الأقباط متحدون - أمريكا والإخوان وأتباعهم
أخر تحديث ١٤:١٩ | الجمعة ١٠ مايو ٢٠١٣ | ٢ بشنس ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٢٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

أمريكا والإخوان وأتباعهم

بقلم   د. عمار على حسن  
 
قبل وصول الإخوان إلى الحكم فى مصر كانت هناك ثلاث رؤى تحدد تقييم الغرب لصعود ما تسمى حركة «الإحياء الإسلامى»، خاصة فى شقها ذى الطابع الدولى، الذى تعدى حدود البلاد التى نبت فى تربتها، وساح فى مناطق عدة على سطح البسيطة، تتوزع على قارات خمس تقريباً، وتمعن فى تحدى الولايات المتحدة على مستويات تمتد من القيم إلى السياسات، ومن السلوك اليومى إلى الاستراتيجيات البعيدة.
 
والرؤية الأولى، ورائدها ناعوم تشومسكى، نظرت إلى هذه الحركة على أنها رد فعل لسياسة واشنطن الداعمة بشدة لإسرائيل. والثانية تحدثت عن هذه الإحيائية بوصفها تمثل جوهر «صدام حضارى» بين المسلمين والغرب، وقاد صمويل هنتنجتون من يتمسكون بهذا الاتجاه. أما الثالثة فتتعامل مع الإحياء الإسلامى على أنه رد ثقافى ــ نفسى يتماس مع دوائر سياسية واجتماعية واقتصادية أوسع على «الحداثة»، التى حمل الغرب لواءها، وهز بها رواسب ماضوية فى بلادنا. ويدافع باول بيرمان عن هذا الفهم لحالة الاحتقان بين الجناح العنيف من الإحيائية الإسلامية والعالم الغربى.
 
وهذه الرؤى بُنيت فى جوهرها على تحليل خطاب زعماء «تنظيم القاعدة»، قبل ١١ سبتمبر وبعده، وإن كانت تتلاقى فى بعض الجوانب مع طروحات غربية قديمة بذلت ما أمكنها من جهد فى تفسير أسباب صعود الحركة الإسلامية، بجناحيها المعتدل والمتطرف، لكنها فشلت فى أن تقدم أجوبة جامعة مانعة فى هذا المضمار. وفى حقيقة الأمر فإن «صدمة الحداثة» و«صدام الحضارات» و«الثأر من أمريكا» ليست كافية كمداخل للوقوف على حقيقة ما دفع الإسلاميين المتطرفين إلى السير على درب مواجهة أمريكا. فـ«بن لادن» كان حليفاً ظاهراً لواشنطن إبان حركة «الجهاد» ضد الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان. أما الظواهرى فظل عدة عقود مشغولاً بمحاربة «العدو القريب»، الذى يعنى تحديداً النظام الحاكم فى مصر، ولم يكن موقفه من الولايات المتحدة يتعدى حدود الاحتقان النفسى الناجم عن تأييدها السافر لإسرائيل، ووقوفها، فى الوقت ذاته، خلف مبارك.
 
نعم غذت سياسات الولايات المتحدة المتحيزة لإسرائيل حالة الغضب داخل كثير من الجماعات الإسلامية، الراديكالى منها والمحافظ، وساهمت، إلى جانب قمع الأنظمة الحاكمة وتسلطها، فى توجه بعض فصائل الحركة الإسلامية إلى العنف، وتحولها من «الداخل» إلى «الخارج»، سواء على مستوى التواجد أو تحديد الأهداف، وبمعنى أكثر دقة «تعيين العدو». لكن هناك من تحدث عن خصائص بنائية تجعل القطاع الأكبر من الحركة الإسلامية، لاسيما تلك التى تأخذ بعداً دولياً، تطرح نفسها «بديلا استراتيجيا» لما هو سائد، سواء على مستوى كل قطر عربى وإسلامى على حدة، أو كقوة عالمية بديلة، مستندة فى هذا إلى تأويلات تتحدث عن أن الإسلام «دين عالمى».
 
وهذه الطبيعة البنائية وجدت فى الظروف العالمية الراهنة ما وجه «تنظيم القاعدة» إلى منازلة «العدو البعيد» وهو الولايات المتحدة، لكنها لا تنتج فى حد ذاتها، كما يتصور بعض الباحثين وصناع القرار فى الغرب، عنفاً، عشوائياً أو منظماً. فالطبيعة ذاتها متجذرة فى عقول بقية المسلمين ونفوسهم، إلا أنهم جميعا لا يسيرون فى الطريق ذاته الذى سار فيه «تنظيم القاعدة» والتنظيمات والجماعات المتطرفة التى تتخذ من الإسلام شعاراً سياسياً لها. ومن ثم فإن طروحات من قبيل «صدام الحضارات»، التى تعنى فى غايتها وضع العالم الإسلامى برمته، دون أى سند من حق أو مسوغ من عدل، فى موقع «العدو»، لن تقدم حلاً ناجعاً لمشكلة الإرهاب، ولن تحقق الأمن لواشنطن، أو تسمح لها بأن تقنع العالم بأنها «قائد العولمة»، فى مختلف أوجهها. كما أن الوجهة الجديدة للأمريكان- وهى دعم جماعة الإخوان لتطويق الحركات المتطرفة والإرهابية- لن تجدى نفعاً، فبعض هذه الحركات يتقاطع مع الإخوان، لاسيما بعد أن سيطر القطبيون على الجماعة، فى أفكار وتصرفات كثيرة، وبعضهم أو جلهم خرجوا أساساً من عباءة هذه الجماعة الأم. كما أن الجميع يدرك أن واشنطن تستعمل الإخوان كبديل استراتيجى لمبارك فى خدمة المصالح الأمريكية، ومن ثم فإن أحداً من الجهاديين لن يطيع الجماعة حين تطلب منه تصفية الخلاف مع الأمريكان.
 
ويكمن الحل الناجع فى حزمة من الإجراءات المتكاملة، أولها كف الولايات المتحدة عن مساندة العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى. وثانيها امتناع واشنطن عن مساندة نظم حكم فاشية واستبدادية، ومنها السلطة التى فى مصر الآن، بما يسمح بتغيير سياسى وتحديث اجتماعى ذاتى وحقيقى، ينهى حالة الاحتقان من هذه الأنظمة، وهنا تنبع ضرورة فتح الطريق أمام احتواء الحركة الإسلامية وليس إقصاءها واستهجانها، مثلما هو قائم الآن، شريطة تخليها التام عن العنف، فى الداخل والخارج، وتسليمها بقواعد مدنية للحكم تقوم على تداول السلطة واحترام حرية التعبير. أما ثالث هذه الإجراءات فيتمثل فى «تعميق فهم الدين الإسلامى» وليس إقصاءه أو تنحيته أو محاربته، فهذا أمر غير ممكن وسيجابه بمقاومة شرسة. وهذا التعميق يجب أن يناط بالفقهاء المعتدلين من المسلمين، الذين يلقون قبولاً لدى الناس، ويعون مستجدات العصر، ولا يفرض من الخارج، فى شكل مطالب تنطوى إلى إجبار مبطن بتعديل مناهج التعليم الدينى. فاليد الخارجية ستجعل أى محاولة إصلاحية ينظر إليها جماهيرياً بشكل كبير، وهو ما يصب فى مصلحة الجماعات الدينية المتشددة.
نقلا : المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع