بقلم : مدحت بشاى
«الحُريَّة من المُبَشِّرات لِغدٍ مُشْرِق» كان عنوان مقال سابق فى تلك المساحة، والعبارة جاءت على لسان مرشد الإخوان، عبر رسالته الأسبوعية التى تصلنا جميعاً عبر البريد الإلكترونى، واعتذرت لاقتباسها حينئذ، وطلبت غفران فضيلته، لأنه يأتى مُدعّماً لسبب كتابة المقال، فتعريفاته للحرية والعبودية تقول: «من الناس من يختار أنواعاً من العبودية غير العبودية للبشر الصريحة، ولما فطن الخصوم إلى الكيفية التى يستعبدون بها البشر، أوقعوهم فى أنواع من العبوديات المبتكرة، وذلك بطرقٍ جديدة فى فتح أبواب العبودية، بأن يكون الناس عبيداً لأفكارهم بما يهيمنون عليهم من مصالح وأهواء»، كما شدد على أن العبودية غير الصريحة للبشر من خلال الأفكار عملت على انتشار حريات، هى فى الحقيقة عبوديات، فصار بعض الناس عبيداً للشهوات، فالشهوة هى التى تُحرِّكُه وتقيمه وتقعده، وكل ذلك فروع على الأصل الشيطانى الإبليسى الذى يدخل للنفس البشرية من باب الشهوات، وباب الشكوك والشبهات، وقلت مستنتجاً: «سبحانك ربى، إنها شهوات التمكين، وعبودية السمع والطاعة، والاستعباد عبر المغالبة لا المشاركة.. نعم إنها عبوديات الإخوان المبتكرة، والحرية التى يبشرنا بها فضيلته، والغد المشرق بها» !.
وعليه أسأل: هل ما يعانيه المواطن فى زمن حكم الإخوان يتمثل فى تبعات تطبيقات وتفعيل آليات هجومية غريبة تهدم بقسوة كل ماترك لنا الأجداد من مؤسسات عتيدة محترمة، بما حافظت عليه من قيم ومبادئ، ونظم أداء عالمية مُتفق ومُتعارف عليها بين خلق الله أجمعين على الكرة الأرضية؟!
وأتبعه: هل الجلود السميكة التى عَرّفَ بها الرئيس الإخوانى نوعية جلود أهله وعشيرته كفصيل مميز من دون خلق الله، وبما يعنى فقدان الحس بالألم بعد موت أو تمويت موصلات الإحساس إلى ظاهر وسطح أبدانهم فوق البشرية.. هل تلك الجلود هى صاحبة الفضل فى عزلهم عن الناس والدنيا، والإتيان بأفعال وقرارات لتسويد العيشة واللى عايشينها، وهم لا يعلمون، أو لعلهم يتغافلون أن أهل المحروسة من البشر العاديين، كما خلقهم المولى العظيم، وأحسن خلقهم من أصحاب الأعصاب تحت الجلود مباشرة، وهى الأعصاب التى تشعر، وتحس، وتتألم، وتصرخ، ولديهم من الدماء التى تشتد احمراراً، لتتجمع، وتعلن عن مناطق إيذاء الجسد، وفى النهاية تؤكد أنهم بشر من دم ولحم؟!
المصريون يا إخوانى «الإخوان» قد أعيتهم حيل التعبير والإعلان عن الغضب الرافض لزمن ونظم حكمكم، بعد أن جرب التظاهر السلمى الرائع، والاعتصام، وصولاً لإعلان العصيان المدنى الجزئى فى مدن القناة، وتقديم الشهداء، لإثبات عظيم رغبته لاختراق الجلود السميكة، لعل مسارات الدم فى العروق تُفتح من جديد لتتماهى بأصحابها مع مثيلاتها فى أجساد المصريين.
