بعد مقال الأسبوع الماضى «أقباطنا فى عيوننا رغم فتاوى الجحود والنُكران» (المصرى اليوم، السبت ٤ /٥ /٢٠١٣)، انهالت علىّ مكالمات ورسائل إلكترونية من أصدقاء أقباط يُعاتبوننى لعدم التنويه بصداقتهم لى... وهأنا أعتذر لهم فى نفس المقال الأسبوعى فى نفس الصحيفة. وأعتذر مرة أخرى عن ضيق المكان لذكر أسمائهم جميعاً.
ولكننى أخص بالذكر أصدقائى من أقباط المهجر، فقد وقف هؤلاء وقفات مشهودة ضد من حاولوا استغلال المسألة القبطية للإساءة إلى مصر، أو إلى المصريين، مسلمين كانوا أم غير مسلمين.
وأخص بالذكر هنا ثلاثة من الأقباط العظام على الساحة الأمريكية، أولهم المستشار سامى عازر حنين، كبير أقباط مصر فى ولاية كاليفورنيا. وقد عرفته وشاركت فى أنشطة عديدة فى مدينة لوس أنجلوس وضواحيها. وقد أخذ الرجل على عاتقه إصدار صحيفة مصرية باللغة العربية باسم «المُهاجر»، تُعنى بأخبار الجالية المصرية عموماً، وبالمُهاجرين الجُدد خصوصاً، وأين وكيف يجدون ما يلزمهم من خدمات.
كذلك لا يمكن الحديث عن أقباط المهجر دون ذكر المهندس ورجل الأعمال الكبير كميل حليم، الذى أصبح من الشخصيات المرموقة فى ولاية إلينوى عموماً، وفى مدينة شيكاغو خصوصاً. وكميل حليم هو نموذج ناجح للعصامية المصرية، فقد بدأ هذا الرجل رحلته بشراء وترميم المبانى الآيلة للسقوط، ثم تجديد وتنمية أحياء بأكملها فى منطقة شيكاغو، وفتح الباب للعديد من المُهاجرين المصريين لكى يصبحوا رجال أعمال مثله.
أما الشخصية المصرية القبطية الثالثة التى تلألأت فى سماوات أمريكا فى السنوات العشر الأخيرة فهى المحامية القديرة دينا جرجس، التى يعود إليها الفضل فى تأسيس منظمة «أصوات من أجل مصر ديمقراطية»، وهى المنظمة التى قادت المظاهرات ضد حكم الرئيس محمد حسنى مبارك، ودافعت عن كل سُجناء الرأى والضمير الذين تعرضوا للتنكيل فى عهده ابتداء من نوال السعداوى، وأسماء محفوظ، إلى أيمن نور، وصاحب هذا القلم. كما كانت هى رأس الحربة فى الحملة التى دعت إلى عودة الدكتور محمد البرادعى من وظيفته الدولية المرموقة فى وكالة الطاقة النووية بالنمسا، والترشح لمنصب رئيس الجمهورية. وفى هذا السياق كانت ضمن الحملة التى نظمت له مُحاضرات فى جامعتى هارفارد وبوسطن، وساهمت فى جمع آلاف التوقيعات لحملة المليون التى اشترطها د.البرادعى لكى يُلبى النداء. ورغم أن الرجل خذل دينا جرجس و«أصوات من أجل مصر ديمقراطية»، إلا أن القدر عوضهم بانفجار ونجاح ثورة ٢٥ يناير٢٠١١.
