بقلم : نبيل المقدس
حكت لي ليليان ذكرياتها عما حدث لها في أحد السعف منذ سنوات .. فتقول :
كم أنت حلو يا يســوعي ! ... جملة كنت أرددها دائما كلما خرجتُ من المنزل .. وأرددها أيضا عند دخولي البيت حيث تستقبلني والدتي دائما وتنظر لي دائما نظرة تفهمها نحن بنات هذا العمر .. فالأم تتمني هذه اللحظة وتسمع من إبنتها " خلاص يا ماما جاي بكره عشان يخطبني " وبهذه الطريقة ترتاح الأم بعض الشيء وهي تعلم تماما أن إبنتها تضحك عليها .. وقتها كنت فتاة عمري 17 سنة أنعم عليّ الله بعائلة غنية من ذوي الأطيان والعمارات .. فوالدي كان دكتورا بيطريا مشهورا بمزارعه لتربية المواشي ولتربية الفراخ في المحافظة التي هي بلدتنا الأصلية ونعيش فيها انا وأعمامي وعائلاتهم .. وهذا الغني هو عبارة عن إرث من أجداد الأجداد .. لكن كانت عائلتنا جميعا تمتاز بقربها من الله , وتؤمن ايمان كبير بنعم الله عليهم , قإكتسبت انا بالذات هذا الإيمان القوي من والدي .. فكانت خدمتي من ضمن الفتيات التي يمررن علي الصغار المعوقين في بيتهم لتوصيلهم الكنيسة بالسيارة الخاصة بي .. بالإضافة إلي تعليمهم روحيا بطرق خاصة تم التدريب عليها من قبل.
وكم كان يحزنني جدا أن اعيادنا تأتي دائما في فترة وجود الإمتحانات حيث المفروض خدمة الرب لهؤلاء المعوقين تزداد إهتماما وأهمية لهم لكن من شدة مشغوليتي في الإمتحانات لم أنتبه أن يوم الأحد الذي سوف يأتي بعد يومين هو " حد الزعف " .. وكما كنت ُ متعودة دائما قبل " أحد الزعف بيومين حتي ليلة الأحد نفسه " أفرغُ نفسي انا وصديقتي وزميلتي " فيفيان " في الخدمة فنشتري بعضا من أعواد الزعف ونحاول ان نصنع منها صلبان وغيرها من الأشكال الرمزية المسيحية كما نحاول أن نشاركهم ونعلمهم فن عمل هذه الأشكال الرمزية فروع الزعف ..
وتستمر " ليليان " في حديثها الشيق قائلة : بعد الإنتهاء من هذه الجلسة الجميلة مع الأطفال .. بدأت أجمع الأطفال المسئولة عنهم في توصيلهم لمنازلهم .. وعندما ركبنا السيارة إكتشفت أن إحدي "عجلات السيارة نائمة " .. وقفت حائرة وإذ يقترب مني شاب واضح أنه من اسرة متوسطة الحال .. ليقدم لي خدمته في تغيير عجلة السيارة .. ولاحظت أن إحد الأطفال يرحب به بطريقته , فعلمت أن هذا الشاب يُعتبر خال هذا الطفل .. فإطمأن قلبي وجعلته يبدل العجلة , وعلمت منه أنه في بكالوريوس التجارة في القاهرة .. لكن شعرت أن هناك إحساس غريب بدأ يسري في عروقي نحو هذا الشاب .. وشعرت أنه أيضا في داخله نفس الشعور , لكنه يحاول أن يتهرب أو ينزع من فكره هذا الإحساس , فقد عرض علي أن يأخذ هو الطفل قريبه ويوصله إلي منزله لكي يوفر لي الوقت الذي ضاع في تغيير عجلة السيارة .
دخلت البيت مبتهجة وكعادتي اقول " كم انت حلو يا يسوعي " .. وإذ اجد امي كالعادة أمامي .. اكيد عرفتي الخبر قبل ماتروحي الكنيسة مع الأطفال .. !؟ قلت لها اي خبر يا أمي .. انا " إللي عندي ليكي خبر جميل " فقد وجدته يا أمي .. شاب لطيف وسيم وشهم ومؤمن ..! قالت الأم هو والدك قال لك ان مجدي ابن عمك حضر بعد ما نزلتي أنه يريد أن يخطبك في عيد القيامة قبل ما يسافر إلي الخارج لكي يشتري بعض المعدات لمصنعه الجديد ؟؟ .. تقول " ليليان " طبعا كانت صدمة لي أن أسمع مثل هذا الخبر وانا في أجمل وأبهج اوقات حياتي وإذ بي أجد نفسي أندفع داخل حجرتي غاضبة , ودخلت ورائى والدتى واندهشت لعدم قبول ان يتم خطبتي علي "مجدي ابن عمي " الذي تتمناه كل فتيات العائلة .. وسألتنى أمي بلجاجة عن سبب رفضى .. اخيرا صارحتها أن قلبى متوجه إلي شاب آخر فيه صفات فتي أحلامها .. وبكل حكمة الأم في ذكائها وفطنتها عرفت والدتي منى ما هي تتوقعه مني في يوم من الأيام .. !!
وفي يوم أحد الزعف وبعد الإنتهاء من مراسم العيد , لاحظت أمي أننى أتحدث مع شاب لم تألفه من قبل .. لم تتواني أمى وذهبت فورا إلي كاهن الكنيسة والمسئول عن الشباب لكي تستعلم عن هذا الشاب .. وهذا من حقها .. لكنها كانت صدمتها قوية , فقد علمت انه من عائلة فقيرة جدا وان الكنيسة تساعده لكي يكمل تعليمه الجامعي في القاهرة . خافت أمي عليّ وخمنت أن هذا الشاب سوف يستغل حبى له في اشياء مادية ..
صارحتني أمي عن أحوال الشاب والتي صرح بها لي بالتفصيل وبكل صراحة ... فأمي ترفضه تماما , وسوف يكون عار علينا كعائلة لها مستوي معروف في المدينة ان تقبل ان يكون هذا الشاب الفقير المعدم يصبح منهم . وضغطوا عليّ بأن أرفضه في نفس اللحظة التي طلب هذا الشاب مقابلتى عن طريق زميلتى في الخدمة " فيفيان " لكي يفصح عما في قلبه وهو يريد أن يخطبنى في حفلة بسيطة " كتلبيس دبل " . لكن وبعد تفكير طويل رفضتُ فتي أحلامى لكي لا يُهان امام عائلتى .. لكنه لم ييأس من معرفة سبب إنسحابى , فقد عرف السبب من زميلتى "فيفيان" لأنه فقير ومعدوم . كانت صدمة له وصمم أن يقابلنى حتي ولو دقيقة واحدة .. فتقابلتُ معه بعد هذا الإلحاح ولكي أضع حد النهاية بينى وبين فتي أحلامى .. وعندما وقفت أمامه لم أتفوه بكلمة , لكنه هو الذي تفوه لى بكلمتين " أنا بحبك جدا .. وارجوكي ان تقبلي مني هذا الخاتم المصنوع من الزعف كتذكار " .. أخذته بلهفة وجريت بسرعة من أمامه قبل ما أضعف أمام هذا الحب الصادق والدموع تنهمر طيلة المسافة من مكان الفراق حتي مخدعي .. أخذت الخاتم وحفظته في علبتى الخاصة بالذكريات.
ومرت الأيام والشهور فقد كنت أسمع عن أخبار " مجدي " من خلال الطفل قريبه .. وكم سعدت جدا بأنني أسمع أن " مجدي " تخرج من التجارة وسافر إلي بلدة عربية محاسبا في إحدي بنوك هذه الدولة .. وفي إحدي المرات إذ أسمع من ابن أخيه " الطفل " أن مجدي هاجر إلي أمريكا .. صُعقت من الخبر ولا أعرف لماذا ؟؟ .. هل ما زلت أحبه حتي أنني رفضت كل الشباب الذين تقدموا لي .. !! وعندما وصلت إلي المنزل وبينما انا اجتاز عرض الشارع وفكري شارد إذ بي اصطدم بعربة , وكانت من عواقب هذا الإصطدام هو فقداني النطق ..
عشت في المنزل .. لكن وجدت نفسي متحمسة جدا أن أذهب إلي مدرسة لغات الإشارة في القاهرة ونزلت عند خالتي حتي أكملت تعليم هذه اللغة لكي استغلها في خدمتي في جمعيات الصم والبكم .. وفعلا تفوقت جدا في هذه الخدمة الروحية الجميلة والتي أحببتها جدا .
وبعد 6 سنوات تقريبا من وقت آخر مرة أري فيها " مجدي " وفي نفس الإحتفال بأحد الزعف .. أخرجت من علبة الذكريات الخاتم الذي اعطاه لي " مجدي " في آخر يوم تقابلت معه فيه . ذهبت كالعادة لكي أحتفل بهذا اليوم , وإذ أجد " زميلتي فيفيان هي وزوجها " يقولون لي ... لكى عندنا مفاجأة .. شاورت لهم عن إيه ؟؟؟ قالوا انظري ورائك الآن ؟؟ نظرت ورائي إذ أجد " مجدي " صاحب الدبلة المصنوعة من جريدة الزعف يكلمني بلغة الإشارة وكأنه علي علم بها تماما .. وبدأ يكمل لي بلغة الإشارة بالرغم أنني اسمع جيدا .. لكن لكي يبرهن لي أنه تعلم هذه اللغة خصيصا لكي يستطيع ان يسمع كل كلمة منك في حياتنا الزوجية .. وإذ به يقول أخيرا ... " ليليان تسمحي لي أن اتقدم لكي اطلب يدك من عائلتك " ؟؟؟؟
لم استطيع ان أوصف هذه اللحظات الجميلة .. كلمته بلغة الإشارة بالموافقة ... ورد علي ايضا بلغة الإشارة .
المسيح دخل اورشليم ملكا .... وفي نفس اللحظة دخل " مجدي " حياتي ...!!!!
كل سنة وانتم بخيـــــــــــــــــر .