الأقباط متحدون - مدد..ياشيخ سعد ..مدد
أخر تحديث ٠٧:٠٦ | السبت ٢٠ ابريل ٢٠١٣ | ١٢ برمودة ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٠٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

مدد..ياشيخ سعد ..مدد

معبد الكرنك - صورة تعبيرية
معبد الكرنك - صورة تعبيرية

بقلم الشربيني الاقصري
لايعرف الحزن ابدا ..فى احلك اللحظات تراه اما ضاحكا واما مبتسما .له مائة حكاية وحكاية مع اهل الكرنك كلها تجعلك تودع الحزن وتستقبل الضحك حتى تستلقى على الارض من طرافة وغرابة الحكايات والمواقف التى كان يصنعها (رشدى اب فكرى)ابن النجع التحتانى بالكرنك القديم بالاقصر .
يراهنه احدهم على ان يخلع ملابسه كلها ويصبح عاريا كيوم ولدته امه ويركب دراجة ويلف بها نجوع الكرنك والثمن (قرش او قرشين)واحيانا سيجارة او سيجارتين وربما تعاطف معه الجمهور المشجع له وزود له أحدهم قيمة الرهان قرشا او سيجارة .

مرة اخرى يراهنه احدهم على ان يمسك (شمسية)فى منتصف الليل(حيث لا توجد الشمس ولا توجد حرارتها ) ويلف بها حوارى ودروب الكرنك والثمن معلوم . يوم ان ماتت امه جاء من الاقصر ووجد الرجال (يسبلون ) أى يضع الرجل منهم يديه خلف ظهره ويروح ويجىء قائلا بأعلى صوته :(على ما حكم الله ياولدتى أوياوالدى أوياابنى او يابنتى )..(الامر بيد الله ياوالدتى أوياولدى او ياابنى او يابنتى )..(على ما اراد الله ياوالدى ..)حسب درجة قرابة الميت للذى(يسبل).

اما اذا كان الميت شبابا وعزيزا على اهله يلف الرجال حبلا حول صلبهم و(يسبلون بصوت عال )..اما النسوة (فيصرخن ويلطمن على خدودهن ووجوههن) وهناتظهر براعة المرأة فى اللطم علي الخدود والندب...حيث تتباري كل سيدة علي حدا في إبراز موهبتها في اللطم وان كان الميت عزيزا يضعن الطين أو(صبغة النيلة) على وجوههن ويمزقن جزءا من ثيابهن ويتركن شعرهن محلول الضفائر بلا غطاء على الرأس فتتباهي به المرأة في كل مآتم وخاصة البنات الائى لم يتزوجن بعد ...فهو كنوع من الغزل الصريح العفيف .واثناء اللطم يقلن كلمة ربما تكون اسما لاله فرعونى وهى كلمة:(ياجور ..ياجور) أو ربما تعنى (ياظلم) مأخوذة من لفظ (الجورأى الظلم). ويقلن (يا حبيبى ياخويا..يا شقيقى ياخويا ...

ياحبيبتى يا خيتى ..ياشقيقتى ياخيتى )الى اخر هذه النداءات التى تختلف من ميت الى ميت حسب العمروالجنس ودرجة القرابة .كما أن نوع( الميتة ) يدخل فى هذه النداءات والاستغاثات فالنداء على الميت الغرقان غيرالنداءعلى الميت المحروق غيرالنداءعلى الميت المقتول ...
هذا بخلاف من مات على سريره .وتستمر النسوة بعد ذلك فيما يسمى( بالعديد)وهو عبارة عن بكائيات او مرثيات شعرية تختلف من ميت الى ميت حسب العمر والجنس ونوع الميتة .منها مثلا لو ان امرأة ماتت وليس لها ولد يقولون : ما الولية نعشها بيميل ملهاش ولد وسط الرجال بيشيل. ما الولية نعشها مايل ملهاش ولد وسط الرجال شايل . اما بنت صغيرة ماتت فيقولون : يامشمشة خضرة وطرية صبحت على الدرباز مرمية يامشمشة خضرة ورويانة صبحت على الدرباز دبلانة .