إننى أكتب هذا المقال عشية احتفال أقباطنا بعيدهم، وقد شاهدت، مثل الملايين فى مصر وحول العالم، مشاركة مئات الشخصيات المصرية المسلمة المرموقة أشقاءهم الأقباط فى القداس المهيب الذى ترأسه لأول مرة البابا تواضروس الثانى. وكان عُرساً للوحدة الوطنية فى أحلى صورها. وأظن أن الحفاوة والتصفيق اللذين حظى بهما الإمام أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، ود.عبد الرحيم على، مندوب الفريق أحمد شفيق، والفريق أول عبدالفتاح السيسى، والمستشار أحمد الزند، رئيس نادى القُضاة، كان خير وأبلغ رد على تنطع وجهالة الشيخ عبدالرحمن البر، الذى يُلقبونه بمفتى الإخوان المسلمين. إن الشيخ الطيب، والفريق السيسى، والفريق شفيق، والمستشار الزند هم رموز المؤسسات الثلاث ـ الدينية والعسكرية والقضائيةـ التى تستند إليها الدولة المصرية العريقة، والتى يُحاول أمثال عبدالرحمن البر تقويضها أو أخونتها، لكى يؤسّسوا مكانها دولة الخلافة المزعومة، التى لم يفوضهم المسلمون داخل مصر ولا خارجها بمهمة تأسيسها. فحقيقة الأمر أن المليار ورُبع المليار مسلم فى عالم اليوم يعيشون فى كل دول العالم المائة والأربعين، وولاءهم هو لدولهم المستقلة، ذات العضوية فى منظمة الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الإقليميةـ مثل منظمة المؤتمر الإسلامى، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة دول شرق آسيا (الآسيان).
لقد أصبحت الدول الحديثة تقوم على أساس الولاء للتراب الوطنى واللغة والثقافة، وليس على أساس الدين. والقليل من دول العالم الذى اعتمد الدين أساساً واحداً للهوية، مثل باكستان وإسرائيل وأفغانستان وأيرلندا، دفع ومازال يدفع ثمناً غالياً. فالمُزايدات الدينية ليست لها نهاية أو حدود. فأصحابها ينقسمون، ثم يتجزأون، ثم يتشرذمون. وهم يُبددون طاقاتهم وثرواتهم فى مُناقشات ومُناظرات عقيمة، تنتهى عادة بالاقتتال. وقد عانت أوروبا من الحروب الدينية ومحاكم التفتيش الشىء الكثير طيلة سبعة قرون، سُميت «العصور المُظلمة» (Dark Ages).
وما كان قد صرّح به الشيخ عبدالرحمن البر، مفتى الإخوان المسلمين، من أعلى هيئاتهم السيادية، وهى مكتب الإرشاد، هو مقدمة السقوط فى عهد ظلمات جديدة، صناعة إخوانية. ولكن مُنقذنا نحن المسلمين ومُنقذ الإخوة الأقباط من ضلالهم، هو السُرعة التى يستعيد بها شبابنا المصرى وعيه، الذى كان قد غاب لحظة قصيرة، اختطف فيها الإخوان ثورته ثم رئاسته.
وقد تجلت عودة الوعى لدى شبابنا الذين خاضوا الانتخابات الطلابية خلال الشهرين الماضيين، واكتسحوا فيها القوائم الإخوانية. وكذا لدى عُمالنا فى اتحاداتهم المستقلة التى رفضت تلبية دعوة رئيس الجمهورية للاحتفال بعيد العمال (أول مايو) فى القصر الجمهورى، وفضلوا الاحتفال به على طريقتهم الشعبية فى مركز ابن خلدون. كذلك تجلت عودة الوعى فى مسلسل الاستقالات بين مستشارى رئيس الجمهورية، الذين استيقظت ضمائرهم فى أقل من سنة من العمل مع د.محمد مرسى، وفى مقدمتهم الأخ سمير مُرقس، الذى رفض أن يكون مُحللاً للإخوان عند الأقباط.
بعد ما شهدته الساحة المصرية من تخبط النظام الإخوانى ومن والاه، ومن اكتئاب جماعى، ثم من انتفاضات فئوية وجهوية، فإن نهاية حكم الإخوان أصبحت وشيكة، وبأسرع مما توقعه كثير من المُراقبين فى الداخل والخارج. وسيبقى الأقباط فى حضن وطنهم، وسيبقى الوطن فى حضنهم إلى أبد الآبدين مهما كره الإخوان المسلمون.
وعلى الله قصد السبيل.
semibrahim@gmail.com
نقلا عن المصري اليوم