الأقباط متحدون - ليست المسامير هى التى ثبتت المسيح على الصليب
أخر تحديث ٠١:٥١ | الاربعاء ١ مايو ٢٠١٣ | ٢٣ برمودة ١٧٢٩ ش | العدد ٣١١٣ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

ليست المسامير هى التى ثبتت المسيح على الصليب

الصليب
الصليب

 بقلم:  سمير حبشــى

 
يا إخوتى شاركونى خواطرى وتخيلوا معى ، فى أنه لوترك كل الفلاسفة كهوفهم المتقوقعين فيها  ، والمفكرون صوامعهم التى يطبخون فيها أفكارهم  ، والشعراء كل بساتين خيالهم ، سيقفون جميعهم على جبل عال صامتين ، متهيبين ، مصغين إلى صوت ملك الملوك وهو يقول لقاتليه :" ياأبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ".. 
 
ولو أقسم الكل أو باحوا بكل الخواطر ، وكتبوا أعظم قصة وتركوا العنان حرا  ليبحر مدادهم على سفن أقلامهم الرائعة  ، ويغوص إلى لب أعماق التاريخ وحياة البشر  ، لن يسطروا ما يصف صدق لحظة  فيها صرخ يسوع بصوت عظيم في نهاية آلامه ، التى هى آلام كفارية ليس له فيها ناقة ولا جمل ، وقال بعد أن تم المكتوب  ( قد أكمل ) . وأصبح رب المجد هوالذبيح العظيم ، الذي لا يستطيع غيره أن يُعطى كل إنسان نصيبا فى غفران الخطايا ، وأتم اللقاء الإلهى الإعجازى لقاء الرحمة والعدل ، وأصبح الحب هو كلمته على الأرض . وضع سرها فى قلوب مخلوقاته ، لتدوم الخليقة التى قدم نفسه فداءا عنها ، وللحب لغة سماوية لغة عليا ، لا يعرفها أو يفهمها إلا كل من أحب الله القدوس ، الله الحقيقى زارع الحب فى قلوب البشر ، والذى يحب أن تسيطر هذه الحاسة السامية على التعاملات اليومية فى حياة المخلوقات .. لذا من لا يعرف هذه الحاسة السماوية ، كانت أيامه أشبه بزمن الشتاء ، تملأ الوحشة أرجاءها . بل أنه دفن فى الأرض أثمن ما فيه .. ومن أحب وجد فى أيامه زمنا لحصاد بذور الحب التى زرعها بكل إهتمام منذ زمن بعيد، فسيجدها نبتت وأينعت .. فالإنسان الذى إختزن فى قلبه رصيدا للحب ، سيجد نفسه فى غروب الحياة محاطا بحب الآخرين واهتمامهم .. يقول الله فى كتابه المقدس ( محبة أبدية أحببتك " ار31 : 3 " ) فالله هو الحب المطلق ، ووجوده فينا هو الذى يحفظ حياتنا بل أننا بالحب نعيش . فلو كان المحيط حبرا والسماء ورقا وكل عشبة فى الحقل قلما وكل إنسان فى الوجود كاتبا فإن حبر المحيط سينفذ قبل أن نستطيع أن نكتب قصة الحب الإلهى .. ولن تتسع صفحة السماء للقصيدة التى عنوانها الله محبة .. نعم أنها قصة المحبة الإلهية ، معجزة الألم المعطاء ، قصة الذات الباذلة ، والدم المراق على خشبة الصليب ، ليطهر أدران البشرية .. قصة الله الذى تنازل متجسدا لينتشل الإنسان العاجز الضعيف من أوحال الحياة . هكذا كُتب ( لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ) ، إن الصليب كان القاعدة التى إستوى عليها الحب الصامت الفائق بلا حدود ، لأن من يحب يتألم بصمت من اجل أحبائه ، وهذا ما فعله الذبيح من أجل جميع البشر. 
يا إخوتى ليست المسامير هي التي ثبتت ملك الملوك على الصليب ، إنما هي محبته للإنسان جبلة يديه ، وشوقه العميق لخلاص الكل ، فارتفع على الصليب ليرفع خطيئة العالم .. وأصبحت المحبة معلقة بين السماء والأرض ليكون هو السلم الوحيد إلى السماء ، لأجل خطايا الناس رضى أن يعلق مسمراً على صليب العار ، لكي يهبنا حياة المجد والفخار . حتى أن الرسول بولس في كرازته لم  يُصر على  أن يعرف شيئاً إلا " يسوع المسيح وإياه مصلوباً " (1 كو 2 : 2) . 
 هذا ما صنعه يسوع الناصري ، وهذه هي المباديء التي صُلب لأجلها مختاراً ، جاء ليجعل قلب الإنسان هيكلاً ، ونفسه مذبحاً وعقله كاهناً . فالذين عاشوا حبه ، وشربوا وارتوا من خمرته المعتقة ، وتناولوا من فصحه المقدس حتى الشبع ، هم  الصاعدون على سلم محبته ، وأما الرافضون والهازئون بصليبه ويعيشون فى ظلام أكذوبة " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم "   فقد إظلمت بصيرتهم ، فلم يعرفوا من هو الذى توقف غضب الريح والأمواج بإشارة من يديه ، ومن قال للجثة التى أنتنت : "  قومى فدبت فيها الروح فى اللحظة والحال " ثم من كان يجول بين البشر ليصنع خيرا  وينثر بذار الحب فى كل مكان حتى مع المرأة الزانية والتى أُمسكت فى ذات الفعل يقول : هل أدانك أحد ؟ ، حتى أنا لا أدينك ، وهو الديان منذ الأزل ، هؤلاء الرافضون هم العميان الذين لا يقبلون الشفاء ، وقد ضموا أنفسهم بغباء إلى  من صرخوا قائلين فليكن دمه علينا و على أبنائنا ، اصلبه اصلبه . وداروا يصلبون أبناءه الواحد تلو الآخر ، ويهدمون ويحرقون الهياكل التى بنيت على إسمه .
 
قد قضى الرب يسوع ستة ساعات على الصليب ، وفى النصف الأخير من الست ساعات بكت شمس النهار ، فغطت دموعها نورها فاظلمت الدنيا ، وهذه هي الساعات الثلاث التي تمت فيها الكفارة ، حيث أنزل الله على إبنه الوحيد الدينونة التي كان علينا أن ندفعها ، لكنه تحملها فى غمار حبه نيابة عنا ، وتم ما هو مكتوب في إشعياء النبي " أما الرب فسّر أن يسحقه بالحزن " ( إشعياء 10:53 ) . وعبَرت الأرض على إعتراضها وحزنها ، فكانت ثورتها فقد إنشق حجاب الهيكل إلى نصفين من فوق إلى اسفل ، وارتعدت الأرض من جسامة الفعل فتزلزلت والصخور تشققت .. يا إخوتى المحبة هى سنديانة ولها الكثير من الفروع .. المحبة إصرار وعطاء بلا عودة أو رجوع .. المحبة عندما تجسدت صارت يسوع ...    " الله محبة " 
 
وكل عام وأبناء يسوع بخير .

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع