سنة من أجل المساعدات الأمريكية؟، ولماذا لم تدع وزارة الخارجية الأمريكية أن العلاقات بين البلدين ستكون أفضل في حال غيابها؟، وتتخلص الإجابة على هذين التساؤلين في أن القاهرة وواشنطن مهتمتان بتحصين المساعدات العسكرية لمصر. ويستهدف مصر لزيادة مبيعات السلاح الأمريكي إليها. ويشير الخبراء الأمريكيون أن الولايات المتحدة ترى أن استثماراتها العسكرية في مصر أمر مهم للغاية من أجل الحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط وضمان أمن إسرائيل. وقد تجددت عاصفة الغضب داخل الكونجرس الأمريكي من تسليم مصر صفقة الطائرات الأخيرة، خاصة أنها تعد من أحدث الطائرات المقاتلة في العالم، وطالب بعض النواب بضرورة وقف تسليح مصر في الوقت الحالي خوفاً من نظام الاخوان المسلمين. التجربة العربية في مجال التسلح والحروب، مميزة في التاريخ الحديث، فقد ظهرت الحاجة العربية للتسلح وتطوير تنظيم القوات المسلحة في أعقاب إقامة (الكيان الصهيوني على أرض فلسطين) عام 1948 وتعرض الجيوش العربية لهزيمة منكرة. وبدأ البحث عن التسلح في أسواق الغرب (الأوروبي) وبخاصة فرنسا وبريطانيا. لكن الدول الأوروبية عام 1950 ولارتباطها بالكيان الصهيوني وضعت شرطين ملزمين للدول المصدرة للأسلحة الأوربية إلى البلاد العربية وهما:
أولاً: إعطاء الدول العربية - بمجموعها - ما يعادل ما يتم تقديمه للكيان الصهيوني لضمان بقائه متفوقا على العرب.
ثانياً: عدم تقديم أنواع ذات تقنية متطورة وغالباً ما كان التسلح الذي يشتريه العرب فرديا ودفاعيا وخفيفا ويفتقر للتقنية المتقدمة كما أن غالبيته كان فاسدا ويعاني من خلل، وكانت صفقة السلاح التشيكية اختراقا للحصار الغربي ولكن موسكو اشترطت ذلك بتحسن العلاقات مع العرب المتخوفين من المد الشيوعي ناهيك عن عدم رغبة الشيوعية بتفوق العرب على عدوهم.
وبغير إطالة في الحديث جاءت نتائج حرب حزيران 1967 مخيبة للآمال العربية وهيء للعرب أن السلاح السوفييتي هو سبب الهزيمة دون علم منهم أن اليد التي تستخدم السلاح هي التي تحدد نتائج الحرب. ولا شك أن تخوف الاتحاد السوفييتي السابق من تزويد العرب بالأسلحة المتقدمة كان في محله لعدم الثقة بالعرب وقد حصل وتم تسليم طائرة سوفيتية متطورة ة في ستينيات القرن المنصرم إلى "إسرائيل" وبالتالي إلى أمريكا كما حدث من قبل طيار عراقي جنده "الموساد" في أوروبا وورطه وأجبره على الخيانة وهناك الكثير مما يروى في هذا المجال.
بقي السلاح السوفييتي محور الارتباط مع الدول العربية ذات الميول الشرقية وهي مصر وسوريا والعراق التي كانت تستورد السلاح من الاتحاد السوفييتي لكن مصر خرجت من هذا الإطار وانتقلت إلى الصف الأمريكي بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني عام 1978.وها هو العراق بعد الاحتلال الأمريكي في ربيع 2003 يتحول إلى واشنطن لبناء قدراته التسليحية.
ورغم نتائج الحروب الصهيونية – العربية التي انتهت بهزائم عربية وجنوح العرب قاطبة للسلم مدثرين بما يطلق عليه مبادرة السلام العربية التي قدمتها العربية السعودية ونشرها الصحفي الأمريكي روبرت فيسك وتبنتها قمة بيروت عام 2002 , وكذلك تأثير الأزمة المالية العالمية على المنطقة برمتها فان النظم العربية الرسمية ما تزال تشتري السلاح الأمريكي وتكدسه في مخازنها علما أن العديد من هذه الدول ذات الفواتير التسليحية الهائلة مرتبطة بمعاهدات دفاع مشترك مع واشنطن أي أنها تدفع ثمنا مزدوجا وهما الثمن السياسي والمليارات.
وعن السياق الاقتصادي للصفقتين العسكريتين قال اللواء الكتبي إنه لا يتوقع أن يكون للأزمة الاقتصادية أي تأثير على حجم مشتريات القوات الإماراتية، علماً أن هناك مواطنين إماراتيين يشكون من تأثير الأزمة المالية عليهم وأنهم هددوا بالرحيل إلى دول أخرى. كما عقدت الإمارات العربية المتحدة صفقات أخرى لشراء معدات وقطع غيار وأنظمة دفاعية من شركات أميركية وأوروبية تصل قيمتها الإجمالية إلى ثلاثة مليارات درهم (817 مليون دولار) وذلك في نفس المعرض. قضايا كثيرة تثيرها صفقات السلاح العربية المعلنة. إذ إن هناك الكثير من تلك الصفقات التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات التي لا يفصح عنها، إما رضوخا لطلب الدولة المزودة بالصفقة، أو لحرص جهات معينة في الدولة العربية المقتنية على أن تبقى الصفقة سرية، تدارياً للفضائح التي ترافق تلك الصفقات، والتي قد تضع البعض تحت طائلة المساءلة، ولا تزال عالقة في ذاكرة الكثير من المواطنين العرب تلك الصفقة العسكرية البريطانية مع إحدى دول مجلس التعاون البالغة قيمتها المباشرة (10) مليارات دولار، ترتفع "لتصل إلى 20 مليار دولار عندما تضاف لها عقود الصيانة وقطع الغيار".ويبدو أن الدول العربية تأتي في مقدمة مستهلكي السلاح في العالم، إلى درجة أن بعض المصادر تؤكد أن نصيب الفرد، في دولة خليجية من السلاح هي الأعلى عالميا.