الأقباط متحدون - الفلكلور الشعبى المصرى وثورة 1919م
أخر تحديث ١٦:٥٦ | السبت ٢٠ ابريل ٢٠١٣ | ١٢ برمودة ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٠٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الفلكلور الشعبى المصرى وثورة 1919م

ثورة 1919م
ثورة 1919م

د.ماجد عزت إسرائيل
    تؤثر ثقافة المجتمع على الأدبيات الشعبية (الفولكلور) ،لأن ثقافـة المجتمع  محصلة الأفكار السائدة بين أعضائه، بالإضافة إلى درجة ومحصلة التعـليم في هـذا المجتمع، ومدى اتسـاق هـذه الثقافة مع الــبيئة الجغرافية والمجتمعية التي يعيشها، ولكل ثقـــافة مظاهر وأبعاد تختلف من جماعة إلى أخرى، حيث تـؤثر فيها عوامـل عـــديدة، وإن لكـل ثقافـة جذوراً ضاربة في أعـماق التاريخ، تختلف من شعب إلى آخر وفـق الـظروف والأحداث التاريخـية التي مر بها كل مجتمـع،وهــــذه الظروف تشكل العديد من المكونات الثــــقافية والفـــلكلورية  للمجتمع.
     وكلمة "فلكلور" تتكون من مقطعين هما: " فولك " بمعنى عامة الشعب، و" لــور" بمعنى معرفة أو حكمة، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة  فى منتصف الـقرن التاسع عشر، وتحديدا فى عام ) 1846م(، على يد الانكلييزى "وليامز ثومز"عندما استخدم هـذا الاصطلاح كاسم للعلم  الذي يدّّرس  العادات، والتقاليد، والممارسات، والخرافــات، والملاحم، والأمثال الشعبية.
    وطوال تاريخينا المصرى العريق، ترسبت فى وجــداننا عـــادات وتقاليد وسلوكيات، وحكم وأمثال شــعبية، جسدت الشخصية المـــــصرية، وهو ما عرف باسم الفــــلكور الشعبى المصرى، وتجلى ذلك خلال ثورة( 9 مارس 1919م)، التى اندلعت فى التاسع من مارس منذ أكثر من أربعة وتسعين عاماً، نتيجة الشحنة الكـامنة ضد الاحتلال البريطانى منذ عام ( 1882م)،وجاء اعتقال الوفد المصرى الذى كان يستــــعد للسفر إلى مؤتمر الصلح بباريس الشرارة الأولى فى اشتعالها،  واتسمت باشترك جميع طوائف الشعب المصرى.
     ومن الفلكور المصرى الأصيل قصة "سعد اليتم" وهو شخصية افتراضية تم تداولها في الموالد والاحتفالات الاجتماعية، وهو شخص تربى بين أحضان قاتل أبيه، وعندما كبر وأصبح شاباً انتقم لأبيه بنبوته من مربيه،وهب الناس من جميع النـــجوع والــــقرى وحارات المدن لمبايعته من أجل العدل، وربما يتشابه ذلك مع زعيم ثورة 1919م "سعد زغلول" فهب الناس من جميع أنحاء الأمـــة المصرية لمبايعته عن طريق التوكيلات من أجل المطالبة بحقوق المصريين جميعاً، وتحققت أحلامها بصدور تصريح 28 فــــــبراير 1922م وإعلان استقلال البلاد، وتشكيل أول وزارة برلمانية فى عــام( 1924م)،وظـــل الشعب يسانده حتى رحيله فى عام 1927م،ولا يــــزال بيته المعروف بـ (بيت الأمــة) مصدر إلهام الثوار حتى يومنا هذا.
     وتسجل لنا الذاكرة الفلكورية هتاف الشعب أثناء وبعد ثورة 1919م،نذكر منها"يحيا الوفد ولو فيها رفد..." و منادة الشعب على زعيم الثــورة ورفاقه "ســـعد سعــــد يحــــيا سعد...."،و"يا عزيز يا عزيز كبــــه تاخد الأنجليز...." و"الاستقلال التــــام أو المـــوت الزؤام....". وعندما منعت سلطات الاحتلال البريطاني ذكر اسم سعد زغلول أنشد سيد درويش أغنية " يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح". وعندما قرر الإنجليز نفي سعد زغلول للمرة الثانية (إلى جزيرة سيشل بالمحيط الهندي) ترددت الأغنية التي تقول: "قولوا لعين الشمس ماتحماش لحسن حبيب القلب صابح ماشي"
          على أية حال، تأثر مجال الابداع الفنى والأدبى الذى تفاعل مع الثورة، فبقدر ما ساهمت الأعمال الابـداعية فى الحشد للثورة والتعبير عنها وإيصال رسالتها للجماهير، أو اتخذتها موضوعات لها فى السنوات التالية، بقدر ما كانت التغيرات المجتمعية التى أحدثتها الثورة فى مصر دافعاً لتطور الإبداع الأدبى والفنى .  
       وإذا كان الشعر والموسيقى والغناء، قد واكبا الثورة وعبر عنها وكان أداة للتحريض الثورى فى صفوف الجماهير، فإن الأعمال الروائية المهمة التى اتخذت ثورة( 1919م) موضوعا لها ،كانت فى معظمها بعيدة زمنيا عن الحدث ،ولعـــل أجلى التعبيرات الأدبية عن الثورة جاءت من خلال "عـــودة الروح" لتوفيق الحكيم، و"قنطرة الذى كفر" لمشرفة، والجزء الأول من ثلاثية نجيب محفوظ "بين القصرين". أما الـفن التشكيلى والذى كانت أجلى تعبيراته عن الثورة تمثال" نهـــضة مصر" لــ"محمود مختار" الذي جمع بين الخاصيتين، ففكرة التمثال كانت وليـــدة اللحظة الثورية وتعبيراًعنها، صنعه محمود مختار وهو في بعثة في باريس على شكل نموذج صغير دخل به مسابقة بين النحاتين وفاز بالجائزة الأولى، لكن العمل الذى استغرق ثمـــان سنوات، حتى ينتهى كتمثال "في ميدان باب الحديد" ،جعل منه تخليدا ًلها عبر الزمن ،كـذلك كان تمثال الزعيم " سعد زغلول" فى القـــاهرة والإسكندرية، لمختار توثيقا ًلحدث الثورة بعد سنوات على وقوعها .
      كما عبر  المسرح المصري عن وطنيته بمشاركته ثورة 1919م ،من خلال تحريك المشاعر الوطنية لدى الأمـــــة، فهب محمد تيمور مع سيد دروش لتقديم الأوبــــريت المعرب "الزوجة الثانية عشر"، وشارك "يوسف بك وهبى" فى تدشين ثورة 1919م من خلال الذاكرة السينمائة والمسرحية، وتكوين فرقته الشهرة،التى عبر عن طموح الأمــــة المصرية،وهى التى ساهمت بشكل كبير فى حفظ تراثنا الفلكلورى.
   وظهر من خلال ثورة( 1919 م ) مدى العلاقة بين الفن بصفة عامة،والفلكلور (الأدبيات الشعبية) بصفة خاصة  والثورة، وخاصة فى مجالى الموسيقى والغناء والفـــن التشكيلى، من خلال أعمال الكثير من المبدعين والفنانين.
        وبعــد .. ليتنا نعود الآن  إلى روح ثورة 9 مارس  1919م ،فى شموليتها ووحدتها وتآلفها ،وكفانا اعتداءات على تمـاثيل رموز أمتنا المصرية من سياسيين وأدباء وفنـــانين، نفتخر ونعتز بهم، بل نعتبرهم نموذجاً للشخصية الوطنية المصرية عبر تاريخها العريق.
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter