ماذا جرى خلال اليوم الأخير فى حكم مبارك؟ هل حدثت صفقة بين المجلس العسكرى والإخوان؟ أين الحقيقة فى علاقة أمريكا بجماعة الإخوان؟ هل كان الفريق أحمد شفيق هو الفائز فى انتخابات الرئاسة الأخيرة؟ ما القصة الحقيقية وراء قرار الكتور محمد مرسى بإقالة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان؟ ماذا عن سيناريوهات المستقبل وعلاقة الجيش بالإخوان؟
الإجابة عن هذه الأسئلة المهمة والمصيرية يتضمنها كتاب «الجيش والإخوان.. أسرار خلف الستار» للكاتب الصحفى الكبير مصطفى بكرى، يصدر الأسبوع المقبل عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة فى 450 صفحة، وتنشر «الوطن» -باتفاق خاص- عددا من الفصول المهمة منه.
كان يوم الثانى عشر من أغسطس 2012 يوماً حاسماً فى تاريخ حكم مصر على يد أول رئيس مدنى للجمهورية جرى انتخابه بعد نجاح الثورة وسقوط نظام مبارك.
كان كل شىء يمضى طبيعياً فى القصر الجمهورى، لم يكن هناك شىء مختلف يلفت الانتباه.
فى هذا اليوم نشرت مواقع التواصل الاجتماعى تصريحاً للدكتور «ياسر على» المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية قال فيه: «إن الحد الأقصى لإعلان اسم نائب واحد لرئيس الجمهورية على الأقل هو مطلع الشهر المقبل وفقاً للإعلان الدستورى».
وفى اليوم ذاته عقد الرئيس محمد مرسى بحضور رئيس الوزراء وعدد من الوزراء اجتماعاً مع المحافظين، تم خلاله مناقشة العديد من القضايا والمشكلات، خصوصاً أزمة الكهرباء وتحديد مواعيد قطعها فى بعض المناطق للتخفيف من حدة الضغط على المحطات، بعد أن تفاقمت المشكلة إلى حد كبير وباتت تهدد استقرار البلاد.
لاحظ المتابعون للاجتماع أن هناك تعمداً لإطالة فترة الاجتماع، الذى استمر لنحو خمس ساعات تقريباً، مع أن القضايا الرئيسية تمت مناقشتها فى وقت قصير.
كان الرئيس يخرج ثم يعود مطالباً المجتمعين بالاستمرار فى مناقشة المشكلات التى يعانيها المواطنون مع رئيس الحكومة والوزراء المعنيين.
فى الوقت نفسه كان المشير طنطاوى قد دعا أيضاً إلى اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الحادية عشرة صباحاً، وذلك لمناقشة آخر تطورات الأوضاع فى سيناء فى ضوء التحقيقات والعمليات العسكرية التى تجرى فى المناطق المختلفة.
حضر غالبية أعضاء المجلس الأعلى، وإن كان البعض قد تخلف عن الحضور، وكان من أبرز الذين لم يحضروا هذا الاجتماع الفريق «مهاب مميش» قائد القوات البحرية، الذى لم يتمكن من الحضور بسبب وجود أعطال ومعوقات فى الطريق من الإسكندرية إلى القاهرة، ففضل الذهاب إلى منزله بالقاهرة، وأبلغ اعتذاره للأمين العام لوزارة الدفاع لإبلاغ المشير.
وكان اللواء «عبدالفتاح السيسى» (عضو المجلس الأعلى، مدير المخابرات الحربية والاستطلاع) حاضراً هذا الاجتماع وظل موجوداً حتى الثانية ظهراً.. كانت الأعصاب مشدودة بسبب ممارسات ومواقف الرئيس، وأيضاً تداعيات حادث رفح ورفض الرئيس الإعلان عن النتائج الأولية للتحقيقات فى هذا الحادث.
منذ البداية تحدث اللواء «حسن الروينى» (عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة) مبدياً اعتراضه على قرار الرئيس مرسى بمنع أعضاء المجلس ممن هم فوق سن الخدمة من حضور اجتماع المجلس الأعلى مع الرئيس مساء الجمعة 9 من أغسطس 2012.
قال «الروينى»: إن الإعلان الدستورى المكمل يعطى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحده سلطة القرار، وما جرى هو تجاوز لذلك!
لم يكن اللواء الروينى وحده صاحب وجهة النظر تلك، كان هناك آخرون قد أبدوا اعتراضهم على قرار الرئيس ووجهوا اللوم إلى المشير طنطاوى لاستجابته لهذا القرار.
حاول البعض أن يحذر المشير من خطورة المرحلة المقبلة، إلا أن المشير كان يستمع إلى هذه الآراء فى صمت، ثم حاول أن يهدئ من مشاعر الغضب، مؤكداً أن هذا الأمر لن يتكرر مرة أخرى، وأنه وافق على مطلب الرئيس، لأنه لم يُرِد أن يخلق أزمة بين المجلس العسكرى ورئيس الجمهورية.
«ياسر على» طالب الإعلاميين بالانصراف من «الاتحادية» فوراً.. وأبقى على طاقم الفنيين بالتليفزيون المصرى
كانت الأجواء تنذر بحدث ما، وكانت كل المؤشرات تقول إن تهديدات الإخوان بإصدار إعلان دستورى جديد يلغى الإعلان الدستورى المكمل، هى تهديدات جادة، وإن الرئيس يتبنى هذا الموقف، وهو أمر حتماً سيقود إلى الصدام.
بعد جدل طويل حول مواقف الرئيس من الإعلان الدستورى المكمل، والمخاوف من تردى الأوضاع والعلاقة ما بين المجلس العسكرى ورئيس الدولة.. انتقل الاجتماع إلى القضية التى كانت تشغل الجميع فى هذا الوقت، وهى قضية الحملة العسكرية على أوكار الإرهابيين فى سيناء وآخر نتائج التحقيقات التى تجريها النيابة العسكرية حول حادث رفح.. لقد طالب أعضاء المجلس العسكرى فى هذا الاجتماع بضرورة إعلان الحقائق كاملة على الشعب، خصوصاً أن المؤشرات الأولية تؤكد مشاركة عناصر «فلسطينية» تنتمى إلى تنظيمات متشددة فى ارتكاب هذا الحادث جنباً إلى جنب مع العناصر الأصولية التكفيرية الموجودة فى منطقة «جبل الحلال» و«المهدية» داخل سيناء.
لقد تساءل البعض عن أسباب رفض الرئيس إعلان نتائج التحقيقات، وطالبوا المشير بضرورة إعلان نتائج هذه التحقيقات حتى تبرئ القوات المسلحة ساحتها أمام الشعب وأمام التاريخ.
وعد المشير بطرح الأمر على الرئيس مجدداً، وقال إن اللواء عبدالفتاح السيسى طلب ذلك من الرئيس مرسى وحذر من خطورة التكتم على نتائج التحقيقات، لا سيما بعد إعلان القوات المسلحة فى وقت لاحق أنها ستعقد مؤتمراً صحفياً للإعلان عن هذه النتائج.
فى الثانية ظهراً انتهى اجتماع المشير مع أعضاء المجلس الأعلى، رن جرس الهاتف.. كان المتصل على الجانب الآخر هو الرئيس محمد مرسى.
- قال الرئيس: علمت أنكم كنتم فى اجتماع للمجلس العسكرى، هل هناك جديد عن الوضع فى سيناء؟
- أجاب المشير: نحن نتابع الأمر، والتحقيقات كشفت عن تورط جهات عديدة داخل قطاع غزة بالاشتراك مع بعض عناصر المنظمات التكفيرية فى سيناء، ونحن جاهزون لإعلان الحقائق التى تم التوصل إليها.
- قال الرئيس: هذا موضوع سنناقشه معاً فيما بعد.. ما يهمنى الآن أن رئيس الحكومة أبلغنى أنه يحتاج إلى مليار ونصف المليار دولار فوراً لإنهاء مشكلة قطع الكهرباء، وبعض الاحتياجات الخاصة بالمواد البترولية.. أرجو توفير هذا المبلغ وبشكل عاجل من ميزانية القوات المسلحة.
- قال المشير: هذا أمر صعب.. لقد سبق أن منحنا الحكومة أكثر من 7 مليارات دولار قبل ذلك لدعم الاحتياطى الاستراتيجى من العملة الأجنبية، بل قمنا أيضاً بدفع مبالغ أخرى إليها.
- قال الرئيس: لكن الحكومة تحتاج هذا المبلغ فوراً.. عموماً أرجو أن تحضر إلى الرئاسة لمناقشة كيفية تدبير هذا المبلغ، وأرجو أن يحضر معك الفريق سامى عنان واللواء «محمود نصر» (المسئول عن الشئون المالية بالمجلس الأعلى)، لنصل إلى حل يرضى كل الأطراف، وياريت اللواء محمود نصر يجيب معاه أبواب الميزانية الخاصة بالقوات المسلحة.
- قال المشير: متى نحضر؟
- الرئيس: موعدكم الساعة الثالثة والربع عصراً.
كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أنهى اجتماعه للتو، طلب المشير اللواء محمود نصر للحضور إلى مكتبه، حيث يوجد مكتب اللواء محمود نصر بالقرب من مكتب المشير فى الدور الثانى فى مبنى وزارة الدفاع.
واللواء محمود نصر، هو من العقليات الاقتصادية المتميزة، لديه عمق فى الفهم والرؤية الاقتصادية يتعدى الكثيرين من خبراء الاقتصاد، وكان هو أيضاً من أبرز الداعين لاستقالة أعضاء المجلس العسكرى بعد تسلم الرئيس للسلطة على الفور.
أبلغ المشير طنطاوى اللواء محمود نصر بمطلب الرئيس مرسى، فقال اللواء محمود نصر: ولكن هذا المبلغ غير متوافر الآن، وقطعاً لا يمكن كسر الوديعة الدولارية للقوات المسلحة، التى هى مخصصة لمواجهة أى طارئ أو احتمالية قطع المعونة الأمريكية عن مصر.
- قال المشير: ليس أمامنا خيار.
فهم اللواء محمود نصر الرسالة، وذهب على الفور إلى مكتبه لإعداد الأوراق المطلوبة عن موازنة القوات المسلحة، وعندما أبلغ المشير الفريق سامى عنان باللقاء مع الرئيس تساءل الفريق: وما علاقتى أنا بالأمور المالية لكى أحضر هذا اللقاء؟!
- قال المشير: الرئيس كان مُصرّاً على حضورك.
لم يكن أمام رئيس الأركان من خيار آخر، فأبدى موافقته على الحضور جنباً إلى جنب مع المشير واللواء محمود نصر.
مرسى يسلم طنطاوى قلادة النيل قبل ساعات من إقالته
مضى الركب قبل الموعد المحدد بقليل، كان قائد الحرس الجمهورى اللواء «محمد زكى» فى الانتظار، طاقم الحراسة المكلف بحراسة المشير ورئيس الأركان بقى فى مكانه المعتاد، بينما اصطحب قائد الحرس الجمهورى كلاً من المشير ورئيس الأركان واللواء محمود نصر إلى صالون كبار الزوار فى الدور الأول من مبنى القصر الجمهورى بـ«الاتحادية».
قبل هذا الموعد بقليل أبلغ د. ياسر على «المتحدث باسم رئاسة الجمهورية» جميع الصحفيين والإعلاميين المعتمدين بالرئاسة أن جدول أعمال الرئيس قد انتهى بانتهاء اجتماعه بالمحافظين، وأن عليهم الانصراف من مقر الرئاسة على الفور.