وعليه، فقد لجأ شبابنا إلى الاستفادة من إبداعات الغرب بعد تمصيرها، وتزويدها بما يلزم من مفردات خفة الدم المصرية، فذهبوا إلى بيت السلطان فى منطقة المقطم، بعد أن تخففوا من ملابسهم، ورقصوا رقصة «هارلم شيك»، وهى المأخوذة من رقصة من شرق أفريقيا تسمى «إسكيستا» ـ فى حى هارلم الزنجى بنيويورك فى مطلع ثمانينيات القرن العشرين، ومبتكر الرقصة شخص من قاطنى هارلم يدعى «آل بى»، ولذلك سميت الرقصة فى حى هارلم ـ فى بدايتها ـ «ألبى»، غير أنها سميت لاحقًا «هارلم شيك»، أى «هزة هارلم». نُقل عن «آل بى» قوله: «إن الرقصة ما هى إلا هزة مخمورة، إنها هزة كحولية، ولكنها رائعة»، وتعجب الجميع زاعما أن أصول الرقصة ترجع إلى قدماء المصريين، واصفا إياها بأنها ما تفعله المومياوات التى لا تستطيع التحرك بالمعنى الصحيح للحركة، بل تهتز فحسب، لأنها مغلفة باللفافات.
لقد كان الغرض إعلان الشباب أنهم يعلنون بجسارة- نتفق، أو نختلف حول شكل الإعلان- أن زمن الخوف قد ولّى، ولم يعد يؤثر فيهم دروس التدين الدعائى المظهرى خلف جدران حصونهم بعد أن «بانوا بانوا على أصلهم بانوا» عبر ممارسة التعذيب وانتحال صفة النيابة، وأهل التحقيق مع البسطاء، ورموز المعارضة أمام الاتحادية، وصولاً للسحل والاعتقال، ومعاودة تفعيل زيارات الفجر المروعة، كما حكى البعض فى وسائل الميديا، ودون ردٍ من وزارة الداخلية أو مؤسسة الرئاسة!.
وفى شكل إبداعى جرىء آخر، قرر شباب منطقة القناة كسر قرار الرئيس حظر التجوال، فقاموا بتنظيم جدول مباريات لدورى بين فرق الشباب فى الشوارع، للرد البليغ والرائع على من دبروا مجزرة بورسعيد، ومن تورطوا فى الهجوم على المشيعين لجثامين شهداء تلك المجزرة، ليسقط عشرات من الشهداء من بين المودعين لأحبابهم، وليقولوا بردهم على الأرض إنه لا حظر على الأحرار فى أوطانهم.
وفى درس واضح وجلى أيضاً، أعلن الشباب المسيحى ومن شاركهم الحضور من إخوانهم المسلمين للاحتفال بعيد القيامة المجيد فى الكاتدرائية المرقسية- موقفهم، بعدم تصفيقهم بعد كل مرة يتلو فيها قداسة البابا اسما من أسماء رموز الرئاسة، ووزراء الفشل والإرهاب، وتصفيقهم المدوى بعد ذكر كل رموز الاستنارة، والمنحازين للشعب، ومصالحه، مثل الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، والفريق «السيسى» والقاضى «الزند» وغيرهم. فلا مكان لأعداء التسامح والعيش المشترك بيننا، رافضين دعاوى وجود السلاح بالكنائس وتصريحات «الحداد» ممثل الرئاسة حتى لو كانت بالإنجليزية موجهة إلى بلاد الفرنجة، وحديثه حول تورط الأقباط فى أحداث الكاتدرائية، وقبل أن تشرع النيابة وجهات التحقيق فى استدعاء من تم توجيه التهم إليهم !.
درس آخر رائع رد به الشعب المصرى على نعيق بوم الكراهية فى سماء المحروسة، فتبادلوا تهانى الود والمحبة والسلام، وقاموا بفرش ملاءات الحب فى جناين المحروسة يأكلون الفسيخ، ويشربون الشاى، نخب العيش المشترك يوم شم النسيم.. متى يقرأ هؤلاء تركيبة الشعب المصرى الذى يخذل كل محاولاتهم، ولا يتعلمون؟!
أخيراً، أى نعم، الأغبياء بقايا جهنم على الأرض.
medhatbe@gmail.com