اما على البنات اللائى يمتن فتقول (العدودة )ان البنت غالية على اهلهامثل الولد وربما اكثر : كداب من قال البنات اتهون نار البنات امولعة ابلول .
يرجع مرجعونا الى عم رشدى اب فكرى الذى كان عائدا من الاقصر ووجد جنازة امه امامه ... دخل المنزل بسرعة ولبس جلبابا قديما لامه ثم احضر جريدة نخل كبيرة وركبها كالحصان الذى يلهو به الاطفال واخذ يروح ويجىء امام الناس حتى ظنوا انه من شدة حزنه على امه اصيب بالجنون .
بعد الانتهاء من مراسم الغسل والتكفين والتشييع والدفن والعزاء لمدة سبعة ايام فى الديوان بعد هذا كله عادعقل رشدى اب فكرى وقال للحاضرين من اهله (يااولاد الكلب)لو لم افعل ذلك لكنت انا الذى اتحمل مصاريف الجنازة كلها الحمد لله الذى اخذ عقلى فى هذه الايام كى تقوموا انتم بما قمتم به من واجب الجنازة والعزاءثم اخذ يضحك وضحك معه جميع الحاضرين .

اما هذه الحكاية التى لم اشاهدها لانها حدثت ايام شباب رشدى اب فكرى والتى رواها لى احد اصدقائه الشيخ (حجاج اب عبد العليم )المقيم فى نجع (السبتية)والذى كان عاشقا للقصص والحكايات كسيرة ابى زيد الهلالى وحكاية الزير سالم وكثيرا ما كان يذهب الى مجالس الذكر الشهيرة فى ذلك الوقت ويسمع للمنشدين والمداحين كالبريم والعجوز والبخ واولاد اسنا . قال عم حجاج اب عبد العليم -الصديق الحميم - لرشدى اب فكرى : خرجنا ذات ليلة انا ورشدى اب فكرى نبحث عن حمار ضاع منه فى اطراف قرية من قرى الجبل الشرقى فوق قرية (المدامود).
كان الليل بلا قمر يضىء..ولا نجوم تتلألأ فى السماء كأنما اتحد الظلام مع الكون ولفه فى ثيابه السوداء فلا ترى فى هذا الكون الا بصيص سجارتين لرجلين تائهين فى لجة من الليل البهيم . قال عم حجاج اب عبد العليم : من مسافة بعيدة مظلمة سمعنا صراخا وعويلا وبكاء فاقتربنا منه ثم اقتربنا الى ان وصلنا الى قرية ولمحنا عن قرب جموعا من الناس ...

دخلنا وسط هذه الجموع وسألنا: فقالوا لنا :ان رجلا طيبا يقال له :( سعد العبيط )مات منذ لحظات وبدأ الهمس يقول ..(سعدالرجل الطيب )..مات(سعد الرجل البركة )..مات سعد ..وقف حجاج ورشدى مع الواقفين والحزانى على وفاة (سعدالطيب العبيط )وبدا الكل يقول :كان رجلا طيبا ....كان مسكينا ...ليس له اب ولا ام ..لانعرف عن سيرته شيئا ولا نعلم من اى البلاد جاء ..كان يحب قريتنا وقريتنا تحبه .انه عاش فى كل القرى وكل المدن ...الكل يعرفه ...الكل يحبه .
وهكذا أخذ الجميع يمدحون فى (سعد العبيط .) قال عم حجاج اب عبد العليم : تاخرت الجنازة ولم تخرج الجثة فسألنا البعض فقالوالنا:ان المغسل غير موجود .فهل احد منكم يعرف (الغسل). نادى مناد :ياجماعة هل احد يعرف (غسل الموتى)..لأن الشيخ (حفنى اب مدنى)ابن الزينية بحرى غير موجود والمسافة بيننا وبين الزينية بحرى بعيدة جدا والوقت ليل واكرام الميت سرعة دفنه .فجأة قال رشدى ...انا ...أناأغسله. جبل الرجال نظر باعجاب الى هذا الرجل الغريب الذى سوف ينال ثواب (غسل سعد الطيب )وتمنى الجميع ان ينالوا مكانته عند الله والثواب العظيم الذى سوف يلقاه يوم لا ينفع مال ولا بنون .
الا عم (حجاج اب عبد العليم )الذىدس رأسه فى حجره وكاد ان يغمى عليه من شدة الضحك المكتوم من قول( فكرى اب رشدى) .وقال حجاج فى نفسه :من يدرى ربما تكون هذه نادرة من نوادررشدى ..لكن.. لا..لا..هذا الموقف ليس موقف الملح والنوادر ان هذا حرام فالامر يتعلق بميت.. وشرع.. وعرف.. اذن ستكون جريمتنا عقابها الرجم بالحجارة حتى الموت (هكذا أوجس حجاج فى نفسه خيفة ).لكن ما باليد حيلة ...وقرأ فى نفسه :(قضى الامرالذى فيه تستفتيان) ولا املك الا الموافقة والا انكشف امرنا فى حالة خلافنا وجدالنا ثم نظر الى رشدى وقال له :توكل على الله وقال فى نفسه(لا حول ولا قوة الا بالله رحنا فى داهية). دخل رشدى الى فناء الدار ثم صرخ باعلى صوته اخرجوا جميعا فللميت حرمته . الجموع خرجت فى ادب وخضوع وخشوع خرجوا تنفيذا لامر رشدى وتقديرا لحرمة الميت .