فى هذا الوقت أيضاً جرى الاتصال باللواء عبدالفتاح السيسى مدير المخابرات الحربية والاستطلاع للحضور بشكل عاجل إلى مقر رئاسة الجمهورية، كان الاتصال قد جرى باللواء السيسى بواسطة مدير مكتب رئيس الجمهورية بعد وصول المشير طنطاوى والفريق سامى عنان مباشرة.
وقد قيل له فى هذا الوقت إن اللقاء يستهدف مناقشة آخر نتائج التحقيقات فى حادث رفح، وإن الرئيس يريد أن يجتمع باللواء السيسى فى حضور المشير طنطاوى ورئيس الأركان سامى عنان.
ولم يكن الأمر غريباً بالنسبة للواء عبدالفتاح السيسى، فهو كان يتردد كثيراً على مقر رئاسة الجمهورية منذ حادث رفح تحديداً بوصفه المسئول عن حلقة الصلة بين المجلس العسكرى ورئاسة الجمهورية.
على الفور وصل اللواء السيسى إلى مقر رئاسة الجمهورية، استقبله قائد الحرس، وكانت التعليمات إليه أن يجلسه فى غرفة خاصة بعيداً عن صالون الاستقبال الذى يجلس فيه المشير طنطاوى والفريق سامى عنان واللواء محمود نصر.
لم يكن قائد الحرس الجمهورى يعلم عن الأمر شيئاً، كان الأمر فقط مقصوراً على عدد محدود من المقربين من الرئيس مرسى، انتظر اللواء السيسى فى الغرفة المحددة بالدور الأول فى قصر الاتحادية، قيل له إن الاجتماع مع الرئيس سوف يبدأ بعد قليل.
كانت التعليمات تقضى بعدم حدوث أى لقاء أو اتصال بين اللواء السيسى والمشير طنطاوى فى هذا الوقت، ولذلك ظل برفقته د. ياسر على المتحدث باسم الرئيس تارة، ود. أحمد عبدالعاطى مدير مكتب الرئيس تارة أخرى.
كانت الرئاسة قد طلبت من جميع الصحفيين والإعلاميين الانصراف لعدم وجود أية مقابلات أخرى للرئيس فى قصر الاتحادية، بينما جرى التنبيه على طاقم الفنيين فى التليفزيون المصرى الانتظار دون أن يشعر الآخرون.
بعد قليل حضر قائد الحرس الجمهورى ليخطر المشير ومن معه بدعوتهم إلى صلاة العصر خلف الرئيس، وبالفعل اصطحبهم قائد الحرس إلى المسجد الموجود داخل حرم قصر الاتحادية، وخلال اصطحابهم إلى المسجد قال لهم قائد الحرس إن اللواء عبدالفتاح السيسى حضر إلى القصر، وهنا بادره الفريق سامى عنان بالقول: طيب خليه يحضر للصلاة معنا.
لم يتبادر إلى ذهن الفريق أو المشير فى هذا الوقت أى شك فى هذا الأمر، لقد كان الاعتقاد السائد أن اللواء السيسى حضر لمتابعة ملف رفح مع كبار المسئولين برئاسة الجمهورية كما هى العادة.
تولى الرئيس إمامة المصلين لصلاة العصر، وبعد انتهاء الصلاة قام بمصافحة بعض الحاضرين داخل المسجد، ومن بينهم المشير والفريق سامى عنان واللواء محمود نصر، ولوحظ عدم حضور اللواء السيسى للصلاة، ويبدو أن أحداً لم يخطره بذلك، بل بقى فى غرفته ومعه د. ياسر على حتى لا يلتقى مع المشير وجهاً لوجه.
لم يكن هناك أى إجراءات غير عادية، بل حتى الموبايلات ظلت فى حوزة أصحابها دون أن يطلب أحد منهم تسليمها لأمن الرئاسة أو غير ذلك.
عندما وصل المشير ومرافقوه بعد أداء صلاة العصر إلى الصالون الأرضى مجدداً، اصطحبهم قائد الحرس الجمهورى إلى الصالون العلوى الملحق بمكتب الرئيس وأبلغهم أن الرئيس سوف يحضر إليهم بعد قليل.
فى هذا الوقت، مضى الرئيس إلى حيث يجلس اللواء عبدالفتاح السيسى، قال له إن المشير قدم استقالته من منصبه، وإنه أبلغه بترشيحه وزيراً للدفاع ليحل محله، وطلب منه أن يظل الأمر سراً، حتى لا يسمع به الفريق سامى عنان أو الآخرون، وأنه أيضاً رشح له اللواء صدقى صبحى قائد الجيش الثالث لتولى موقع رئيس الأركان بدلاً من الفريق سامى عنان، وكذلك تغيير قادة البحرية والدفاع الجوى والقوات الجوية وسيحل محلهم رؤساء أركان هذه الأفرع.
لم يفاجأ اللواء السيسى بترشيح المشير له، فقد كان يعرف ذلك منذ وقت ليس بالقصير، لكنه أبدى دهشته من الطريقة، خصوصاً أن المشير لم يفاتحه فى الأمر، رغم لقائه معه منذ قليل.
قال الرئيس لـ«السيسى»: استعد لأداء اليمين الدستورية بعد قليل، وبعدها سوف ألتقيك مرة أخرى بحضور المشير طنطاوى بعيداً عن الفريق سامى عنان، والذى قطعاً أنت تعرف أنه كان يأمل أن يكون وزيراً للدفاع، إلا أن المشير اختارك أنت، وأنت تعرف مدى تقديرى للمشير واحترامى لمواقفه وإخلاصه، والحقيقة أن ترشيحه لك هو خير دليل على ذلك الإخلاص لمصر وللقوات المسلحة، فأنت من خيرة العناصر، كما أننا جميعاً فى حاجة إلى دماء جديدة تلقى قبولاً داخل الجيش، وأنت تعرف أن المشير حاول الاستقالة أكثر من مرة، وعندما وجدته مُصراً هذه المرة وافقت على ذلك، لا سيما بعد أن رشحك لتحل محله، وقال له إن اللواء «العصار» يعلم بكل هذه التطورات وهو من أشد المؤيدين لترشيحك وإننى لهذا قررت إعادة تعيينه مساعداً وحيداً لوزير الدفاع، وإبعاد كل من تجاوز سن الستين من أعضاء المجلس العسكرى، بحيث يعود المجلس إلى وضعه الطبيعى.
لم يكن لدى اللواء السيسى أية معلومات عن الدور الذى لعبه اللواء «العصار» فى ترشيحه هو والآخرين لرئيس الجمهورية ليحلوا محل القيادات الحالية، لكن اللواء «العصار» كان معروفاً أنه منفتح على الجميع، وكانت له اتصالات بكافة القوى، التيارات الشبابية والقوى الليبرالية والتيارات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين، وربما يكون بالفعل قد استشير فى مسألة الترشيحات للقيادات العسكرية الجديدة كما تردد فى هذا الوقت.
فى الدور الأول، كان كل شىء قد تم إعداده، مدير المراسم قدم للواء السيسى ورقة تحوى صيغة القسم، وكان هناك أيضاً المستشار محمود مكى ورئيس الوزراء د. هشام قنديل.
كان المستشار مكى على علم بقرار تعيينه نائباً للرئيس، تقدم لأداء القسم، ومن بعده تقدم اللواء السيسى وبعدها التقى الرئيس باللواء السيسى الذى تمت ترقيته إلى رتبة الفريق أول، وبعد لقاء قصير بينه وبين الرئيس طلب منه رئيس الجمهورية الانصراف إلى مكتبه بالمخابرات الحربية لإدارة الأمور داخل وزارة الدفاع لحين قيام المشير والفريق عنان بلملمة أوراقهما من الوزارة.
كان الرئيس لا يريد حدوث لقاء مباشر بين الفريق أول السيسى وبين المشير حتى تمضى الأمور بهدوء وتستقر الأوضاع.
مدير مكتب الرئيس اتصل بـ«السيسى» وطلب منه الحضور بشكل عاجل بحجة مناقشة نتائج تحقيقات حادث رفح
انصرف الفريق أول عبدالفتاح السيسى، ولم يكن يعلم حتى هذا الوقت شيئاً سوى ما أبلغه به رئيس الجمهورية، وكان على يقين من أن أمر ترشيحه تم بالتفاهم مع المشير.
مضى من الوقت ثلث ساعة بعد الوقت المحدد سلفاً لمقابلة الرئيس فى الثالثة والربع بعد عصر اليوم، تساءل المشير: هو إيه الحكاية بالضبط؟
قال الفريق عنان: من المؤكد أن الرئيس انشغل بأمر ما.
بدأ القلق يتسرب إلى الفريق سامى عنان، ظن الرجل لبعض الوقت أن هناك احتمالاً لوجود موقف ما، كان وجود اللواء السيسى فى هذا الوقت مدعاة للتساؤل.
لم يحاول الفريق أن يناقش الأمر، لكنه أدرك أن شيئاً ما يجرى الترتيب له من خلف ستار.
كان هناك من يشير للفريق سامى عنان بأنه ربما يكون المرشح الأكثر حظاً لتولى منصب نائب رئيس الجمهورية، بعد انتخاب الرئيس محمد مرسى، لقد وصلته إشارات ومعلومات من بعض المقربين إلى الرئيس بذلك، لكن الفريق عنان كان يقول دوماً: يكفينى أننى أديت دورى بأمانة وإخلاص طيلة تاريخى العسكرى، كان يدرك بالقطع أنه لن يكون وزير «الدفاع» المقبل، فالقرار الذى اتخذ فى شهر مايو يسرى على الجميع ممن هو فوق السن القانونية.
بعد قليل دخل إلى الصالون رئيس الوزراء د. هشام قنديل، صافح المشير ومن معه، وبعده بقليل جاء المستشار محمود مكى، ولاحظ الحاضرون أن أحد المسئولين عن المراسم جاء فى صحبته، وقال له: اتفضل يا سيادة النائب.
كان الخبر غريباً على الجميع، لم يكن أحد يعلم حتى وقت قليل مضى أن المستشار محمود مكى قد أسند إليه منصب نائب الرئيس.
لم يعلق أى من الحاضرين على الأمر، غير أنهم أدركوا أن هناك شيئاً ما قد حدث.
بعد ذلك مباشرة حضر الرئيس محمد مرسى، صافح الحاضرين، وبدأ على الفور سؤال اللواء محمود نصر (عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة للشئون المالية والاقتصادية).
- الرئيس: هل دبرت المبلغ المطلوب يا سيادة اللواء؟
- محمود نصر: أنا جبت ملخص لأبواب الموازنة العامة للجيش بما فيها الاحتياطى.
طلب الرئيس الاطلاع على الموازنة الخاصة بالجيش، وراح يستعرض الأوراق، ويتساءل عن بعض الأرقام، استمر الحديث حول هذا الأمر لمدة سبع دقائق تقريباً، وبعدها قال: أرجو تدبير المليار ونصف المليار دولار فوراً من أى بند من البنود.
نظر اللواء محمود نصر للمشير منتظراً التعليمات، فقال له المشير: رغم صعوبة ذلك، لكن حاول تتصرف.
كان التوتر بادياً على الرئيس بعض الشىء، نظر إلى المشير طنطاوى وإلى رئيس الأركان سامى عنان وقال: أنت تعرف تقديرى لك يا سيادة المشير، وأنت كذلك يا سيادة الفريق سامى، وتعرفان أيضاً أننا فى مرحلة جديدة، وأنا كرئيس جمهورية أقدر الدور الذى قمتما به وكذلك دور المجلس العسكرى فى الثورة وتحقيق الاستقرار وإجراء انتخابات نزيهة فى البلاد.
وأنا أشهد أنكم جميعاً أديتم دوركم بكل أمانة وإخلاص، وأعرف أيضاً أنك لم تكن راغباً فى الاستمرار يا سيادة المشير، ولذلك أبلغكما اليوم بأن دوركما انتهى عند هذا الحد، لأن لكل مرحلة رجالها، ومن حقى كرئيس منتخب للجمهورية أن أختار أناساً لا يقلون وطنية عنكم لقيادة الجيش فى هذه المرحلة الصعبة خصوصاً بعد حادث رفح وتداعيات هذا الحادث.
أصيب المشير ورئيس الأركان بحالة من الصدمة والذهول، لم يصدقا ما سمعاه منذ قليل، لقد أدركا الآن أن الرئيس قد أعد لهما «فخاً» وأنهما تعرضا للخديعة.
- بادر المشير طنطاوى بالرد على الرئيس بالقول: ولكن، هناك إعلان دستورى مكمل يمنع عزل أى من قيادات الجيش.
- رد عليه الرئيس على الفور وقال: لقد ألغيت هذا الإعلان الدستورى المكمل أمس، ونشر فى الجريدة الرسمية، وانتهى الأمر.
- قال المشير: ولكن ذلك غير دستورى.
- رد الرئيس بالقول: أنا رئيس الجمهورية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة ولدى جميع الصلاحيات، ثم إن إلغائى الإعلان الدستورى جاء تلبية لرغبة الشعب المحتشد فى الميادين، وأيضاً إعمالاً لسلطات رئيس الجمهورية.
- قال المشير: ولكن سلطة التشريع هى فى يد المجلس العسكرى لحين انتخاب مجلس الشعب، وأنا أرى أن هذا القرار يمثل إهانة، لقد طلبت الخروج قبل ذلك بعد تسلمك السلطة ولكنك رفضت ذلك وطالبتنا بالاستمرار لحين وضع الدستور.
- قال الرئيس: هناك متغيرات طرأت، والموضوع حُسم، وقد ألغيت الإعلان الدستورى المكمل، وأصدرت قراراً بتعيينك أنت والفريق سامى عنان مستشارين عسكريين لى، وسيكون لكما مكتبان فى القصر الجمهورى، كما أننى قررت منحك قلادة النيل يا سيادة المشير وأنت وسام الجمهورية يا سيادة الفريق سامى، ولا إيه رأيك؟
قال الفريق سامى عنان وقد أخذته الدهشة: نحن أدينا رسالتنا بشرف وكرامة، ولم نكن طامعين فى سلطة، وتحملنا جميع المخاطر عند وقوفنا مع الثورة، ولذلك إذا كان هناك مصلحة عامة من وراء هذا القرار فنحن ليس لدينا اعتراض، ولكن هناك إعلاناً دستورياً مكملاً، لا يعطيك الحق فى عزلنا بهذه الطريقة.
هنا تدخل المستشار محمود مكى الذى كان قد عُين منذ قليل نائباً لرئيس الجمهورية وقال: من الناحية الدستورية والقانونية يحق لرئيس الجمهورية إلغاء هذا الإعلان المكمل، الذى نعرف أنه جاء فى ظروف غير طبيعية، كما أنه لم يجر الاستفتاء عليه ولم ينل الرضا الشعبى.
أدرك المشير طنطاوى أن الأمر قد حُسم، لم يكن أمامه من خيار آخر، الرجل لم يكن طامعاً فى السلطة، وكان دوماً يعلن أنه ينتظر تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب وبعدها سيقدم استقالته، تخوف من أن تكون معارضته سبباً فى حدوث انشقاق داخل الجيش يمتد إلى حريق يطال الوطن، وهو الذى حاول تفادى ذلك طيلة الفترة الانتقالية.
وقبيل أن يغادر المشير ومن معه القصر الجمهورى قال اللواء محمود نصر موجهاً حديثه للرئيس: وأنا أيضاً أتقدم باستقالتى يا سيادة الرئيس.
كان د. محمد مرسى يعرف جيداً القدرات التى يتمتع بها اللواء محمود نصر، ولذلك بادر على الفور: لا أنا محتاجك معانا يا سيادة اللواء.
ودّع الرئيس المشير ورئيس الأركان واللواء محمود نصر، ركب المشير ورئيس الأركان فى سيارة واحدة، كان الذهول يسيطر عليهما، لم يصدقا ما حدث، وما إن ركبا السيارة حتى طلب المشير من السائق تشغيل الراديو.
وبالفعل بعد دقائق معدودة، كان د. ياسر على «المتحدث باسم رئيس الجمهورية» يعلن بيان الاطاحة بالمشير وعنان.
كانت تلك هى المرة الأولى التى يستمع فيها المشير طنطاوى والفريق سامى عنان إلى قرار تعيين الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى منصب وزير الدفاع والفريق صدقى صبحى فى منصب رئيس الأركان.
- أحدث قرار اختيار السيسى وصدقى حالة من الطمأنينة لدى المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، خفف من وقع الصدمة، ولكنهما ظلا يشعران بالإهانة التى سببها لهما القرار المفاجئ.
اقترب الركب من مبنى وزارة الدفاع، كان الفريق أول السيسى قد انصرف على الفور بعد أداء القسم، مضى وزير الدفاع الجديد إلى مبنى المخابرات الحربية، حيث ظل يدير الوزارة من هناك لفترة من الوقت.
وعندما وصل المشير ورئيس الأركان إلى مبنى الوزارة التف حولهما القادة والضباط الذين سمعوا بالخبر من شاشة التليفزيون، وتساءل البعض عما إذا كان سيعقد اجتماعاً للمجلس العسكرى لتدارس الأمر، إلا أن المشير قال لهم: «لقد انتهى الأمر، والفريق أول السيسى ابنى والفريق صدقى صبحى ابنى، وأنا الذى رشحتهما، وعلينا أن نتجاوز الحدث، المهم هو الجيش وسلامته، وأنا آمن على الجيش تحت قيادة الفريق أول السيسى» بعدها أغلق المشير باب مكتبه وراح يلملم أوراقه بمساعدة مدير مكتبه اللواء يسرى زكى، وكذلك فعل الفريق سامى عنان.
كان الفريق مهاب مميش نائماً فى منزله فى هذا الوقت، رن جرس الهاتف، وكان على الجانب الآخر أحد مساعديه:
- قال له: هل سمعت بالخبر؟
تساءل الفريق مميش: خبر إيه؟
- قال له: لقد تم الإعلان منذ قليل فى التليفزيون عن إعفائك من منصبك وتوليك منصب رئيس هيئة قناة السويس، وبدأ يسرد عليه بقية القرارات الأخرى.
- قال الفريق مميش: الحمد لله على كل شىء.
وما حدث مع الفريق مميش الذى عين رئيساً لهيئة قناة السويس، هو ذاته الذى حدث مع الفريق عبدالعزيز سيف الدين «قائد قوات الدفاع الجوى» الذى عين رئيساً للهيئة العربية للتصنيع، وأيضاً اللواء رضا حافظ «قائد القوات الجوية» الذى عين وزيراً للدولة للإنتاج الحربى.
كان الخبر صادماً للكثيرين، لم يتوقع الناس أن يحسم الرئيس الأمر بكل هذه السهولة، غير أن هناك من كان يرى أن القرار هو تحصيل حاصل، وأن المشير ورئيس الأركان كانا يرغبان فى مغادرة الساحة فى أقرب وقت ممكن، وأنه ربما لهذا السبب قبلا بهذا الوضع، وكان بإمكانهما قلب المائدة على الرئيس!
فى مساء اليوم ذاته كان الرئيس مرسى على موعد مع حشد من الأئمة والدعاة لحضور الاحتفال بليلة القدر، وقد ألقى الرئيس خطاباً فى هذا الاحتفال تناول فيه التغييرات التى أجراها عصر اليوم ذاته لعدد من القيادات العسكرية الكبرى، حيث قال: «ما اتخذته اليوم من قرارات لم أوجهه أبداً لأشخاص أو لإحراج مؤسسات»، وأضاف: «لابد من الوفاء لمن كانوا أوفياء» وأنا قصدت مصلحة الأمة ومصلحة الشعب».
فى هذا الوقت ثار جدل كبير فى الشارع حول ما إذا كان ما جرى قد تم بالتفاهم بين المؤسسة العسكرية والسلطة، أم تم عن طريق الخديعة كما حدث فى سيناريو عزل المشير أبوغزالة عندما استدعاه مبارك وقال له: ارتد ملابسك المدنية وتعال صباحاً لأننا سنغادر إلى الأردن، وعندما وصل إلى هناك وجد نفسه يؤدى القسم مساعداً لرئيس الجمهورية، بينما جىء باللواء يوسف صبرى أبوطالب محافظ القاهرة السابق لتولى منصب وزير الدفاع دون علم المشير أبوغزالة!
لقد قال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية د. ياسر على: «إن قرار الرئيس بالتغيير تم بالمشاورة والتفاهم مع الأطراف المعنية»، وهو ما أكده اللواء محمد العصار «عضو المجلس العسكرى، مساعد وزير الدفاع».
أما المستشار القانونى للرئيس محمد فؤاد جاد الله فقد قال بعد مرور حوالى 12 ساعة من الحدث: «إن الرئيس اتخذ القرار بنفسه ودون الرجوع لأحد، وأن القادة المحالين لم يعرفوا به إلا بعد إصداره».
لقد توقف المراقبون أمام التصريح الذى أدلت به المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية الذى قالت فيه: «إن واشنطن كانت على علم بوجود مشاورات حول تغييرات بقادة الجيش فى مصر، وما حدث كان تشاورياً وليس انقلاباً».
كانت كل المؤشرات فى هذا الوقت تشير إلى أن هناك طرفاً ما أبلغ الإدارة الأمريكية بوقائع «خديعة الثانى عشر من أغسطس». كانت الاتهامات فى البداية محصورة فى احتمالية قيام أمير قطر بهذا الدور، وخصوصاً أنه التقى الرئيس مرسى على مدى ساعتين ونصف الساعة من الخامسة إلى السابعة والنصف مساء السبت 11 أغسطس، أى قبيل قرار الإقالة بساعات قليلة، وأنه غادر القاهرة فى مساء السبت نفسه يوم الزيارة.
غير أن المعلومات أكدت أنه لم يكن هو الذى أبلغ واشنطن ذلك، وإنما من تولى إبلاغ الإدارة الأمريكية بما سيجرى فى اليوم التالى كان هو د. عصام العريان الذى كان مسئولاً حتى هذا الوقت عن ملف العلاقات الخارجية، وكان أيضاً نائباً لرئيس حزب الحرية والعدالة ومن أكثر المقربين إلى الرئيس محمد مرسى، الذى كان وراء ترشيحه لرئاسة حزب الحرية والعدالة، إلا أن خيرت الشاطر رشح د. سعد الكتاتنى الذى فاز بالمنصب من الجولة الأولى.
كان د.عصام العريان يتردد فى سرية تامة على قصر الرئاسة خلال الفترة التى تلت حادث رفح، وكان يجلس منفرداً مع الرئيس، وكانت الشائعات تقول إنه ربما يكون مرشحاً لمنصب نائب الرئيس أو مساعده لشئون العلاقات الخارجية فى هذا الوقت.
لقد تولى بنفسه إبلاغ واشنطن بأن الرئيس قد اتخذ قراره بإجراء تغييرات فى القيادات العسكرية، وأن الأمر يتم بالتشاور مع بعض أعضاء المجلس العسكرى بهدف تولى الرئيس كامل سلطاته وإنهاء تقاسم السلطة فى البلاد، كما كانت جماعة الإخوان تردد فى هذا الوقت.
قائد الحرس الجمهورى استقبل «السيسى».. وكانت التعليمات بأن يجلس فى غرفة بعيدة عن الصالون الذى يجلس به المشير وعنان
لم يكن الأمر غريباً على الدكتور العريان، فعلاقته بالأمريكيين تعود إلى فترة بعيدة، إذ سبق له أن تولى ملف الحوار مع القادة المسئولين بالإدارة الأمريكية فى فترات سابقة، كما أنه عقد فى يوم الجمعة 8 من نوفمبر 2011 اجتماعاً مهماً بمقر حزب الحرية والعدالة مع «وليام تايلور» مسئول ملف نقل السلطات فى الشرق الأوسط دار فيه حوار حول انتخابات مجلس الشعب، ومطالب الإخوان من هذه الانتخابات.
كما تطرق الحوار إلى تعهدات جماعة الإخوان للإدارة الأمريكية فيما يخص احترامها لاتفاقية السلام مع إسرائيل وغيرها من المطالب.
باختصار، كانت علاقة عصام العريان بالأمريكيين قوية ووثيقة وترجع إلى سنوات سابقة، وربما كشفت زيارة العريان للولايات المتحدة فى شهر نوفمبر 2012 برفقة عصام الحداد «مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية فيما بعد» وما أعقبها من تصريحات عن حق اللاجئين اليهود المصريين فى العودة إلى مصر عن الكثير من هذه الحقائق.
أدرك الرئيس مرسى أن الأمريكيين ليسوا ضد تغيير القيادات العسكرية، لقد استمع إلى هذا الكلام قبل ذلك من وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلارى كلينتون خلال لقائه بها فى 14 من يوليو 2012، إلا أن التأكيدات الجديدة التى أبلغها إليه د.عصام العريان حسمت كل شىء.
أما عن الموقف الإسرائيلى من هذه التغييرات، فقد أشار الموقع الإلكترونى للقناة العاشرة الإسرائيلية إلى أن سلسلة الإقالات وتغيير القادة المدهش، الذى قام به رئيس مصر، محمد مرسى فى قيادات الجيش، أدهش تماماً الحكومة الإسرائيلية.
وقد أكد موقع القناة الإسرائيلية أن إسرائيل فوجئت تماماً بهذه التعيينات، وأن ثمة أحداً فى إسرائيل لم يتوقع أن تؤدى الأحداث الإرهابية فى سيناء إلى إجراء كهذا.
وأشار الموقع إلى أن الرئيس مرسى كان يخطط لهذه الخطوة منذ فترة، وأن التحرك للحكم الإسلامى فى مصر حدث تدريجياً، وأن مصر فى الطريق لأن تصبح دولة إسلامية وفقاً للنموذج التركى.
فى هذا الوقت، راحت جماعة الإخوان تدعو إلى التظاهر فى جميع المحافظات ترحيباً بقرارات الرئيس، وزحف المئات إلى قصر الاتحادية يهتفون: «حرية عدالة - مرسى وراه رجالة».. وبدأ بعض قادة الجماعة والمرتبطين بهم يروجون أن قرارات الرئيس جاءت للحيلولة دون حدوث انقلاب عسكرى بالتزامن مع مظاهرات 24 من أغسطس.
أما د.عصام العريان، فقد كان رأيه أن «القرارات جاءت لإحباط مخططات الثورة المضادة» ولكى تفضح الذين يعملون على نشر الفوضى»، مؤكداً أنها ارتبطت بأحداث سيناء التى أظهرت حالة من التراخى فى أداء المؤسسة العسكرية وعدم الانضباط فى هذا الوقت.
وراح العريان يتجنى على الحقيقة بالقول: «إن هذه القرارات كشفت الطرف الثالث الذى يعمل على إعاقة مسيرة التحول الديمقراطى للشعب المصرى»، ويبدو أن هذه الادعاءات هى التى روجها لأصدقائه الأمريكيين.
كان الموقف غامضاً، فحتى هذا الوقت، لم يستطع أحد الوصول إلى المشير أو رئيس الأركان، الهواتف كانت مغلقة، كان هناك اختفاء تام لهما وللآخرين، ويبدو أن ذلك تسبب فى انتشار موجة من الشائعات دفعت ياسر على «المتحدث الرسمى باسم الرئاسة» إلى نفى ما تردد عن وضع المشير ورئيس الأركان تحت قيد الإقامة الجبرية، وقال: إن المشير طنطاوى والفريق عنان لهما كامل التقدير، وأن الرئيس مرسى أكد فى الاحتفال بليلة القدر أن القرارات التى تم اتخاذها ليس مقصوداً منها أشخاص ولا مؤسسات، ولكن تجديد الدماء، وقال إن طنطاوى وعنان تم إبلاغهما بالقرارات الجديدة، السبت 11 من أغسطس قبل إعلانها.
كان كلام د.ياسر على الذى صرح به فى هذا الوقت يصطدم مع حقائق الأمور، فالقرارات كانت مفاجئة، وأستطيع أن أقول بكل ثقة: إن المشير ورئيس الأركان لم يكونا على علم بهذه القرارات وأنهما فوجئا بوقائع ما جرى.
لقد ترددت فى هذا الوقت روايات عديدة، جميعها كاذبة، حول مواجهة الرئيس للمشير ورئيس الأركان بملفات عن الفساد أو تسجيلات عن انقلاب عسكرى، كان يجرى تدبيره ضد الرئيس، وهو ما دفع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى إصدار نفى على لسان «أدمن» صفحته لما أذاعته قناة «الحرة» الأمريكية فى هذا الوقت من قيام مصدر فى المخابرات الحربية بالتصريح بأكاذيب عن ملفات حساسة تخص المشير ورئيس الأركان جرى تسليمها للرئاسة ومواجهتهما بها.
ونفى المصدر العسكرى فى هذا الوقت أنهما قيد الإجابة الجبرية، ووصف ما نشر وأذيع بأنه يأتى ضمن سلسلة المغالطات والأكاذيب التى لا تهدف إلا إلى زعزعة الاستقرار فى مصر، وداخل القوات المسلحة، وأن المجلس الأعلى أكد أنه لا صحة مطلقاً لهذه الأكاذيب، وأن كلاً من المشير طنطاوى والفريق عنان يمارس حياته بصورة طبيعية، ويمارس وظيفته الجديدة التى كلف بها مستشاراً للرئيس.
ورداً على انتشار الأكاذيب عن أن اكتشاف محاولة للانقلاب العسكرى، كان هو السبب وراء قرارات الرئيس، قال «أدمن» صفحة المجلس العسكرى: «إن المجلس العسكرى أدى الأمانة وعبر بمصر إلى بر الأمان وسلمها إلى السلطة الشرعية التى انتخبها الشعب المصرى، وأثبت أنه ليس طامعاً فى سلطة ولا يسعى إلى منصب» رغم ما سماه بمزايدات الكثيرين، وقد آن الأوان ليستريح الفارس بعد عناء الرحلة!
فى هذا الوقت، كان الناس مهتمين بالحديث عن وقائع ما جرى، والاتهامات الكاذبة التى رددتها عناصر من جماعة الإخوان، وتناسى الكثيرون خطورة إلغاء الإعلان الدستورى المكمل وما يمكن أن يليه من قرارات.
ظل الجدل فى الشارع مستمراً ولعب الإعلام وبعض قيادات جماعة الإخوان والنشطاء دوراً تحريضياً بحملة من الأكاذيب استهدفت المشير والفريق عنان تحديداً، إلا أن القوات المسلحة لم تشهد أى تحرك معادٍ لهذه القرارات، وكان لذلك أسباب متعددة أبرزها:
- أولاً: قبول المشير والفريق عنان والقادة الذين تمت إقالتهم لهذه القرارات، حرصاً على استقرار البلاد ووحدة الجيش وإعلاء للمصلحة الوطنية على حساب الموقف الذاتى.
- ثانياً: قبول الجيش بالتغييرات الجديدة، خصوصاً أن الفريق أول عبدالفتاح السيسى والفريق صدقى صبحى يتمتعان بشعبية وقبول كبير داخل مختلف أوساط القوات المسلحة، باعتبارهما يمثلان الجيل الجديد الذى باتت القوات المسلحة فى حاجة إليه ليكمل مسيرة العطاء للقادة السابقين، لا سيما أن المجلس العسكرى مهد لهذه القرارات منذ مايو 2012.
- ثالثاً: التطورات التى تشهدها البلاد والتى تتطلب الحرص على الاستقرار ورفض أى محاولات للانقسام، وهى عقيدة ثابتة لدى الجيش المصرى الذى تحمل ضباطه وجنوده الكثير من الإهانات خلال الفترة الانتقالية وحتى عودتهم للثكنات.
لكل ذلك، لقى التغيير الجديد فى قيادة الجيش حالة من القبول داخل أوساط القوات المسلحة، وإن كان هناك من رأى أن الطريقة التى تمت بها إقالة القادة كانت مهينة، ولا تعكس احتراماً للدور الذى قاموا به طيلة تاريخهم وتحديداً خلال فترة الثورة والفترة الانتقالية وصولاً إلى تسليم السلطة لرئيس منتخب.
ومنذ هذا الوقت، اختفى المشير ورئيس الأركان ورفضا الحديث عن وقائع ما جرى، وإن كانت محاولات الاستفزاز والتهليل لانتصار الرئيس وإسقاطه لما سموه «بالحكم العسكرى» لم تتوقف.
إن السؤال الذى يطرح نفسه، هل كان المخطط أكبر من عزل المشير ورئيس الأركان وإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، أم أن الأمر جرى فقط بقصد الإمساك بكل خيوط اللعبة فى يد رئيس الدولة؟
إن غالبية المحللين السياسيين الذين تابعوا الأحداث منذ وصول الرئيس مرسى تحديداً إلى سدة الحكم فى البلاد، أدركوا أن المسألة لم تكن متعلقة بما تردد -دون سند- عن استرداد الرئيس صلاحياته التى اغتصبها المجلس العسكرى، كما كانوا يقولون، وإنما الأمر كان متعلقاً بما هو أخطر: تغيير هوية الدولة المصرية وإعداد دستور يكرس لذلك، فى غيبة المجلس العسكرى، الذى كان يتمتع بمقتضى الإعلان المكمل بسلطات تمكنه من التصدى لأخونة الدستور وتغيير هوية الدولة.
كان بإمكان المشير أن يقول لا لإلغاء هذا الإعلان المكمل، لكنه لم يفعلها خوفاً من دخول البلاد فى صراعات حاول تجنبها، لكنه بالقطع يشعر الآن بالندم عندما سمح للرئيس بتجاوز هذا الإعلان المكمل، خصوصاً أنه لم يكن بالقطع يعرف أن مصير البلاد أصبح على المحك بفعل انفراد الرئيس بكل السلطات وتولى مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان مهمة تجاوز كل الثوابت والخطوط الحمراء وإثارة الانقسام والفوضى.