الخميس ١٨ ابريل ٢٠١٣ -
١٠:
١٠ ص +02:00 EET
بقلم: عساسي عبد الحميد
عظيمة هي عطاياك يارب و أعظمها شفاعة قديسيك التي وهبتها لنا عضدا في وقت المحن وعزاء في زمن التجربة ... فهي البركة الممنوحة والحقيقة الملموسة وباطل هو إيماننا ما لم نؤمن بهذه العطية ... يزخر تاريخ الكنيسة القبطية بسير القديسين التي تشكل تراثا روحيا وارثا ثقافيا أثرى المشهد المسيحي بمصر و تجاوز حدود الوطن ليدخل العالمية من أوسع الأبواب كمرجعية روحية عريقة مؤثرة... ويمكننا أن نؤرخ لسيرالقديسين ابتداء من دخول القديس مرقس المؤسس الفعلي للكنيسة القبطية حيث وجدت العقيدة المسيحية مرتعا خصبا لدى عموم الشعب المصري والتي تماشت مع عقلية الانسان المصري الذي اختزنت في ذاكرته قدوم العائلة المقدسة، و استقرارها على أرض مصر مدة من الزمن ...بدأت كنيسة المسيح على أرض مصر تنمو كدوحة وارفة باسقة معطاءة مغدقة وتزامنت بداياتها مع ما يعرف بعصر الاضطهاد أو عصر الشهداء، حيث دفع فيها الشعب المصري ثمنا غاليا من أجل عقيدته المسيحية .
ولم تقتصر سير القديسين على فئة معينة بل كان هناك من القديسين رجال ونسوة و شباب وحتى الأطفال الصغار الذين لم يتاجوز سنهم العاشرة أو الثانية عشرة كالقديس أبانوب النهيسي وونس الأقصري والطفلة مهرائيل، وكلهم ضربوا أروع الأمثلة والملاحم في التضحية و الشجاعة والايمان وكان كلامهم ينضخ حكمة و جرت على أيديهم معجزات خارقة موثقة بالدليل و البرهان ...ومن بين القديسين كانت هناك فئة عرفت بالمتوحدين سكنوا الخلاء و البراري و نذروا حياتهم للصلاة و التأمل ولعل أشهرهم الأنبا بولا السواح( 228 م – 343م ) والذي عاصر البابا أثناسيوس، في شبابه ترك القديس بولا حياة الترف و متع الدنيا و هو سليل أسرة ثرية وآثر حياة النسك والزهد ،وطيلة ثمانية عشريات ظل القديس المتوحد مداوما على الصلاة والتأمل و كان يقتات من البلح والأعشاب ويشرب من نبع العين وكان لباسه من الألياف و سعف النخل ....
ومن القديسات كانت هناك مرثا المصرية التائبة صاحبة القولة المأثوة ( يا رب ان كنت لم احتمل الفضيحة من خادم بيتك فلا تفضحني أمام ملائكتك و قديسيك ) ...كما أن هناك قديسة صعيدية كانت تدعى فريرنا الأقصرية عاشت في عهد الامبراطور ماكسيميان واشتهرت بأعمالها الخدماتية و كانت قد أرسلت إلى أوروبا صحبة الكتيبة الطبية وكان لها الفضل الكبير في تعليم السويسريين فن التمريض والنظافة ....
وفي العصر الاسلامي ظهر قديسون عظماء تركوا بصمات واضحة وأعطوا حصانة روحية لمسيحيي مصر كسمعان الخراز الذي عاصر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي في القرن العاشر الميلادي وهو صاحب معجزة نقل جبل المقطم والقديس العظيم الأنيا رويس الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي صاحب قربانة أسيوط الدافئة والذي منحه الله قدرة شفاء المرضى و الانتقال من مكان لآخرة في فترة وجيزة ...و في حق هذا القديس قال البابا شنودة ان هذا الرجل لم ينل درجة كهنوتية و لا سلك في حياة الديرية كراهب لكنه فاق كثيرين من أصحاب الرتب و الدرجات الكنسيسة...
.. الحديث عن سير القديسين، يطول و يطول ولو أمضينا شهورا وليالي بعد أسمائهم و أعمالهم للزمنا بحر من المداد وجبال من البرديات... وطيلة هذه المدة أي منذ دخول القديس المرقس الى يومنا هذا و نحن في زمن الأنا تاوضروس لم تبخل أرض مصر على شعبها و على باقي الشعوب بقديسين كانوا بحق عنصر جذب للناس للايمان والحق و العدل ولولا هؤلاء لما كتب للوجود القبطي و الكنيسة المصرية أن تستمر، وحتى في أيامنا هذه مازال يعيش بيننا أناس أعطاهم الله البركة، وقد يحدث أن تصادف قديسا في قرية من قرى الصعيد وتتبادل معه الحديث و نشاركه الطعام ولا تعلم أنه رجل الله.
صحيح أن تعداد المسيحيين قد تضائل عما كان سابقا لكن الوجود القبطي يظل رافدا ومكونا أساسيا للشعب المصري و سوف تظل مصر بركة بقديسيها العظماء نتبرك بسيرهم العظيمة وتصحبنا شفاعتهم في وقت المحن و التجارب .
ان شفاعة القديسين حقيقة إيمانية لا يلمسها سوى المؤمن والمؤمنون جميعا يشكلون وحدة متراصة في جسد المسيح وهؤلاء القديسون يعرفوننا جميعا وبشفاعتهم الممنوحة نجتاز المحن و الصعاب و يتقوى إيماننا فننال العزاء والبركة تجتاز مصر في الظرف الراهن مرحلة مفصلية دقيقة وبشفاعة قديسينا وصلواتنا نتضرع الى الله لكي يجنبنا الأذى و الشرور و ينعم على عموم الشعب المصري بالخير والبركات حتى تظل كنيستنا المصرية منارة وهاجة تنير دروبنا للبر و ينبوعا ثرا يروي ظمئنا...آمين
عساسي عبدالحميد – المغرب
Assassi_64@hotmail.com