نظر رشدى فوجد الميت وبجواره ادوات الغسل وهو الذى لايعرف ما هو (الغسل)؟ ومامعنى (الغسل)؟وما هى طقوسه ؟.وهو الذى لا يعرف ماذايفعلون وماذا يقولون عندما يغسلون الموتى . على مقربة منه لمح بئرا به ماء .فكر رشدى ثم فكر ثم تدبر ثم قال :ها هى الحيل والافكار التى تنقذنى من الاخطار . .
طرأت له فكرة عظيمة وفعلا كانت فى البداية فكرة ولم تكن نادرة من نوادره وخاصة ان هذا الميت له حرمة وانه رجل طيب كما قال عنه اهل القرية . ضحك عم حجاج حتى استلقى على قفاه من كثرة الضحك والدموع تملأ عينيه واخذ فتر ة حتى استعاد انفاسه وملك نفسه ثم قال : ربط رشدى اب فكرى جثة سعد العبيط فى رقبته بحبل البئر ثم انزل الجثة فى البئرواخذ يرفع وينزل فى الجثة داخل الماء مرات ومرات كى يغسلها جيدا .بدأرشدى اب فكرى فى رفع الجثة وها هو قد اوشك ان يمد يده ليسحبها واذا بالحبل ينقطع وتسقط الجثة فى البئر . كم هى سريعة وجريئة الافكار فى ذهن فكرى اب رشدى .الفكرة قالت له القى كل ادوات الغسل والحجارة والتراب وبقايا الرمال المحيطة بالبئر داخل البئر .

بعدما سوى البئر بالارض خرج فكرى قائلا :الله اكبر ..الله اكبر..ثم أخذ يلف ويدور وسط الناس ويقول :(مدد..مدد...مددياشيخ سعد مدد).اجتمع الكل حول رشدى وبعد حين من التكبير والتهليل قال لهم رشدى والدموع فى عينيه :هذا الرجل طيب هذا الرجل مسكين هذا الرحل جاء من اقصى البلاد ليسكن قريتكم وبينما اغسله جاءت الملائكة وكتفتنى ثم غسلته وطارت به الى السماء ثم اعادته فى ثياب بيضاء كانها من نور ووضعته داخل البئر وقالت لى قل للحاج (عبد القادر الجبالى )ان يبنى هنا له ضريحا.

ياحاج (عبد القادر) اياك ووصية الملائكة وهنيئا لك ياحاج انه دفن فى فناء دارك وصارت دارك بركة وانت رجل طيب وبركة وفى الغد سوف يأتى الناس بالهدايا كى يزورون سيدنا الشيخ سعد اياك ان تنسى نصيبى يا حاج عبد القادرمن الهدايا والنذور . الحاج عبد القادر فكر فى المكسب القريب والبعيد والرزق القادم وفكر فى زوار الشيخ وهداياهم وفكر فى مولد كبير يقام للشيخ فى كل عام يكسب منه المال والحلال ثم اخذ يبكى من شدة الفرح ومن الفرج الذى جاء على يد الغريب رشدى اب فكرى وجرى محتضنا رشدى وهو يقول الله اكبر الله اكبر ..مدد ياشيخ سعد مدد ..مدد يارشدى ياوجه الخيروالسعد مدد. يقول عم حجاج أب عبد العليم : للان والناس يزورون الشيخ (سعدالعبيط) وتقام له ليلة كبيرة يقيمها الشيخ (عبد القادرالجبالى ) باموال المريدين .
اما انا ورشدى فيقام لنا عشاء خاص فى الحجرة الخاصة بالحاج عبد القادر وننظر نحن الثلاثة فى وجوه بعضنا البعض ونضحك ونضحك حتى نكاد ان نموت من شدة الضحك واخيرا نقول فى صوت واحد:مددياشيخ سعد ..مددياشيخ فكرى ..مدد ياحاج عبد القادر ...وكمان مدد ياعم حجاج اب عبد العليم . محمداحمدخليل.
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع